عيد قيامة السيد المسيح من بين الاموات، هو عيد الاعياد عندنا ولولاه لما كان لنا أعياد كنسية تذكر. وهذا هو البرهان الأكبر على انه الله، وابن الله، على ما كان قال يوما لليهود:” اهدموا هذا الهيكل، وانا أقيمه في ثلاثة أيام”. وفهم سامعوه انه عنى هيكل الحجر، فقالوا:” بني هذا الهيكل في ست وأربعين سنة، وتقيمه أنت في ثلاثة أيام؟ ويشرح يوحنا الانجيلي ما عناه السيد المسيح بقوله، وهو هيكل جسده.
ولكن قيامة السيد المسيح لا تعنيه وحده، فهو قد قام من رقدة الموت ليقيمنا منها معه، على ما يقول بولس الرسول:”فقد دفنتم مع المسيح في المعمودية، وفيها أقمتم معه، لانكم آمنتم بقدرة الله الذي أقامه من بين الاموات. وهذا ما اكده ايضا بقوله في رسالته الى اهل كورنتس الاولى:” فالله قد أقام الرب، وسيقيمنا نحن ايضا بقدرته”.
وكما ان حياة المسيح لم تكن لذاته، بل للناس أجمعين، هكذا موته لم يكن لذاته، بل للناس أجمعين. فهو قد افتدانا بدمه الذي سفكه على الصليب، على ما يقول بولس الرسول:” لأنكم اشتريتم بثمن كريم! فمجدوا الله في جسدكم” الذي لم يخلقه الله للنجاسة”، على ما يقول ايضا بولس الرسول، بل للقداسة، وقد أوضح فكرته هذه بقوله:”الطعام للبطن، والبطن للطعام، لكن الله سيبيد كليهما، اما الجسد فليس للزنى، بل للرب، والرب للجسد، فالله قد أقام الرب، وسيقيممنا نحن ايضا بقدرته”.
ان القديس أغوسطينوس يقول:” قيامة المسيح هي رمز الحياة الجديدة، التي يجب ان يحياها الذين يؤمنون به. هذه هي الامثولة العجيبة التي نستخرجها من قيامته وآلامه، والتي يجب ان نتعمق فيها ونمارسها”. ويضيف قائلا:”أفتكون حياتنا معدة للموت دونما سبب؟ ان ما استوجب لنا الموت هو الخطيئة، على ما يقول أيضا بولس الرسول:” لا تتسلط عليكم الخطيئة. ولا تملكن في جسدكم المائت فتطيعوا شهواته، ولا تجعلوا اعضاءكم سلاح ظلمة، بل قربوا انفسكم لله كأحياء قاموا من بين الاموات، واجعلوا اعضاءكم سلاح بر لله”.
ان حدث القيامة لهو حدث مهم، انه حدث تاريخي يؤكده القبر الفارغ، وظهور السيد المسيح لتلاميذه بعد موته، في جسده النوراني، والمسيح وحده هو الذي خضع للموت، ليعود الى الحياة الابدية، لا الزمنية، وهو من قال: “الاب يحبني لاني ابذل نفسي، لكي اعود فاسترجعها.. لي سلطان ان ابذلها، ولي سلطان ان اعود فاسترجعها”. وما الموت، على مثال موت السيد المسيح، سوى انتقال من الحياة الفانية الى الحياة الباقية. وهذا هو معنى الفصح. افما قال السيد عينه: “الحق الحق اقول لكم: من يسمع كلمتي ويؤمن بمن ارسلني، ينل الحياة الابدية، ولا يأتي الى دينونة، بل قد انتقل من الموت الى الحياة”؟.
لنستفد من هذا العيد، ولنعد اليه تعالى بتوبة صادقة، ولندخل الى اعماق ضميرنا مستنيرين بنور الانجيل لنرى اين نحن من تعاليم هذا الكتاب الخالد، واين نحن من قيامة السيد المسيح، التي يجب ان نسير على هدى نورها لنصل اليه تعالى عبر الذين هم اخوان لنا يجب ان نبني علاقاتنا بهم على قاعدة الاحترام، والثقة، والمحبة المتبادلة.
ايها الاخوة والابناء الاعزاء،
قيامة السيد المسيح يجب ان تكون بالنسبة الينا عربونا للقيامة مما نتخبط فيه من محن وويلات في هذا الوطن، وهي لا تعد ولا تحصى. وقد سبق لنا ان عددنا بعضها، وهي تتفاقم وتتراكم كل يوم. ونحن نرى وطننا يتفكك امام نواظرنا، ولا نسارع الى تداركه، وانهاضه من كبوته. وهذه مهمة جميع اللبنانيين، وعلى رأسهم المسؤولون من بينهم. وهذه مسؤولية تقع عليهم قبل جميع الناس، ومسؤولية خطيرة سيدونها التاريخ بمداد التقبيح والاستنكار.
ونرى ان هذا التفكك قد اصاب جميع مرافق الدولة، وبخاصة المؤسسات الدستورية منها. فلا يطلع فريق من المسؤولين برأي حتى يسارع الفريق المناوىء الى مواجهته برأي اخر مخالف. فاذا بنا امام دولة تشبه عربة تشد بها احصنة من امامها، واحصنة من ورائها، فتبقى مكانها، في انتظار ان تذهب مكوناتها هباء منثورا. وكل ما يعود اليها مجمد لا حركة فيه ولا حياة، والناس يشكون ويئنون، ولا من يسمع، ولا من ينظر، ولا من يبادر الى انقاذ.
ولنأخذ على سبيل المثال الاجراءات اليومية الروتينية:التعيينات في السلك الديبلوماسي والتعيينات في السلك الديبلوماسي والتعيينات الادارية، وموازنة الدولة، وانتخاب خلف للمرحوم النائب بيار الجميل، ومعاملات المواطنين العادية، هذا فضلا عن الضائقة الاقتصادية التي تشد على خناق جميع اللبنانيين، خصوصا الطبقة الكادحة من بينهم وهناك عدة فنادق ومطاعم قد اقفلت ابوابها في العاصمة وتفرق اصحابها وعمالها في بلدان مختلفة منها القريب ومنها البعيد.
ويتلهى المسؤولون كل يوم بالجدل بين موالاة ومعارضة لمعرفة من هو على حق، ومن هو على باطل ويختلفون على كل شيء:قانون الانتخاب وتأليف الحكومة بين الثلث المعطل او الضامن ، وتأليف المحكمة الدولية بين ان يتم بموجب الفصل السادس، او الفصل السابع من شرعة الامم المتحدة، فيما خوف الاغتيالات قد اجبر الناس على الاحتماء في بيوتهم، فلا يخرجون منها الا على كره منهم ومفارز الحماية تسير وراءهم وامامهم.
وينتظر مجمل المسؤولين ليعرفوا ما رأي هذه او تلك من الدول المجاورة او البعيدة ليعملوا به، كأنهم اصبحوا مسيرين، لا مخيرين، لا رأي لهم شخصيا في ما يعود اليهم من شؤونهم وشؤون وطنهم، ويأتي الزائرون الرسميون، ويبدون اسفهم لما يجري عندنا، كأنهم يتفقدون حال مريض ويذهبون ويبقى الوضع اللبناني على ما هو.
لا
شك في ان اللوحة التي رسمناها عن وضعنا قاتمة، ولكننا لن نفقد الامل بتحسينها، اذا عرفنا كيف نرص الصفوف، ونسعى جاهدين، بتجرد واخلاص، في سبيل ما يعود علينا جميعا بالخير والازدهار. وعلينا، قبل كل، ان نضافر الجهود للنهوض ببلدنا، وسننهضه اذا عرفنا ان نشبك الايدي، ونوحد العمل في هذا السبيل، ذاكرين ما كان يقوله الرئيس كندي: “لا تنظر الى ما بامكانك ان تأخذ من بلدك، بل ما بامكانك ان تعطيه”. اذ ذاك يبقى ويستمر ويزدهر ويكون لنا عنوان فخار واعتزاز.
لنسأل السيد المسيح القائم من بين الاموات ان يحقق لنا امنيتنا برؤية وطننا، وقد عاد الى سابق عهده من الطمأنينة والاستقرار، وان يعيد عليكم جميعا اعيادا عديدة ملؤها الخير والطمأنينة والامام والازدهار.