مداخلة الكرسي الرسولي في الدورة الثانية والستين للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة

كلمة المونسنيور دومينيك مامبرتي، أمين دولة حاضرة الفاتيكان للعلاقات مع الدول

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

نيويورك، 7 أكتوبر 2007 (zenit.org). ننشر في ما يلي القسم الأول من كلمة المونسنيور دومينيك مامبرتي، أمين دولة حاضرة الفاتيكان للعلاقات مع الدول، خلال الدورة الثانية والستين للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في نيويورك.

نيويورك،

الأول من أكتوبر 2007

 السيد الرئيس،

 إن الكرسي الرسولي ينتهز هذه الفرصة ليهنئكم على انتخابكم ويتطلع إلى التعاون معكم. وفي الوقت عينه، إنه ليسرني أن أحيّي السيد الأمين العام بان كي مون متمنياً له كل التوفيق في قيادة أعمال دورة الجمعية العامة الأولى منذ توليه مسؤولياته.   

 منذ أقل من عام، وافقت الجمعية العامة على مشروع تجديد مقر الأمم المتحدة هنا. ويبدو وكأن هذا التجديد المادي يأتي كرسالة تذكير للدول بضرورة التجدد المستمر في ملاحقة الأهداف الكبرى التي أسست لقيام منظمة الأمم المتحدة. فمنذ اثنين وستين عاماً، انبثقت الأمم المتحدة من مآسي الحرب لتؤكد الإيمان في حقوق الإنسان الأساسية وفي كرامة الشخص البشري وقيمته، وتضمن احترام القانون الدولي وتعزّز التقدم الإجتماعي في جو من الحرية العالمية. واليوم، علينا أن نعيد التأكيد مجدداً على أهمية هذه القيم لكي نرفع الصوت ونقول”لا” للحرب و”نعم” للكرامة الإنسانية.

 الحوار والتعاون بين الأمم

 إن ديباجة ميثاق الأمم المتحدة، وفي الإشارة إلى حقوق الشخص البشري الأساسية وكرامته، تستخدم عبارة “الإيمان” وتربطها بالحوار والتعاون بين الأمم . وهي بذلك تؤكد على وجود حقيقة كونية وسامية للإنسان ولكرامته الأصلية وهي لا تسبق كل نشاط سياسي وحسب بل تحدده – بحيث يتعذّر على أيديوليوجية القوة أن تقضي عليها. وكذلك فإن هذه الكرامة الأصلية تحدد المعايير المناسبة للمصالح الوطنية التي لا يجوز أبداً اعتبارها مطلقة والتي لا يكفي في سبيل حمايتها اعتبار أنه لا يجوز بتاتاً المس بالمصالح الشرعية للدول الأخرى وحسب بل يتعين أيضاً في الوقت عينه الإضطلاع بواجب المساعدةعلى تعزيز الخير العام لكل الشعوب.وبالتالي فإن احترام كرامة الإنسان هي الأساس الأخلاقي الأعمق في مسيرة البحث عن السلام وبناء علاقات دولية تتناسب مع الحاجات والتطلعات الحقيقية لشعوب الأرض أجمعين. إن تناسي أو حتى قبول المبدأ المذكور آنفاً بشكل جزئي أو إنتقائي هو ما يؤسس للصراعات ولتدهور البيئة والمظالم الإجتماعية والإقتصادية.  
 
لقد أدت الهجمات الإرهابية التي طبعت بداية القرن الواحد والعشرين إلى رؤى تشاؤمية حول مصير الإنسانية تستند إلى صدام مفترَض للحضارات. ومن حين إلى آخر، يأتي ردّ الشعوب عبر اللجوء إلى أكثر أشكال القومية تطرفاً أو من خلال تبرير استخدام القوة أو حتى توسيع استخدام منطق النسبية في ما يتعلق بالقيم المرتبطة بشكل أساسي بالكرامة الإنسانية – وخصوصاً الحق العالمي في الحياة والحرية الدينية.  

واليوم يزداد الحديث عن ثنائي “الثقافة والدين” في هذه القاعة. إن الكرسي الرسولي يرحب بالمبادرة الآيلة إلى إطلاق الحوار الرفيع المستوى حول التفاهم والتعاون بين الأديان والثقافات من أجل إرساء السلام الذي سيجد ترجمته، في ظل ولايتكم، هنا بعد وقت قصير. فالحوار بين الشعوب على اختلاف ثقافاتها وأديانها ليس خياراً، بل هو حاجة ملحة من أجل إرساء السلام وإعطاء زخم جديد للحياة على الصعيد العالمي.  

إن الكرسي الرسولي يحدوه الأمل بأن يساهم الإهتمام المتزايد الذي توليه الهيئات والمؤسسات غير الدينية لهذه المسألة في تأمين احترام أكبر للحرية الدينية في كل مكان. إذ لا يزال الحق في الحرية الدينية في أيامنا هذه مهملاً لا بل حتى مغتصباً في بعض الأماكن. وقد أصبحت هذه الإنتهاكات حجةً يتمّ الإحتجاج بها لتشريع أشكال أخرى من التمييز.   

فإذا ما توقع القادة والمؤمنون أن تكنّ لهم الدول والمجتمعات الإحترام وتعترف بأن دياناتهم هي بحق أدوات سلام، فلا بدّ لهم بالذات من أن يحترموا مبدأ الحرية الدينية؛ عليهم أن يُظهروا أنهم ملتزمون بتعزيز السلام وتجنب العنف؛ عليهم أن يبرهنوا أن الدين ليس ولا يجوز أن يتحول سبباً للنزاعات؛ عليهم أن يجاهروا دونما غموض أو التباس بأن تغذية العنف أو شنّ الحروب بإسم الدين يشكل تناقضاً فادحاً. 

السلم والأمن

 السيد الرئيس،

 إن الإنسانية اليوم على مفترق طرق خطير، واستخدام القوة لم يعد يشكل حلاً مستداماً. ومن الأهمية بمكان أن نساعد مؤتمر نزع السلاح على إيجاد مخرج من الطريق المسدود الذي يتخبّط فيه منذ أكثر من قرن، وأن نحرّر معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية من القيود المضنية التي فُرضت حولها بشكل مضطرد مؤخراً، ونعطي دفعاً جديداً لمسألة الإعتراف بقيمة معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية. إن الذكرى الخمسين لدخول نظام الوكالة الدولية للطاقة الذرية الداخلي حيّز التنفيذ والتي نحتقل بها هذا العام لهي فرصة مؤاتية لكي نجدد التزامنا بمستقبل سلمي من خلال العمل على عدم انتشار الأسلحة النووية، والحدّ من الأسلحة النووية المتوافرة حالياً تمهيداً لنزعها بشكل نهائي، ومن خلال الحرص على الإستخدام غير التمييزي والسلمي والآمن للتكنولوجيا النووية.   

إلى ذلك، يتعين على المنظمة اتخاذ المزيد من التدابير بشأن مراقبة الأسلحة في مجال الأسلحة التقليدية، بما في ذلك الأسلحة الصغيرة والخفيفة. إن الكرسي الرسولي يؤيد كل النداءات التي تشدد
على أهمية اعتماد مقاربة مشتركة بهدف مكافحة لا الإتجار غير المشروع بهذه الأسلحة فحسب بل أيضاً النشاطات المتصلة بها، كالإرهاب والجريمة المنظمة، والإتجار بالمخدرات وبالمواد الخام الثمينة.

 وهناك مجال آخر أيضاً يرى الكرسي الرسولي أن من مسؤولية المجتمع الدولي اتخاذ خطوات جدية وفعالة فيه وهو مجال “الذخائر العنقودية”. إن إيجاد حل سريع لهذه المشكلة قد أصبح اليوم ضرورة أخلاقية نظراً للخسائر الفادحة في الأرواح، علماً أن معظم الضحايا هم من المدنيين العزّل وخصوصاً من الأطفال.

 الوقاية وحفظ وبناء السلام

 لقد أعربت المنظمة مراراً وتكراراً عن استعدادها لتخصيص موارد إضافية لمسألة الوقاية من النزاعات، خصوصاً في مجال الوساطة. وفي هذا الصدد، يودّ الكرسي الرسولي أن يعبّر عن اهتمامه الخاص في الجهود التي يبذلها قسم الشؤون السياسية من أجل تشكيل فريق دائم من الخبراء من المتخصصين في مجال الوساطة، كجزء من هدف الأمين العام باستخدام مساعيه الحميدة استخداماً أفعل للوقاية من النزاعات.   

 
وفي وقت قد يجد البعض أن تكاثر عمليات حفظ السلام في العالم يعكس إخفاقاً في الحؤول دون تحوّل حالات الصراع إلى نزاعات مسلحة شاملة، فقد نجد فيه أيضاً علامة للثقة التي يضعها المجتمع الدولي في آليات الأمم المتحدة وفي تعاونها مع الوكالات الإقليمية.     

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير