Avatar

Articles par سهى بطرس قوجا

ماذا بعد الخمود النسبي؟

صناعة الموت أصبحت اليوم تنتج أنماطا مختلفة من الوحوش البشرية التي تفترس نفسها قبل أن تقدم على فريستها … أنماط تشكلت من عجينة الإرهاب والإجرام والمصلحة، وهذا وارد في كل بلد تلتهمه الحرب على الدوام  وتسحبه السياسة إلى ملعبها.احترنا في وصف الواقع واحترنا في كل شيء يميل للتعقيد فيه ومجمل حديثنا اصبح عبارة عن تساؤلات واستفسارات لواقع بات كل شيء فيه متوقع وحاصل بسبب الخلافات الظلامية.ففي ظل بلد كالعراق الذي ذاق شعبه شتى أنواع القهر والظلم على مدى سنين متواصلة بسبب انعدام الحوار على طاولته وغياب التلاحم، ماذا سيصبح أو ما هو المتوقع من هكذا تركيبة تتشكل في ظل انتهاكات دائمة؟! نعم … لم نعد نعرف السبيل للفرج ولم نعد نعرف كيف نصف هذا الحال الذي يُغري الموت في أن يبقى فيه؟! حال ينقل الشعب من مرحلة إلى أخرى أقسى ثم إلى مآسي وعصابات تتشكل وتمارس إجرامها بلا ضمير! وبالتأكيد هناك من يريد أن يدوم الحال ويريد أن تبقى الأبواب مفتوحة من أجل أن تهب العواصف كما تشاء وكيفما تريد وحسب ما هو مخطط ومتطلع لها!    داعش هذا الاسم الذي لا صلة له بأسماء الإنسان، أنه الأنتاج الذي تشكل من صُناع الأرهاب، منذ ظهوره المفاجئ في العراق كان كالآلة يحصد ويحصد ويرمي خلف ظهره، إلى أن وصل إلى نقطة لا يمكن له أن يتجاوزها أو يقترب منها بالأساس … وهنا توقف وخمدت نيرانه قليلا ولكن ما زال كالبركان الذي في أية لحظة ممكن أن يتفجر بمساعدة صُناعه! فئات لا مأوى لها هائمة في البراري تقتات من تعذيب النفوس … فئات انتشلت من مستنقعات المياه الآسنة ومن أرض الفساد … فئات منهمكة في التفكير بالرذيلة وكيف تقتل الفضيلة … فئات لا وطن لها وتنثر الفساد في الأوطان … فئات مُسيرة تتبع ما يُرمى لها … فئات لا صلة لها بالإنسان.    هل يمكن لمن يُراد أن يقلع من جذوره أن يتفاءل بعد كل ما يتجرعه من ويلات مستمرة؟ متى تنتهي صلاحية صناعة داعش، وماذا بعد المخططات الدموية المتواصلة؟ ماذا يوجد بعد والشعب المسكين لم يُمارس عليه؟! لربما هنالك حسابات أخرى تأتي بعد الفشل الذي يلحق بالأطراف المتعاونة في سبيل المصلحة المرجوة؟! كل شيء واردّ ما زال هناك فساد وغسل للأدمغة … كل شيء متوقع ما زال الشر هو المحرك والحاكم … وتبقى الأوضاع المتذبذبة تتأرجح وتأتي بالاسوء تحت سمع وبصر العالم أجمع!  العراقي القليل الحيلة والذي ما زال الاضطهاد يلحقه وهو في بلده، ماذا سيبقى منه؟ ما الذي يُرجى من إنسان يعيش الفتن الطائفية، مداهمات مستمرة، اختطاف، قتل، تشريد، مساومة، اعتداء، هتك الأعراض، تهميش، صراعات عنصرية، جوع، عطش، حاجة، مرض، سرقة، غياب، تهجير قسري، تصفية، خوف وفزع دائم، فوضى وتدمير، طعم الموت، صوت ودخان المتفجرات، شعور الحرمان، ضعف شعور الانتماء، فقدان المواطنة ….. الخ! أي حياة هي هذه وماذا بقيّ لم يشاهده ويعاصره طوال سنين حياته؟!شعوب تنهض على دمار شعوب أخرى وموت يصنع من أجل تقليص الحياة! العراقي ما زال في تلك الدائرة يراوح فيها مُجبر! أصبحت أرض الوطن غرفة اختبارات كتلك التي تستعمل من أجل إجراء التجارب الكيمياوية … هكذا أصبح البلد حقل تجارب والكل يصارع من أجل أن يوصله إلى أبواب الجحيم التي تفتح باعتقادات مريضة وتوجهات خبيثة!وهذا الشعب نقول أنه شعب عجيب ومسكين تحمل فوق الطاقة وفوق الاحتمال …. ولكن إلى متى يبقى حاله هكذا ينقله ما بين وبين؟ الكل يعرف ما في الخفاء والكل يعمل فيه من أجل أن يظهره بالصورة المراد لها. لا يوجد من يهتم بالإنسان من أجل الإنسان ذاته بل الكل يركض ويتسابق من أجل الحصول على المقسوم وما تهبه هذه الأرض. نتمنى أن تغلق هذه الفجوة التي تبتلع كل ما تصله ونتمنى أن يكون هنالك قرار موحد بشأن كل الأحداث المتسلسلة التي تشل حركة الحياة وتوقفها وترجعها إلى الخلف، ونتمنى كذلك أن يتم ترميم البلد من خلال بناء دولة بعيدة عن الدين والتطرف.   

هل من يسمع نداء الأبرياء؟!

يمرّ العراق منذ سقوطه في 2003 بظروف استثنائية مفاجئة وخطيرة أخطر من التي سبقتها، تظهر على غفلة كلما اقتضت المصالح والخلافات ظهورها، لتلعب لعبتها وتترك ضحايا ومخلفات يصعب مع الزمن إزالتها أو الانفكاك منها. أنها دائرة يدور بها البلد ولا يعرف له مُستقر أو أين سُيرسى به؟

تاريخ يُكتب بالقلم الأسود والأحمر

ما زال الصمت يخيم على الضمير والرأي العام العالمي وما زالت الألسنة قد ضيعت الحق رغم كل ما يشهد به العالم من أحداث تحدث على أرض بلد طالما عاش الحروب والأزمات. أنه العراق البلد ذات التاريخ الكبير والعظيم ولكن تلك العظمة اليوم تضمحل ويحل محلها كل ما هو عارّ على التاريخ!حسب ما قرأنا في منهج التاريخ في المدارس ، نجد أن الكتب تحدثنا عن تاريخ عريق وفئات من البشر من مختلف الأديان عاشوا أزمانًا طويلة على أرض واحدة بتآخي وتحترم الآخر وتحافظ على بقائه ولم تكن في يوم من الأيام كما هي اليوم مُتناحرة فيما بينها وتذم وتهمش وتضطهد وتقسم وتبعثر من هو للأرض مالكًا. تاريخ أسود يعيشه العراقيين في ظل جماعات تدعي وتنادي بما ليس من حقها .. جماعات تسير في طريق الجهل والإنحراف والظلام ورسمت بالأحمر حرف ( النون) على الجدران! تفعل من أجل الدين ولا نظن بأن هنالك دينًا يدعو للقتل والإرهاب، الدين أيًا كان لم يكن في يوم من الأيام دعوة من أجل إزهاق النفوس وإراقة الدماء، بل الدين رسالة خلاص وسلام كان من أجل أن يكون الإنسان مُسالمًا ويرى الله في الآخر … ولكن ما نشهده هو عكس ذلك تماما، الإنسانية تمزق وبعض الإنسان يتحول إلى كتلة تخلف … مع أني لا أحبذ أن أقول ذلك!كل يوم يمضي على العراق يكون من الهاوية أقرب .. لا يوجد من يسعفه ولا يوجد من ينتشله من الضحالة التي أُسقط فيها! العراق كما يومئ للمتابع، البلد الوحيد الذي يزحف نحو الخلف .. إلى الجهل والتخلف .. إلى زمن العصور البدائية .. إلى واقع يحمل الكثير من الكوارث والمخلفات التي لا تزول بسهولة .. إلى التلوث الفكري والحاضر والمستقبل العقيم .. إلى اعتبار الإنسان أدنى من الحيوان … إلى إنحلال القيم ! فهل من كل هذا أمل في الإصلاح وهل يمكن النهوض ببلد ممزق من جديد بكل ما يحمله من تراكمات ثقيلة وصورة قاتمة تطبعت في أذهان الأجيال الجديدة؟!سؤال لابد من أن يجيب عليه كل من يدعي الديمقراطية وهو بعيد عنها وكل من ينتهك باسم الحقوق وكل من يسلب تحت شعار التحرر والحرية وكل من يكسب باسم المسيحيين! لا نعلم متى تنتهي هذه الزوبعة وما الذي سوف تتركه خلفها؟! السيئ دائما يأتي بالاسوء والماضي المرير غالبًا ما يخلف حاضر عقيم ومستقبل مجهول. وأسفًا على بلد حامل الحضارات أن يشوه تاريخه هكذا تشويه أمام العالم بأسره! وأسفًا على شعب يتناقص وعلى بلد يفرغ ويسكن فيه من ليس له وطنًا! إلى أين يُراد الوصول بهذا البلد الجريح  … لا يتركونه للشفاء؟! يمسكونه بجراحه ويزحفون به إلى نهاية لا يدركونها هم أنفسهم ما هي وكيف ستكون؟! خطط تنفذ من أجل أخرى أبشع، وشعب يذهب من أجل أن يأتي آخر غريب! ويل لوطنًا قُسّم وبِيعَ، وويل لشعب ما زال عن الخفايا جاهل!والقول لكل من يعتبر نفسه مسؤول مع أن المسؤولية فعل، كفاكم رفع الشعارات والخطابات الزائفة التي لا تخدم غير أنفسكم! سنوات تمضي والحال هو اسوء من قبله .. ما الذي فعلتموه ؟! لا شيء ولن تفعلوا ما زال هناك من يُسيركم ويُملي عليكم ما يريد! قلتم أو لم تقولوا .. فوجود الشيء مثل عدمه ما زالت المصالح هي من توقظ فيكم الشرور … 

العراق: صدمة بعد صدمة

إنجازات العراق من الناحية المأساوية لا تنتهي، فكل يوم تأتي بحلة جديدة ووجه متجدد! مؤامرات تُحاك ومسلسل لا تنتهي أجزاءه، كانت البداية مُفاجئة ومُتقلبة وباتت النهاية ضائعة وبدون معالم! العالم ساكت لا يحرك ساكنًا غير أنه ينتقد الممارسات ويرفع الشعارات التي لا تأتي بأي نتيجة! يستنكرون ويهبّون للتعويضات التي تدخل جيوبهم أولا، يتاجرون بالاسم المسيحي ويبيعون ويقتلون نفوسًا وبثمنها يجعلون أنفسهم من أهل الخير. ينادون باسم الحقوق ويفعلون من أجل الدين وهم في الهلاك منغمسين وفي المعصية تائهين!  

رحل ولم يرحل ولن يرحل

تبقى الحياة تنبض بكل ما فيها، ولكن هل كل ما ينبض عليها باقٍ؟! بالتأكيد لكل ما يحيا عليها نهاية تكتب بحروف من الألم وإن أختلفت النهايات وتعددت أسبابها، لكن يبقى أصعبها وأشدها مرارة ما يُكتب على غفلة من الزمن وطيش من القدر! بالأمس كانوا ها هنا واليوم هم في طرقات البُعد راحلين لا عين تبصرهم ولا أذن تسمعهم، فقط قلبًا يحنّ لهم وينشد بأسمهم ويلمحّ شمس الصباح في كل يوم تشرق على جدران مسكنهم وتُحييّ الزهر الذي يستمد الحياة ممن كانوا كل الحياة ولا زالوا وسيبقون.كانوا يسألون عن الرحيل والفراق وما بينهما من اشتياق وحنين، وكيف يكونان؟! ولكن ما من ردّ على السؤال، ألا بعد حين حينما أشار القدر بأصبعهِ الشؤم على ذلك الغصن اليافع وحكم عليهِ حكم نهائي، قائلاً بأن:” الحياة قررت أن توقف نبضها فيك”! فكان الرحيل ورائحة الفراق عالق بأذيالهِ والحنين والشوق يؤخز القلب …. غريبة هي الأمور؟!حينما تستهويك فكرة أن تزرع بذرة صغيرة في حديقة بيتك، ومن ثم تسقيها كل يوم وتعتني بها لتراها بعد ذلك قد خرجت للحياة وكبرت وتكبر عن كل يوم يمضي عليها، ألا تشعر بأنك قد فعلت شيئًا عظيمًا وأنت تراقب وريقاتها الصغيرة تخرج بتحدي من بين ذرات التراب ومن ثم تشمخ في فضاء الحياة لتُعطي زهرها وثمرها؟ فما بالك بإنسان حين تعطيه كل اهتمامك وحنانك ويصبح هو التعود الجميل في سنينك، والعطر الزكي في أيامك، وبعد ذلك يذهب ذلك التعود ويجف ذلك العطر ويغيب ذلك الوجه عن البصر؟! زهرة كانت ما تزال تتفتح للحياة لتنشر عبقها فيها ولكن القدر كان مُبكرًا في قدومهِ وقطفها هو ورحل بها!ها هو القدر لعب لعبتهِ الماكرة بإتقان وتفنن، لا سلطة لنْا عليه ولا منبّه يحمل ليرن ويُعلم بقدومهِ! لكنهُ أناني وماكر حينما يأتي على غفلة ليسرق ويرحل بما ليس لهُ! أنهُ بعد أن يسرق، يقتل كذلك ويُدمي النفوس إلى ما لا نهاية، أنهُ فعلها وسيفعلها حينما تأتيه رغبة الانتقام في أية لحظة.نعم، لحظة حمقاء أقبلت وقلبت جميع الموازين وجعلت الشمس في شروقها وغروبها تلفح النفوس بالحرمان والألم والحسرة والغربة والفراق القادم من صمت الأيام، وتجعل العين تبصر واقعًا مريرًا وهي تذهب يمينًا وشمالاً تبحث عمن تريد رؤيتهم، علهّا تلمحهم قادمين أو جالسين في مكانهم المعهود! تنادي باسمهم بعلوّ صوتك ولكن لا تسمع غير صداه يفجر حصن فكرك حينما يصطدم بالحقيقة، وهي أنهم بالأمس كانوا هنا واليوم لا يوجد منهم غير الذكرى التي تدق ناقوسها الحزين.رحلوا ولم يرحلوا ولن يرحلوا، وإن كانت العين قد أرهقها الدمع ولم تذرفهُ فإن القلب ما زال ينزف مرارًا وتكرارًا من أجلهم، أنهم يبقون كل ما في الحياة، يبقون اللحن الخالد فيها.  ضيف تكون في الحياة ولابدّ في يوم من الأيام أن تغادر الحياة باستعداد أو بدونهِ، ولكن يبقى صعبًا الرحيل باختلافه، تبقى به ومن دونهم مكسور الجناح، ضائع وتائه، الاستغراب يلبسك والدهشة توقظك والتساؤلات تأكل أفكارك والحيرة تضيعك في متاهات لا باب لها! كيف كانوا بالأمس نجمًا يُضيء سماءك واليوم ذكراهم جمرّ يشتعل في القلب؟!أنهُ زمانًا يلبسهُ الغدر حينما يلتم لُؤم البشر، ليخرج خنجره ويضربه بمنْ الحياة تنبض به، كما تجرأ ومدّ خنجره ليقطع غصنًا يافعًا من شجرة ممدودة أغصانها تحت السماء! ولكن كما قلنا يبقى القدر وتكون مشيئة الربّ. كما هو المطر في قدومه في الصيف حينما يهطل بزغاته، ليخبرنا أن سقوطهِ ليس شرطًا أن يكون في الشتاء أو الربيع وحتى الخريف، وليخبرنا كذلك أن الحياة هي نابضة بكل من فوقها وتحتها وبه تحيا وإليهِ حاجتها، وهي هكذا مُستمرة. للعمر بقية وللحلم بقية ولــ من ( رحل ) ذكراهُ التي هي ساكنة الوجود وساكنة الحروف، رحلت نعم ولكنك لم ترحل ولن ترحل ما زال نبض الحياة يُحييني.

العراق: الهجرة وانعكاساتها على الداخل

الأحداث ما زالت في بلدنا مُتأرجحة ومُتقلبة ومن حال إلى آخر أدنى مستوى، بما فيها الهجرة التي ما زالت مستمرة بشكل يثير القلق! هذه الهجرة المتدفقة إلى المجهول تأثيراتها عديدة الجوانب تطال البلد المهاجر منها وإليهِ على السواء، كما وتعتبر المصدر الوحيد للتغيير السكاني الذي بدوره يؤثر على البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.    الهجرة دائمًا نتحدث عنها ونبحث عن أسبابها ولابدّ من هذا لأنها ظاهرة خطيرة تغزو البلاد التي فيها من التشتت والتمزق والتهميش والضياع الكثير، لتزيد من ألم الجراح وتبقيها على حالها بدون علاج! وهي ليست ظاهرة بجديدة في بلدنا العراق، كانت موجودة من قبل ولكنها ليست مثلما هي اليوم مُتزايدة بشكل كبير، دوافعها على أختلاف الزمن هي التي اختلفت وأصبحت غريبة ومُثيرة للقلق وللخوف، بسبب تزايد أعدادها وأشكالها وأسبابها وتداعياتها بحيث باتتْ تشكل خطرًا يُهددّ الوجود السكاني في أراضيهم من الزوال والاضمحلال ثم الاختفاء المُفاجئ!وربما قائل سيقول من خارج مُحيط الأحداث أن الحياة مُستمرة في المدارس والجامعات وأماكن العمل، وهنالك بعض التغيرات العمرانية، مع أقامة بعض المراكز الخدمية في بعض المناطق، وربما لا يوجد ما يثير كل هذا القلق في النفوس والهجرة منهُ؟! نعم الحياة مُستمرة وهناك بعض التغيير الطفيف الحاصل، ولكن هنالك ما يُرافقها بشكل خافيّ وهو الخوف من المخفيّ المُمكن أن يحصل في أية لحظة وعلى غفلة، فلم يعد هنالك أمان ومسؤولية وضوابط توضع لكي تكون هي الضابطة لكل حدثًا! تلك وحدة المصير والعيش المشترك والتلاحم الأخوي بين مُختلف الأطياف، أصبحت تضمحل تدريجيًا وتلغي في قاموس الكثيرين كون ذلك العام أصبح خاصًا، وهذا الخاص أصبح خاصًا لذاتهِ!   نعم هذا هو واقع الحال، وهذا هو الحاصل وهذا ما آلت إليه الأمور، وهذه الهجرة الخطيرة باتتْ تشكل نقمةٍ ونعمةٍ! لأنها شملت هجرة الشباب بُنيان المستقبل وهجرة الخبرات والمهارات والمثقفين وخيرة العقول والكفاءات من أطباء وأساتذة وعلماء …الخ. باتتْ خطر يهدد اللغة والهوية والتواجد والأصالة والتراث، وباب يدخل منهُ من يشاء جالبًا معهُ زوابعّهِ وأعاصيرهِ تعصف بما يصادفها، متى تشاء وكيفما تريد! وهذه الهجرة هي للبعض رحمة لتحقيق ما يرمون إليهِ، طبعًا لأنهُ كلما قلّ عدد الجالسين على مائدة الطعام شبع الحاضرين الباقين وفاضّ عنهم! ومن جانب آخر هي نقمة للمُهاجر نفسهُ لأن ما ينتظره خارج بلده من مجهول أسوء بكثير مما شهدهُ في بلده من ضياع وتشتت وغربة وحاجة. نقول للأسف ذاك البيت ما زال يُفرغ من أناسهِ فردًا بعد فرد بين الحين والآخر وبصورة مُتوالية! ترى ما الحل لهُ وكيف يمكن أخبارهم أن أرض أجدادهم بحاجة إليهم، بحاجة إلى يدٍّ تُغرس في أعماقها لتُبقيها خضراء وتُخرج منها أطيب الثمار؟! كيف السبيل إلى إقناع الأبناء أن آباءهم بحاجة إليهم في كهولتهم؟! كيف يمكن أخبار الأبناء (أرث الأجداد) بأن أرثكم من أجدادكم سوف يُسلب ويُنهب ويُعطي للغير في غيابكم عنهُ، وستأتون يومًا للديار ولنْ تجدوا من يفتح لكم بابًا أو تدخلوا أرضًا كانت في يومًا من الأيام تُدعى وطني وتربتي وأمي وبستاني!    هذا ما تفعلهُ الظروف السيئة التي تمطر بلدًا، وهذا ما تفعله الهجرة المُتواصلة وهذا ما يفعله البعد والفراق عن الديار وهذا ما تفعلهُ الحروب والنزاعات المُتتالية وسقف المصالح واضطراباتها، لكن بالنسبة للمُهاجر ما باليد حيلة عندما تضيق الأفق أمامهُ وتتدنىّ سبّل العيش ويفقد الأمل والأمان، فما يكون منهم غير الرحيل بعيدًا إلى مكان أكثر دفئًا وأمانًا واستقرارًا وفيهِ من ضرورات الحياة مُتوفرة والحقوق مُصانة والكرامات محفوظة ولا تُداسّ!يبقى أن نقول بأنه يجب وضع هذه الظاهرة في الاعتبار ولابد من تضييق الحدود عليها قدر المُستطاع وقطع الطرق عنها، لأنها وأن استمرت بشكلها هذا سوف تضحى الديار فارغة مُستقبلا وسوف يعطي المجال والحرية للعاصفة الصفراء أن تغزو قُرانا رويدًا رويدًا وتُغير من معالمها لكي تضيع ملامحها ولا تُعرف فيما بعد وتصبح غريبة ومشوهة. وهذا لنْ يتم ألا من الشباب قوة المجتمعات أنفسهم، وإقناعهم بهذا من ذاتهم، وهذا في زاوية ما بصراحة صعب الحدوث نوعًا ما لأنهُ مثلما قلنا الظرف هو من يحكم ويرغب ويريد كما أن للانفتاح والثقافات الجديدة دورها الفعال والشامل في هذا!  والهجرة وإن استمرت بشكلها هذا فهي ضربة قاضية مُوجهة لصميم وجود ومستقبل أرض، فلابد من أيجاد نظرة مُوحدة ومُتكاملة وجدية تنظر للحياة البشرية واحترامها بروح الانفتاح والمشاركة الجماعية دون اعتبار لأية خلفية أو خاصية من أجل أرض واحدة تجمعها لغة وثقافة وكيان واحدٍ مُوحدٍ. 

زهرة القيامة!

كما تنبثق الحياة من بذرة زهرة الأستر Aster الغافية بين ذرات التراب، كذلك كان شعاع نور الحياة ينبثق من موت المسيح الجسدي على الصليب، كان كذلك لتتم النبوءة ويتحقق الرجاء بفرحة العبور إلى الحياة الروحية المانحة البركة والمحبة والوحدة، أنها الحياة الجديدة التي أرادها الربُّ للإنسان، أنها هبة واهبة ولابد من تقبلها وصونها بنفس الدرجة الممنوحة وأكثر.عناية وقوة الربَّ لا حدود لهما، فقد عمل الربُّ منذ أن خلق آدم وحواء على المحافظة على شعبه وإدامته، كل الشر الذي كان يصنعه يحوله إلى خير من أجله لأنه ببساطة يحبه ويريد له كل أفضل وأي حبّ أعظم من هذا المقرون بالصبر والتسامح والتوبة؟! والكتاب المقدس بعهده القديم فيه أدلة كثيرة تثبت أن عناية الربّ وخلاصه لا حدود لهما، كما نقرأ في سفر أسْتِير الملكة ( 1 – 10 ) زوجة الملك أحشويروش، التي صبرت وسعتْ من أجل إنقاذ قومها من الهلاك والقتل الذي كان مستشار الملك هامان يريده لهم، كان يسعى من أجل أبادتهم والتخلص منهم ولكن هي باستغاثتها من الربّ وبحكمتها وتحملها الصوم ثلاثة أيام ليلاً ونهارًا ( أستير 4 : 16 – 17 ) جعلت كل ما كان يخطط له ينقلب ضده وجعلت حكم الإعدام يصدر من الملك أحشويروش بحقه جزاء الشر الذي كان يضمره ( أستير 7 : 5- 10 ).     نتعلم من سفر أسْتير أن إرادة الربّ فوق أي إرادة ونتعلم من يسوع المسيح أنه بالصبر والتحمل والثبات في إرادة الربّ هي من تجعلنا دائمًا متأهبين لنيل الحياة الأبدية. كل من يبحث عن الجديد في الحياة الروحية لابد من يُميت ذاته عن الاهتمامات الأرضية، كل مؤمن حق يريد أن يلبس الجديد لابد من أن يبحث عن ذلك المسيح المصلوب على الصليب، ذلك الذي رفع من أجل النهوض من رقاد الأرضي والعبور إلى السماوي الأبدي.ضع دومًا بين عينيك وعلى شفتيك قول الربّ:” قد محوت كغيمٍ ذنوبك وكسحابةٍ خطاياك. أرجع إليّ لأني فديتك” ( أش 44 : 22 ) يدعونا الربّ إلى العودة إليه فبابه مفتوحٌ دومًا، لا يهم ما فعلت بقدر ما هو مهم عودتك بقلب تائب وعبورك من الذي كنت فيه إلى حياة القداسة التي يتمناها الربّ لكل سالكي طرقه. صليب المسيح كل عام يرفع من أجل أن يعلم جميع المؤمنين أن أبن الإنسان قد جاء طالبًا خلاص كل ما يهلك فلنتمسك به من أجل نيل الأبدية. 

الشعور بالانتماء

كما لكل زهرة في الحياة بستانها الخاص الذي تنتمي إليهِ وتحسُ فيها بالأمان، كذلك لكل إنسان انتماء خاص لأرض ما مُرتبط بها روحيًا وفكريًا ولكن قد لا يشعر فيها بالأمان … كيف!أنت غصن من هذه الشجرة، تنتمي إلى هذه العائلة وتُلقب بها، أنك أيضًا وجدت في أرض تنتمي إليها وتتسمىّ باسمها ويُكتب اسمها في أوراقك أينما حللت وتُعرف بها، فالانتماء شعور غريزي ولدت وتربيت عليه، ومثلما تعرف بأنك تنتمي إلى هذه العائلة فكذلك يكون انتمائك لأرضك وتربتك التي جبلت منها وارتبطت بها ارتباط أبدي روحي ومُقدس. لكن في ظل ما تمطرهُ سحب السماء المُتشكلة من كل مما على تلك الأرض ذاتها، قد يُضعف هذا الشعور ويخنقه ويجعلهُ يضمحل ويتلاشىّ ويصبح غريبًا عن ديارهِ ويذهب بعيدًا في الأصقاع حيث ضياع الهوية واندثار اللغة وضعف الولاء وعدم الإرساء على أعتاب وطنًا! نعم ننتمي لإرضًا ولكن فيها قد لا نشعر بالأمان والاطمئنان، مما يحملنا على القلق والخوف والحيرة والتشتت من القادم المجهول واهتزاز الأرض من تحت أقدامنا وعدم المقدرة على ترسيخ الثبوت!  من مِنَ البشر لا يتمنى أن يكون في أرضهِ راسخ كما هو كل شيءٍ راسخ؟! ولكن هذا الرسوخ يأتي من يقلعهُ من جذورهِ ويرميه بعيدًا في تربة أخرى ليثبت فيها وينمو ويكبر، لكن بشعور اللانتماء وإن كان مُنتميًا! بمعنى قد يرتبط بتلك الأرض ولكن ولا يمكن أن تكون في يوم من الأيام لهُ، كونها احتوته فقط ولم تولدهُ والفرق كبير بين أن تكون صاحب أرض وأن تكون ضيفًا ولاجئًا، أن تكون فرعًا بدل أن تكون الأصل!  اليوم هذا الضعف بالانتماء واضح كثيرًا وأصبح يُتعب ويُرهق ولكن ليس الجميع، هنالك من لا يزال مُنتمي وهناك من يُريد أن يقتل هذا الانتماء بأي شكل من الأشكال، أنها دائرة المصالح والبقاء للأقوى التي تدور دورتها لتُحيط بالكل وإن كان رافضًا! وهذا ليس غريبًا في بلدٍ تمزقهُ الحروب والصراعات والتفرقة والعنصرية والتعصب المُقيت.كثير من شباب اليوم المُغترب يُعاني من مشكلة ضعف الشعور بالانتماء، وهذا لا لومَّ فيهِ عليهم، كونهم وجدوا أنفسهم في واقع مختلف عن واقع أتوا منهُ قد أبصروه وقد لم يبصروهُ! نعم فئات كثيرة لملمّت ما تبقى من أشلاء وغادرت إلى حيث ما تتطلبهُ والمفقود في ديارهم! وهذا الضعف بالشعور تولد من السلبية لكل ما هو قائم والانقياد الأعمىّ، ومن اللامبالاة بالحياة وبالكيان الواحد ومن عدم تحمل المسؤولية! أصبح مصير وجود شعبًا اليوم في بلد مثل العراق متوقف تمامًا على حبات الرمل الصغيرة الناعمة والدقيقة الموجودة في أحدى بُصيلات الساعة الرملية التي كانت تستخدم في زمانًا ما، تتقطر حبةٍ حبة إلى أن تنتهي بالانتظار، يبدأ العدّ التنازلي لهذه الحبات وهي توقع نفسها في البُصيلة الثانية من أجل الانتهاء التدريجي! هكذا أصبح الواقع اليوم، الوجود في اضمحلال والأرض في انكماش والأغلبية مشغولين بأمور أخرى مع علمهم بهذا … ولكن لا نفع للكلام ما زال أن لا أذن تسمعهُ ولا يدّ تنفذهُ؟! يرفعون الرايات وينادون بالحقوق ولكن أين هي من الواقع الفعلي؟! تبقى مجرد شكليات وقتية من أجل أعلان الفعل الميت، أنها مجرد طريق تؤدي إلى آخر في الحسابات!الانتماء هو إحساسك وشعورك ووجدانك، هو التأثر الإيجابي بمختلف الأحداث والمتغيرات التي ترافق بلد مُنهك وليس العكس، أن تكون منتمي بمعنى أن تعرف كيف ترفع من شأن بلد وكيف توحد الكلمة وكيف تقوي التوجه وكيف تغرز وتعزز هذا الشعور في الآخر؟ خدمة الأوطان لا تكون بالكلام والتنافس بل هي بالوعي وتقوية وتعزيز الموقف وتأهيل كيان من أجل النهوض، هكذا تُبنىّ الأوطان وهكذا يكون الانتماء بالبذل من الأعماق. ويبقى أن نقول:ـــ أن الأرض هي الأم الحقيقية، أم الكل، هي من نعمنا بخيراتها وهي من رأتنا منابع الحنان والجمال الحقيقي، وهي أول من تحملنا الذكريات إليها.ـــ يبقى الحبَّ والإخلاص والدفاع والاعتزاز والولاء غريزة ولدت في الإنسان للحفاظ على بيتهِ ووطنهِ حتى وإن كان بعيدًا عنها بُعد قارة عن أخرى. ــــ يبقى هذا الشعور وهذه الغريزة تجري في عروق كل غيور مُقيد بحبَّ وطنًا وتجعلهُ ساعة الساعة كالأسد المُتربص لفريستهِ لينقض عليها.ــــ يبقى الوطن والأرض تلك الزهرة الجميلة المستلقية على سفح جبل، ويبقى الإنسان كالنحلة التي تمتص الرحيق منها، لا استغناء لهُ عنها ولا نهوض لها ألا به.ــــ يبقى اسم العراق لا يتغنى به من دون عراقييه. 

فاعلية عمل المرأة في الإعلام

كانت وما تزال المرأة تؤدي دورها بفعالية من أجل ترسيخ وتثبت وجودها والتعريف بكيانها كعنصر فعال يساهم مساهمة جادة وبناءة في نشر الوعي الثقافي والفكري والارتقاء بالمستويات من أجل مواكبة عجلة الحياة والسير معها وتحديثها ومن أجل ترميم مختلف السلبيات التي تظهر بين الحين والأخر نتيجة تراكم فكري قادم من مغالطة الكثير من السلوكيات أو القادم من تحوير الكثير الناتج من الإنسان نفسه، أنه يفتعله ويخلقه ومن ثم يمارسه لينبذه بطريقته!لا ننكر مدى الزامية أن تتواجد المرأة في مختلف مجالات الحياة كونه يعتبر من صميم الحقائق وحقيقة موضوعية لا تكتمل بدون هذا الكيان الذي ما زال ينظر إليه نظرة قاصرة وغير مسؤولة من قبل فئة يعتبرها لحد هذا اليوم بحاجة إلى مرافق ليس من أجل الحماية بل من أجل المراقبة والمتابعة ومن ثم العقاب بإسلوبه الخاص!والمرأة اليوم غير ما كانت عليه بالأمس شاركت في الكثير وأثبتت وجودها في الأكثر ولكن ما زالت تحد خطواتها العراقيل التي يراد لها الديمومة. هي تواصل وتستمر وتؤدي لكن ما زالت بحاجة إلى الأكثر من أجل أن تتنفس بفضائها وتتحدث وتعمل وخصوصًا في مجال الإعلام الذي له دور بارز وريادي في مختلف التغيرات المصاحبة للنهوض بالشعوب كونه اللسان الناطق بكل حدث وخبر وحقيقة. أصبح الإعلام يتفاعل ويتأثر فكريًا وثقافيًا وسلوكيًا وأصبح ذلك المشترك الذي يدور في فلك الحياة من أجل التقريب والإيصال والاتصال والانفتاح.نتتبع الإعلام ونرى كيف هو وعيَّ المرأة فيه سواء إن كان في المسموع أو المقروء، أنها تثبت جدارتها وتؤدي رسالتها ولكن هنالك دائما معارضة لمشاركتها مهما كانت. مجتمعنا بحكم الموروث الذي تربى عليه غالبًا ما يحاول أن يضع المرأة في قالب الممنوع، يحاول أن يرسم في ذهن الأجيال صورة أو خارطة لهذا الكيان، لا أقول من الرجل نفسه بل المرأة الخاضعة نفسها كذلك والقليلة الوعي من خلال ما تورثه وتسوده لاحقا في الأذهان!أنه أمر متوارث مع الأسف وصورة راسخة لا تقبل بغير ما يراد لها وهذا هو العيب في مجتمعاتنا وفي العقول التي تريد أن تبقى الإنسان في مكانه لا يواكب تطور المجتمعات الأخرى، وإن واكب بجزئية فأنه سوف يفهمها بطريقة خاطئة ويمارسها بطريقة أفضع من منطلق إدراكه واستيعابه للمرغوب الذي يجعله ممنوع! لذلك نجد الكثير من السلوكيات السلبية في الحياة التي يأتي بها الإنسان ومن ثم يذمها عندما يرى غيره يفتعلها ويمارسها! أنه النقيض الذي يفتعل من أجل أن تمارسه فئة ويمنع عن فئة أخرى ومن ثم ينتقد بحجة عدم الخروج من منطقة الهامش الواقعي والاجتماعي الذي يشوه من خلال ترسيخ هكذا مفاهيم في عقليات. وقد تكون إجبارية وهذا ما دارج عند الكثيرين الذين تطبعت في أذهانهم أن المرأة ممنوع وإن الرجل مرغوب! يحاولون خلق مجتمع ذكوري بحت حتى إن الكثير من النساء في زمننا الحاضر لا يقل فعلهنْ وكلامهنْ وألفاظهنْ عن الكثير من الرجال بسبب هذا الاندماج القوي في ظل محيط مغلق.     نريد للمرأة أن تكون أكثر وعيًا وأكثر استيعابا لكل ما يدور في الحياة وإن تعطي لكيانها مكانته من خلال تصحيح الكثير من المغالطات التي تطبعت مع الزمن في الدواخل وفي الممارسات، نريد منها أن تعطي الأمور أبعادها ومساحتها الحقيقية حتى وإن واجهت المصاعب. ونعلم أن دور وعمل المرأة في مختلف مجالات الحياة بحكم ضئالته يأتي بنتائج ملموسة ومتصاعدة ولكن لابد من دعمه وإسناده أكثر حتى يأخذ مساحته المعقولة. المرأة تعمل وتكد وتجتهد وأكثر ما تجتهد نتمنى أن يكون في الإعلام، الذي يعتبر الصوت الناطق بالحقوق ورسالة إيجابية تلقيها عندما تظهر على شاشات التلفاز وعندما يُسمع صوتها في المذياع وهي تتحدث وتنقل ما يدور في العالم وتصوغ ما في واقع الحياة من نظرتها المشتركة، أنها من خلال فاعليتها تساهم في كسر الجمود وتقول من خلال مشاركتها أن الحياة هي مشاركة وتكامل، هو تصحيح للكثير مما هو ماضي في دروب الحياة.هناك شيء اسمه تنشئة ثقافية الذي يكتسب من البيت والمدرسة ومن ثم المجتمع، هذا ( المجتمع) الذي يشكل خطورة بكل ما يحتويه لذلك يجب الحذر عند الاختلاط به والحذر من كل ما تقابل منه، فما زالت هنالك بقايا مترسبة لا تقبل أن تلقى بعيدًا، ما زال يراد لها أن تحيا ونريد أن يكون توعية أكثر بها من خلال هذا الأعلام الذي تشغله المرأة.

عتمة الأعمى وصراخ الأبكم

أعجبني قول جميل جدا لــ ( جبران خليل جبران) يقول فيه:” أنتَ أعمى وأنا أصم أبكم، إذن ضع يدك بيدي فيدرك أحدنا الآخر”. أليس جميلا بكل معانيه ويحمل الكثير من معالم الصرح الإنساني بين معاني حروفه؟! قول يعطيك من أول وهلة لقراءته شعورًا يختلف عن شعور الأعمى في عتمته وشعور الأبكم في صومعة نفسه.أنها علّة تساند علّة فتدرك الواحدة للأخرى الطريق في الحياة، فما بالك بالأصحاء الكثيرين الموجودين اليوم في مجتمعاتنا الساعين لفقع العيون وقطع الألسنة وضياع معالم الحقيقة؟! هؤلاء هم أصحاب العلل الحقيقية، هؤلاء هم العميان والأبكمين في ذات الوقت وهؤلاء هم الحاضرين الغائبين. وما أكثر تواجدهم في مختلف بقاع العالم وما أكثر فعلهم الغليظ وما أكثر صراخهم المزعج.  عندما قرأت هذا القول، حضرتني طرفة لطيفة من هذا العالم، ليست من زمن بعيد ولا قريب ولكنها واحدة من الكثيرات المتواجدات في زمننا ونتأسف من أجلها، تحكي عن شخصًا كان قاسيا بمعنى القسوة ويبحث عن ضحكة تسكن نفسه المهجورة؟! حاول جاهدًا كل الطرق أن يجدها ويأتي بها ولكن في كل مرة عندما كان يقترب من أسوارها كان يصطدم بعاصفة هوجاء صماء تؤلمه وتهز قلاع نفسه ولكن لم تكن قادرة على كسر قسوته، كان متمسكا بها لا يلينُّ! مما جعل من محاولاته مصدر سخرية لنفسه منه هو! لم يدرك أن معظم ما في الحياة لا يأتي بالتملك وخصوصًا فيما يتعلق بما هو بلسم للروح، فكيف لتلك البسمة أن تحيا في ظل قلعة مهجورة لا يسكنها غير الخفافيش والظلام؟! وكيف بها أن تعيش في قبوّ رائحته نتنة؟! أكيد ستتبعثر حال لقائها بقسوته وجلمود ذاته ولا تحيا!هل رأيتم يومًا النار والماء مجتمعان؟! بالتأكيد لا، كذلك هذا الشخص أنه يبحث عن بسمة تسكن كيانه القاسي، فكيف يجتمع الغراب مع البلبل وكيف تسكن الحرية السجن، وكيف يستقر الحنين في القلب المتحجر، وكيف توضع زهرة في ماء عكر؟! كل هذه الأمور تتنافر ولا يمكن أن تتقابل يومًا، فكيف سترسم خطوط ابتسامة وتبقى على لوحة لوجه عبوس؟! وكيف سترى تلك البسمة ما زال القلب لا يعرف الشعور بها؟!لا تنتهي الحكايات طالما الحياة مستمرة والإنسان فيها يلعب ويلاعب ويغض ولا يبالي ( بدون تعميم)! وهذه حكاية أخرى ببضع أسطر أسردها، تتحدث عن آخر متعصب لكل شيء ويتكلم عن الحق والحقوق، كان يعمل تقريبا أقل من ربع ما يقول، ويتحدث عن كل ما لم يعمله، يلوح بيديه وينادي بعلو صوته وهو لمعنى الكلمات مضيعًا، كان يستغرق أياما في تحضير خطابه ويتعب على ترتيبه، لكن مثلما كان يلقيه هكذا كان ينسى! لم يكن له أساسا في الواقع ولم يجد غير أذن صماء يصطدم بها ويلقى على قارعة الطريق! كان يردد في أحاديثه العقيمة القول الشهير:” خير الأمور أوسطها”، ثم تراه يحرق الأخضر واليابس! أمثال هؤلاء هوايتهم الثرثرة وتعظيم النفس وسلب دروب الغير بمكر وخبث غير معهود، لذلك تجدهم بعد فترة يعانون الانكماش، والاضمحلال قد نال منهم ومعهم قد ضاع كلامهم القليل وفعلهم المعدوم ومطاليبهم التعجيزية التي كانت باسم فئة مغلوب على أمرها.سأسرد أخرى طالما حضرتني: كان هنالك مواطن يسكن بلده لم يكن يمتلك تلك الغيرة الحقيقية للرجال، كان أكثر ما يهمه هو مصلحته والمال وكيف يجنيه بأي طريقة حتى أنه مارس الاحتيال والكذب والنفاق ولبس الأقنعة! في ذات يوم زارت الحرب بلده مما أضطره إلى الهرب منها، ليس فقط لظروفها وإنما لأسباب أخرى حملته على الرحيل. ترك بلده ورحل مع عائلته إلى بلد آخر، ثم دارت الأيام والسنين بذلك البلد الصامد والصبور من حال إلى حال بسبب الحرب وما تبعها من انقسامات وتفرقة وتشتت وبعثرة، حالاً كان سيءٍ للبعض المغلوب على أمره وجيد للبعض الآخر الباحث عن السلطة والوصولية والاصطياد غير المشروع، مما جعل مواطن ذلك البلد الحامل لجنسية بلد آخر بأن يقرر العودة إلى بلده الأم بعد تلك السنين بحجة أن تركه لبلده هو أكبر خيانة؟!غريب أمره وعجيب؟! لم يتذكر مواطن بلدنا تلك الخيانة ألا بعد أن زار بلده بعد سنوات من رحيله واكتشف بان الأموال في بلده توزع بالجملة على كل عميل وصاحب مصلحة بعد أن يحرم محتاجين منها! حينما مسك أول مبلغ مالي مقابل بيع ذمته بيده تذكر سنينه الماضية وهز ذيلهُ وعرف أنه الآن باستطاعته أن يحتال أكثر ويكذب وخصوصا أن قناعه اليوم الذي اكتسبه من النوع الذي لا ينكشف بسهولة لكبر الكلمة المكتوبة عليه والتي ينادى باسمها …. فقرر العودة والمشاركة في اللعبة مع الآخرين حتى يكتمل العدد!بشر غريبي الأطوار، أزدواجيين يعيشون حالات عديدة في حالة واحدة، ويريدون ويطالبون غيرهم بالمثالية! كم في الحياة من عميان وهم يبصرون، وكم يوجد من أبكم وفي داخله أعظم كلام. والحياة تبقى في الأول والأخير حياة إنسانية سامية لا يعرفها ألا من يسمو بها ويعرف ذاتهُ، ولكن أين هم اليوم هؤلاء؟! غابت الحقيقة وضاعت الحقوق بسبب البعض الذين اتخذوا منها شعارات كاذبة من أجل مصالحهم الوصولية، أمثال هؤلاء كنا نتمنى أن يكونوا عميان حتى يدركوا حقيقة الحياة، وكنا نتمنى أن يكونوا أبكمين حتى يعرفوا كيف يكون الكلام بدون زيف. نتأسف عليهم فعلا لأنهم لا يعرفون ما يفعلون وأي طريق يسلكون، يلهثون ويركضون ولا يعلمون أن في نهاية طريقهم هنالك هاوية هي من نصيبهم!