أصحاب النيافة،
إخوتي الأعزاء في الأسقفية والكهنوت،
أصدقاء رواكو الأعزاء!
إن لقاءنا هذا ينعش في داخلي فرح زيارتي الأخيرة الى مجمع الكنائس الشرقية بمناسبة الذكرى التسعين لتأسيسه. أوجّه تحية الى صاحب النيافة الكاردينال إغناطيوس موسى داود، الى أمين سر المجمع المونسنيور أنطونيو ماريا فيليو، الى المعاونين في المجمع، والى المسؤولين في رواكو (اتحاد الجمعيات المعنية بمساعدة الكنائس الشرقية)، والى جميع المشاركين في هذا اللقاء السنوي.
إن وجود الأساقفة الشرقيين الأجلاء يدفعني الى مشاركتهم القلق حيال الوضع الدقيق في مناطق كبيرة من الشرق الأوسط. فبكل أسف، إن السلام المنشود والمنتظر، لا يزال مهاناً جداً. إنه مهان في قلوب الأفراد، وهذا ما يحول دون ثبات العلاقات بين الأشخاص والعلاقات الجماعية. إن ضعف السلام يتضاعف بسبب مظالم قديمة وجديدة.
وهكذا ينطفئ السلام، مخلياص الساحة للعنف، الذي يتحول غالباً الى حرب مُعلنة نوعاً ما، الى أن يشكل، كما هي الحال اليوم، معضلة دولية ملحة. ومع كل واحد منكم – وفي شراكتي مع جميع الكنائس والجماعات المسيحية، ومع من يكرمون اسم الرب ويبحثون عنه بصدق، ومع جميع ذوي الإرادة الحسنة، أودّ أن أقرع مجدداً على قلب الله، الخالق والأب، لألتمس بثقة كبيرة عطية السلام. أقرع على باب قلب المسؤولين ليشاركوا في واجب ضمان السلام للجميع، ودونما تمييز، محررين إياه من مرض التمييز الديني، الثقافي، التاريخي والجغرافي القتّال.
مع السلام، تجد الأرض كلها دعوتها ورسالتها كـ “بيت مشترك” لكل شعب وأمة، بفضل الإلتزام المتقاسم في حوار أكثر صدقاً ومسؤولية. أؤكد مرة أخرى بأن الأراضي المقدسة، العراق ولبنان موجودون في صلاة وعمل الكرسي الرسولي والكنيسة أجمع، وأطلب من مجمع الكنائس الشرقية وكل مؤسسة مرتبطة به التأكيد على هذا الإهتمام كيما يكون التدخل والقرب لصالح الكثير من إخوتنا وأخواتنا أكثر حزماً. فهم يشعرون منذ الآن بتشجيع الأخوّة الكنسية، ونأمل بأن يروا عمّا قريب بداية أيام السلام.
وبهذه المشاعر، أجدد لغبطة البطريرك الكلداني، الحاضر معنا اليوم، تعازي البابا الحارة للاغتيال الوحشي لكاهن أعزل وثلاثة شمامسة بعد قداس الأحد، في 3 يونيو الماضي في العراق. إن الكنيسة جمعاء ترافق بمودة وتقدير كل أبنائها وبناتها وتدعمهم في هذه الفترة من الإستشهاد الحقيقي من أجل اسم المسيح.
أحيي بالمشاعر ذاتها الممثل البابوي والرعاة القادمين من إسرائيل وفلسطين. كما وأحيي أيضاً السفير البابوي والأساقفة الأعزاء القادمين من تركيا وجماعتها الكنسية الحبيبة.
أيها الأصدقاء الأعزاء، خلال زيارتي الأخيرة الى المجمع الشرقي، وفي الحديث عن نشاط رواكو قلت: “من الضروري ان تستمر، لا بل ان تنمو، حركة المحبة هذه التي، بطلب من البابا، يقوم بها المجمع كيما تحظى الأراضي المقدسة والمناطق الشرقية الأخرى – وبطريقة منظّمة – بالدعم الروحي والمادي الضروري للتماشي مع الحياة الكنسية وتلبية الحاجات الضرورية”.
أشكركم لأنكم تعملون في اتحاد تام مع المجمع. أشجعكم على الاستمرار، كيما يجد الدعم الثمين، الذي يقدموه كشهادة للمحبة الكنسية، ملأه في عمله الجماعي. إن حضوركم يؤكد على إرادتكم في تفادي الإدارات الفردية. فأنتم تعلمون كم من الصعب العمل بمفردنا: إن مجهود المقارنة والتعاون هو دائماً الضمانة لخدمة منظمة ومستمرة، وهذا دلالة على أنه ليس الافراد بل إنها الكنيسة التي تعطي ما خصّصه الرب للجميع بطيبته.
أما بالنسبة لأهمية الخيار المسكوني والحوار بين الاديان، اللذين تحدثت عنهما في أكثر من مناسبة، فأود التركيز على أهمية مدى تفاعلهما مع حركة المحبة الكنسية. وليست هذه الخيارات إلا عبارة عن المحبة نفسها، الوحيدة القادرة على تعزيز خطى الحوار وتوسيع الآفاق. فيما نتضرع للرب كيما يقرّب يوم الوحدة التامة بين المسيحيين، واليومَ المُنتظر أيضا لتعايش هادئ بين الأديان ينعشه الإحترام المتبادَل، نسأله أن يبارك جهودنا وينيرنا كي يكون عملنا على الدوام لصالح نمو الجماعة الكنسية. وليجلعنا الرب دائماً يقظين، كي لا نقع في أي نوع من اللامبالاة، وأن نمارس المحبة، ضمن احترام وتقدير جميع الطقوس.
وفي عودتنا الى كلمات القديس بولس: ” اذاً ليس الغارس شيئا ولا الساقي بل الله الذي ينمي” (1كور 3، 7)، نستشف دائماً في الصلاة ينبوع المحبة الحقيقي. فقد كان الرسول واضحاً إذ قال: ” فلينظر كل واحد كيف يبني. فانه لا يستطيع أحد أن يضع أساساً آخر غير الذي وضع، الذي هو يسوع المسيح” (1كور 3، 10-11).
إن التجذر الإفخارستي غاية في الأهمية في عملنا. فانطلاقاً من الإفخارستيا تتطور حركات المحبة الكنسية: فكل ما لا يتنافى مع الإفخارستيا يتغذى من سر المحبة الإفخارستي، وهو يعطي للنظرة للكون، وللإنسان وللتاريخ ضمانةَ حقيقةِ تقدمتِنا ويشكّل قاعدة صلبة لبنائنا.
وكما أكّدت في الإرشاد الرسولي ما بعد السينودس “سر المحبة”، فإن “غذاء الحقيقة يدفعنا للتنديد بالأوضاع غير اللائقة بالإنسان، حيث يموت بسبب النقص في الطعام بسبب الظلم والاستغلال، ويمدّنا أيضا بقوة وشجاعة جديدة من أجل العمل دون انقطاع في بناء حضارة المحبة” (العدد 90). إن الإفخارستيا تلهم عمل الإنسان، الذي لا يعيش فقط من الخبز (راجع لو 4،4)، لتقدم له طعام الحياة الأبدي، الذي أعده الآب بابنه يسوع.
أجدد شكري
العميق لنيافة الكاردينال إغناطيوس موسى داود، الذي عمل كثيراً خلال هذه السنوات أيضاً كرئيس لرواكو. وبينما أطلب لكم شفاعة أم الله الكلية القداسة، أمنحكم جميعاً بركة رسولية قلبية.