خلق الإنسان عمل يقوم به الله بعون الإنسان

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

بقلم روبير شعيب

روما، الأربعاء 2 فبراير 2011 (Zenit.org). – تتعدد الشروحات لآية سفر التكوين “فلنخلق الإنسان على صورتنا”. فالفعل بصيغة الجمع ولّد كثيرًا من التساؤلات وقد قُدمت له عدة تفاسير سنقدم بعضًا منها هذه المرة، ولكننا سنترك التفسير الذي نعتبره الأمثل والأكمل لمرة أخرى، لنعالجه بتوسيع أكبر.

عزا البعض بهذا الجمع إلى جمع الجلالة، بينما قال البعض أن اللع يخاطب الملائكة، بعضٌ آخر اعتبر أن في ذلك بقايا للعقائد الوثنية بتعدد الآلهة (شخصيًا أعتبر هذه النظرية غير واردة لأن نص سفر التكوين لا يشير إلى هذا المفهوم، ولأن الغاية من صياغة النصوص الأولى، نصوص الخلق كانت نفي الكتاب الإلهيين لكل ما هو تأليه لكائنات أخرى سوى الرب الإله).

ولكن هناك تفسير رابيني، رغم أنه ليس واضحًا وجليًا في النص إلا أنه يشكل تفسيرًا روحيًا هامًا. يتساءل النص الرابيني: إلى من يا ترى يتوجه الله في كلمته بالجمع؟ أإلى السماوات والأرض، أإلى الحيوانات البرية والبحرية؟ – لا، بل هو يتوجه إلى الإنسان بالذات فيقول لخليقته: فلنخلق سوية هذا الإنسان الذي هو أنت، فمن دونك أيها الإنسان لا أستطيع أن أخلق إنسانًا حقيقيًا له إرادته وقدرته على أن يكون صورة خير الله وصلاحه في الكون. الله لا يُصنّع الإنسان، بل يخلقه موكلاً الإنسان لذاته لكي ينفتح على عمل الله بحريته وإرادته.

الإنسان هو كما وصفه الفيلسوف المسيحي غابريال مارسيل هو “الإنسان السائر” أو “إنسان الدرب” (homo viator)، أي الإنسان الذي هو في مسيرة أنسنة مستمرة. الإنسانية ليست قبعة يضعها الإنسان على رأس هذه الخليقة، بل هي بذرة يغرسها الله في تربة المخلوق ويوكل إليه مسؤولية أن يجعلها تورد وتأتي بثمر.

هذا التفسير يلقي ضوءًا جديدًا على الآية التي بدأنا بتفسيرها في المرة السابقة: “فلنخلق الإنسان على صورتنا فمثالنا” (تك 1، 26)، ويُفهمنا العبقرية الكامنة في التفسير الأبائي. فبالنسبة للآباء الصورة والمثال ليسا مترادفين وضعهما المؤلف الإلهي لكي يقدم تعابير لا ترابط بينها.

“الصورة” (تسِلِم) تشكل الهبة وهي تعني حرفية النسخة، التصوير. أما “المثال” فهو الغاية، المَهَمَّة. ولهذا يقول لوسكي الذي استشهدنا به المرة الماضية: “الإنسان المخلوق على صورة الله، هو الشخص القادر أن يبين الله بمقدار ما يسمح لطبيعته أن تتخمر بنعمة التأليه”. العبور من الصورة إلى المثال هو عبور بنعمة الله إلى ما هو الله في طبعه. هذا لا يعني الحلولية القائلة بتحول الإنسان إلى شخص الله، فالمبدأ الأقنومي أساسي وجوهري في المفهوم المسيحي للشخص (بعكس أديان آسيا الشرقية والنيو آيج) الإنسان لا يذوب في الله مثل نقطة الماء في المحيط، بل يضحي الإنسان شريكًا في الطبيعة الإلهية بمعنى أنه يعيش الاتحاد بالله ويتحلى بصفات الله، هذه الصفات التي بينها المسيح في وجوده الأرضي فكشف عن أن جوهر الله الأعمق هو المحبة: “الله محبة، فمن أقام في المحبة أقام في الله وأقام الله فيه”.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير