الماسونية، الإلحاد، والكثلكة

مقابلة مع مؤلف كتاب “المؤامرة الماسونية”

Share this Entry

بورغوس، إسبانيا، 22 يونيو 2007 (Zenit.org) – ما هي الأمور الصحيحة وغير الصحيحة بشأن الماسونيين هو موضوع كتاب جديد أصدره خبير في تاريخ الأديان

صدر مؤخراً للأب مانويل غويرا غوميز، وهو صاحب 25 كتاباً عن البدع وغيرها من المواضيع المتفرقة، كتاب بعنوان “المؤامرة الماسونية”، باللغة الإسبانية، منشورات دار ستيريا.

والأب غويرا كاهن أبرشية بورغوس وأستاذ سابق في كلية اللاهوت في بورغوس في شمال إسبانيا.

وفي هذه المقابلة مع زينيت، يقول الأب غويرا إن “المنهجية الماسونية، الإحادية بطبيعتها، تعكس نسبية تاريخية وتؤدي إلى النسبية الإجتماعية-الثقافية التي تروّج لها”.

س: هل المؤامرة الماسونية ضرب من ضروب الخيال؟

ج: لا بدّ من التمييز بين الماسونية والماسونيين. فالماسونية، بحدّ ذاتها، لا تسعى إلى السلطة أو على الأقل إلى جعل السلطة تخدم مبادئها ومصالحها الخاصة.

ومع ذلك، فإن الماسونيين متواجدون في كل المنظمات الدولية صانعة  القرارات وفي المؤسسات والشركات المتعددة الجنسيات التي لها نفوذ على السلطة الإقتصادية والسياسية.

من المنطقي أن نفكر في أنهم يحاولون بثّ مبادئهم الأيديولوجية –أي النسبية والإلحاد والغنوصية—حيثما كانوا وإلى ترويجها خارج بيئتهم الخاصة.

 

من جهة أخرى، وفي الدول الناطقة باللغة الإنكليزية وفي دول الشمال، في تركيا وغيرها، هم لا يسعون إلى امتلاك السلطة والنفوذ، بل هم أهل السلطة.

فعلى سبيل المثال، إن ملكة المملكة المتحدة هي أيضاً الرئيس الأكبر للمحفل المتحد الكبير في إنكلترا ولما يزيد عن 150 محفلاً كبيراً هناك – واحد لكل مقاطعة، وفي الولايات المتحدة واحد لكل دولة. وفي العام 1995، كان المحفل المتحد الكبير في إنكلترا يضمّ سبعمائة وخمسين ألف عضواً ينتمون إلى ثمانية ألاف محفل في العالم.

إلى ذلك، ونظراً لقاعدة السرية، ما من طريقة للتأكد من الأماكن والمجالات التي ينشطون فيها ومدى سعة نفوذهم المباشر، أو حتى نفوذهم غير المباشر الذي نعرف عنه أقل بكثير.

وقد سعت حكومة طوني بلير إلى أن تفرض على الماسونيين واجب التصريح عن انتمائهم إلى المنظمة، خاصة إذا كانوا من موظفي الدولة، وخصوصاً في حال كانوا يعملون في مجال القضاء أو في الشرطة. ويجب القول إن تجاوب 1400 قاضٍ إنكليزي أعلنوا طوعاً انتماءهم إلى الماسونية أمر جدير بالثناء. ولكن الرقم أكبر بكثير…

وعقب فضائح محفل البروباغندا السري لليشيو جيللي في إيطاليا، بات على الموظفين الماسونيين العاملين في مجالات محددة في  الإدارة العامة في إيطاليا التصريح عن ذلك تحت طائلة فقدان وظيفتهم. 

 

س: هل صحيح أن 60% من أعضاء البرلمان الأوروبي هم من الماسونيين؟

ج: هذا ما اعترف به رئيس محفل إسبانيا الأكبر جوزيف كوروميناس في شهر مارس 2006. وفي التاسع من فبراير 2007، غادر كوروميناس المحفل الأكبر في إسبانيا ولكنه أكّد أنه سيبقى ماسونياً ويريد أن يُنظر إليه على هذا الأساس.

 

هل هذا انقسام جديد قد ولّد تياراً ماسونياً جديداً أو أنه انخراط في تيار قائم من قبل؟

ففي الواقع إن كل المقترحات المتعلقة بمسائل العائلة والأخلاقيات والمتعارضة مع تعليم الكنيسة أو حتى القانون الطبيعي قد تمّ إقرارها في البرلمان الأوروبي. وهناك أيضاً قضية الإيطالي روكّو بوتيليوني الذي رُفض ترشيحه لمنصب المفوّض الأوروبي من قبل الأكثرية الملحدة في البرلمان.

س: لقد انتهى للتو مؤتمر عُقد في روما ذكّر بالتباين بين الكثلكة والماسونية. وقد دعا المؤتمر إلى إطلاق حوار مع الماسونيين حول المسائل الإجتماعية والثقافية. فكيف لذلك أن يحصل؟

ج: بالرغم من التباين الموضوعي بين الماسونية والكثلكة، يمكن للكاثوليك أن يتحاوروا مع الماسونيين على مستويات مختلفة، باستثناء المسائل التي حصرها الكرسي الرسولي بصلاحيته الخاصة، نظراً للمخاطر التي قد تنتج عنها.

يلحظ بيان مجمع عقيدة الإيمان حول الماسونية أنه “ليس من صلاحية السلطات الكنسية المحلية أن تعطي رأيها بشأن طبيعة التجمعات الماسونية، لأن ذلك يتنافى مع ما تمّ تقريره في الفقرة أعلاه، وذلك تماشياً مع بيان هذا المجمع المقدس الصادر بتاريخ 17 فبراير 1981”.

لعله من الضروري التطرق إلى واقع السرية الماسونية وعواقبها. فكيف لك أن تتحاور مع شخص يرتدي قناعاً؟ ومع ذلك، لا يزال من الممكن التحاور في المسائل الإجتماعية والثقافية. فهناك دائماً أرضية مشتركة، حتى وإن كانت الديانات والأيديولوجيات تقولب الثقافات وتكيفها على هواها في نهاية المطاف.

وخلافاً لما هو ديني وأيديولوجي بامتياز، فإن النطاق الثقافي لا يزال تشكل حيزاً يمكن الحوار بشأنه، أقله من الناحية النظرية. ومن الأسهل خوض حوار حول المسائل الثقافية البينية – كالفقر والأمية والبيئة والصحة والعولمة وغيرها– منه حول المسائل بين الأديان.

ولكن، حتى في هذا المجال، يواجه الحوار مع الماسونيين صعوبات جدية، سيما وأن الإلحاد الماسوني، علنياً كان أم خفياً، قد ينزع إلى استبعاد الخصائص الدينية التي لا تتشاركها كافة الديانات والنظم الأخلاقية، كما يتجه إلى حصرها – كما في حالة شخص وُضع في الإقامة الجبرية—في إطار الضمير الشخصي وخلف جدار الكنيسة.

بمعنى أن الماسونية تعمل على القضاء على المظاهر الإجتماعية والثقافية للمسيحية في الدول ذات التقليد المسيح
ي – كمشاهد الميلاد أو صور لرموز لسر الميلاد – كنجمة بيت لحم والمجوس الثلاث وغيرها.

س: هل تقدم الماسونية نفسها بديلاً عن الدين؟

ج: إن الماسونية، كما أحد منتجاتها وهو تيار العصر الجديد New Age تفضل استخدام كلمة “روحانية” التي تحمل دلالة ذاتية أكثر من كلمة “دين”.

إن بعض الماسونيين يقولون إنهم مسيحيون ويرفضون القول بأن الماسونية ديانة. وحري بهم أن يعترفوا بأنهم ينتمون إلى ديانتين: الكثلكة والماسونية.

ولكن في الواقع الماسونية بالنسبة إلى الكثيرين وخاصة بالنسبة إلى الماسونيين اللاأدريين والربوبيين هي بديل عن الدين. فالماسونية تسمى “ديانة” لا بل أحياناً “الديانة” في الكتابات الماسونية وكتابات الماسونيين.

س: كيف تمكنتم من أن تسبروا أغوار هذا العالم إذا كان مغلقاً إلى هذا الحدّ كما تقولون؟

ج: لقد كرست ساعات طويلة لدراسة دساتير وقوانين وشعائر مختلف تجمعات المحافل الماسونية وتحدثت إلى ماسونيين وماسونيين سابقين في إسبانيا والمكسيك وقرأت كتباً عن الماسونية لماسونيين وغير الماسونيين.

ومنذ حوالى العشر سنوات، أمضيت الصيف على سنتين في المكسيك أتحدث يومياً إلى أساتذة جامعيين من الماسونيين وغير الماسونيين. وكنت أمضي فترة بعد الظهر في زيارة المراكز التابعة لمختلف البدع، وبعضها شبيه بالماسونية، في ضواحي المدن.

س: هل الماسونية هي منهجية أكثر من كونها مضموناً؟

ج: إن الإنسان، إلى التفكير، يشعر ويتخيل الأمور. إذاً يمكن للمشاعر والخيال أن يتداخلا مع حسن البصيرة ويتسببا بالتشويش. ولكن بالرغم من ذلك، إن الأفكار والمعتقدات توجه الإنسان؛ كما أن المبادىء توجد المؤسسات الإنسانية وتوجهها. ولكن لبلوغ الهدف المتوخى لا بدّ من استعمال “المنهجية” المناسبة.

إن لفظة “أودوس” “odos” باليونانية تعني “الطريق” و”مات” “met تعني الهدف المتوخى. في الماسونية، تهدف المنهجية “methodos”  إلى بلوغ أعلى المراتب والحد الأقصى من الفعالية، بما أنها في الواقع تشكل أحد “المبادىء” أو ربما المبدأ الأساس الذي تبنى عليه كل المبادىء الأخرى.

والمنهجية التي تتبعها الماسونية بالتحديد هي ما يجعلها غير منسجمة مع العقيدة المسيحية.

إن المنهجية الماسونية، الإلحادية بطبيعتها، تعكس النسبية التاريخية وتؤدي إلى النسبية الإجتماعية والثقافية التي تروّج لها.

يقول ألان جيرار، وهو أحد مدراء ال Grand Orient of France أن “الماسونية هي منهجية فقط”. ويضيف أنه قد يكون للماسوني “آراء” أو معتقدات إحدى الديانات، ولكن المنهجية الماسونية ترغمه على “مراجعة” آرائه وعلى قبول إمكانية أن يقال إنها خاطئة أو أن نظاماً منطقياً أكثر متانة قد تفوق عليها وذلك بدعم من الأكثرية. 

ويقول جيرار: “لا يمكن أن يحصل نقاش حقيقي إذا كان ثمة نقاط أنت مقتنع بأنك على حق فيها أياً تكن نتائج النقاش”.

وبذلك تبرز حساسية الماسونيين حيال العقائد والديانات العقائدية والسماوية، خاصة المسيحية منها.

وهذا يوضح أيضاً سبب نزعة الماسونيين إلى اعتبار الديمقراطية إنجازاً ماسونياً والمنهج الديمقراطي – الإقرار بأصوات الأكثرية—أمراً متماثلاً والماسونية من حيث طبيعتها. وهم يشملون بهذا المنهج الديمقراطي كل الأمور، بما في ذلك الحقيقة نفسها والخير وغيرها من الأمور.

قال المعلم الأكبر لمحفل Grand Orient of France جان ميشال كويلارديه في بيان له إلى جريدة لافوس دي أستورياس La Voz de Astur الإسبانية في 29 يونيو 2007: “يمكنك أن تتخيل أن هناك ديمقراطية غير إلحادية –وغير إلحادية تعني غير ماسونية – لكن من خلال نظرتي إلى الأمور ومن خلال طريقة تفكيري أعتبر أن الإلحاد هو إنجاز من إنجازات الديمقراطية”. وبالتالي فإن هؤلاء الديمقراطيين الذين ليسوا ملحدين أو ماسونيين، في حال كانوا ديمقراطيين، فهم ديمقراطيون من الدرجة الثانية.

 

س: هل الماسونيون أقلية مبدعة؟ وهل المسيحيون كذلك أيضاً؟

ج: من الواضح أن الماسونيين لا يحتكرون الإبداع. فالإبداع أيضاً هو من ميزات المسيحيين بعون النعمة الإلهية والروح القدس، حتى وإن كانت طبيعة هذا الإبداع مختلفة. وليس الإبداع المسيحي أقل مستوى.

وما نحتاج إليه لإثبات ذلك هو النظر إلى تاريخ الكنيسة وإلى الطريقة التي كيّفت فيها منهجية التبشير بالإنجيل مع ظروف إجتماعية وثقافية كثيرة التغير منذ نشأتها وعلى مدى ألفي سنة. “يد الرب لا تقصر” (أشعيا 59: 1) في هذا الزمن.

عندما أقدم البابا يوحنا بولس الثاني منذ سنوات قليلة على تسمية الحركات الكنسية ب”ربيع الروح الجديد” وب”العنصرة الجديدة” ووصفها بال”النعمة الخاصة التي يقدمها الروح للكنيسة في أيامنا التاريخية”، عزوت ذلك إلى طيبته الهائلة.

الشخص الطيب والمقدس لا يرى سوى الخير في الأمور، تماماً كما أن الشخص الجشع يرى المال والربح والشخص الشهواني يرى المتعة الجنسية.

عندما عملت على كتابة مسرحية بعنوان “الحركات الكنسية في إسبانيا” وتمكنت من معاينة الواقع بأم العين، ترك ذلك أثراً كبيراً. فيا للإبداع الذي يزخر به أبناء وبنات الكنيسة بفضل إلهامات الروح القدس!

 
فكيف يمكن للكنيسة أو العالم أن يحيا إذا ما زالت الحركات الكنسية –والمشاريع التربوية وأعمال المساعدة والإغاثة وغيرها—وتركت ما يشبه “الثقب الأسود” في العالم الكنسي والإجتماعي-الثقافي؟

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير