مداخلة الكرسي الرسولي في الدورة الثانية والستين للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة (2)

كلمة المونسنيور دومينيك مامبرتي، أمين دولة حاضرة الفاتيكان للعلاقات مع الدول

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

نيويورك، 7 أكتوبر 2007 (zenit.org). ننشر في ما يلي القسم الثاني من كلمة المونسنيور دومينيك مامبرتي، أمين دولة حاضرة الفاتيكان للعلاقات مع الدول، خلال الدورة الثانية والستين للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في نيويورك

الوقاية وحفظ وبناء السلام

 لقد أعربت المنظمة مراراً وتكراراً عن استعدادها لتخصيص موارد إضافية لمسألة الوقاية من النزاعات، خصوصاً في مجال الوساطة. وفي هذا الصدد، يودّ الكرسي الرسولي أن يعبّر عن اهتمامه الخاص في الجهود التي يبذلها قسم الشؤون السياسية من أجل تشكيل فريق دائم من الخبراء من المتخصصين في مجال الوساطة، كجزء من هدف الأمين العام باستخدام مساعيه الحميدة استخداماً أفعل للوقاية من النزاعات.  
 
وفي وقت قد يجد البعض أن تكاثر عمليات حفظ السلام في العالم يعكس إخفاقاً في الحؤول دون تحوّل حالات الصراع إلى نزاعات مسلحة شاملة، فقد نجد فيه أيضاً علامة للثقة التي يضعها المجتمع الدولي في آليات الأمم المتحدة وفي تعاونها مع الوكالات الإقليمية.      

نحن نتطلع، في هذا الإطار، إلى اليوم الذي تعطي فيه جهود حفظ السلام في إقليم دارفور ثمارها أخيراً. واسمحوا لي بأن أذكّركم بمساهمةالأمم المتحدة في التوصل إلى حلّ عادل ونهائي للنزاعات التي طالت وأدّت إلى إهراق دماء كثيرة في منطقة الشرق الأوسط. ثمة حاجة إلى التزام متجدد من قبل كل الدول الأعضاء لإرساء السلام وإعادة إعمار عراق طال عذابه، وعملية إعادة البناء هذه مسألة أخلاقية وسياسية قبل أن تكون إقتصادية. ثمة حاجة إلى التزام متجدد في السعي إلى حلّ، من خلال الحوار، للصراع القائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين، يكون قادراً على أخذ التوقعات المشروعة لكلا الطرفين بعين الإعتبار.    

 ولا بدّ كذلك من التزام متجدد يضمن بقاء لبنان بلداً حراً ومستقلاً، ومجتمعاً ديمقراطياً، متعدد الثقافات والأديان، يساوي في الإحترام بين كل أبنائه وبين مختلف الأطياف والآراء فيه، ويكون فسحة مشتركة تحتضن الجميع مع الإنفتاح على الآخرين. إنها لضرورة ملحة خصوصاً في هذه الفترة الدقيقة التي ستشهد انتخاب رئيساً جديداً للجمهورية. أخيراً، لا يمكنني إلا أن أشير إلى ما يجري اليوم في ميانمار والذي يشكل الشغل الشاغل لهذه الجمعية وللمجتمع الدولي برمّته. واسمحوا لي بأن أكرر النداء الذي أطلقه البارحة البابا بندكتس السادس عشر وفيه يقول إنه من شأن الحوار والنوايا الحسنة وروح الإنسانية وحدها أن تسمح بإيجاد حلّ سريع للأزمة لما يخدم مصلحة البلاد ويضمن مستقبلاً أفضل لكل سكانها.            

إن تأسيس لجنة بناء السلام منذ عامين جاء نتيجة الإقتناع بأنه لا يكفي أن نضع حداً للحروب بل يجب أيضاً أن نساعد في إعادة بناء حياة البشر والنسيج الإجتماعي والمؤسسي للبلاد. واليوم، إن الإمتحان الأكبر للمجتمع الدولي يقضي بإعطاء هذه اللجنة السلطة والوسائل اللازمة التي تسمح لها بأن تثبت على أرض الواقع أنها قادرة على إدارة ودعم مرحلة الإنتقال الصعبة من الحرب والبؤس إلى السلام والتطور بنجاح.   

 
تحديد الحاجات والتطلعات وتلبيتها

 إن الكثير من المشاكل التي تُعزى اليوم بشكل حصري إلى الإختلافات الثقافية والدينية تجد جذورها في المظالم الإقتصادية والإجتماعية الراهنة. ولا شك في أن التحرر من العوز –المرض والجوع والجهل- لهو من المقتضيات الأساسية لإطلاق حوار سلمي بين الحضارات.

 منذ أربعين عاماً، أشار البابا بولس السادس في رسالته الرسولية “ترقي الشعوب” إلى أن التطور هو الإسم الجديد للسلام.

 والكرسي الرسولي قلق حيال عدم قدرة الدول الغنية على أن تؤمّن لأكثر الدول فقراً الظروف المالية والتجارية التي من شأنها أن تعزز نموها المستدام.

 بناء وتغذية العلاقات الأخوية

 السيد الرئيس،

 إننا على مشارف الذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولكن حتى اليوم كثيرون لم يسمعوا بهذا الإعلان ولم يتمكنوا من الإفادة من المبادئ التي ينص عليها. إن هذه الحقوق لا تستند إلى الإرادة البحتة للبشر، ولا هي تنبثق من واقع الدولة، ولا من السلطات العامة، بل هي تجد جذورها في المتطلبات الموضوعية للطبيعة الموهوبة للإنسان. 

 ويقضي الجزء الأهم للعمل الملقى على عاتقنا في هذا الإطار بضمان احترام الحق المتأصل في الحياة في كل أصقاع الأرض. ولا بدّ من أن يُحترم هذا الحق الأساسي من لحظة تكوين الحياة وحتى لحظة الموت الطبيعي. لذا، علينا أن نعمل على لجم وقلب ثقافة الموت التي تعتنقها بعض الهيئات الإجتماعية والقضائية التي تحاول أن تجعل من مسألة إنهاء الحياة مسألة مقبولة من خلال تصويرها كخدمة طبية أو اجتماعية. وهنا أيضاً، لا بدّ من اعتبار إلغاء عقوبة الإعدام نتيجة منطقية لمبدأ الإحترام الكامل للحق في الحياة.    

 إن المطلب المشروع للمساواة بين الرجل والمرأة قد أفضى إلى نتائج إيجابية. بيد أن التفاوت والخلل في تطبيق حقوق الإنسان الأساسية لا يزال قائماً للأسف في الكثير من البلدان، ما يؤدي إلى انه
يار في النسيج الإجتماعي وإلى نزع الصفة الإنسانية عن المرأة واستغلالها. ولا بدّ لمطلب المساواة أن يترافق مع الوعي بأنه يتفق ولا يهدد أو يتناقض مع الإعتراف باختلاف وتكامل الرجل والمرأة.    

إن الكرسي الرسولي يتطلع إلى المناسبة التذكارية الرفيعة المستوى لمتابعة مخرجات الدورة الإسنثنائية المعنبة بالطفل، والمقرر عقدها في ديسمبر 2007. وستكون المناسبة فرصةً لكي نعيد تصويب التزامنا حول مسألة الأطفال ونضاعف جهودنا من أجل تعزيز حقوقهم وإنهاء العنف ضدهم ودعم العائلة.

إن “الإيمان” بالكرامة الإنسانية يفترض مقاربة مشكلة الهجرة من زاوية حقوق الإنسان والعائلة وحقوق الطفل. وفي وقت يبدو فيه من الضروري مكافحة الإتجار بالبشر ومن المشروع ضبط الهجرة غير الشرعية، أحداً لا يمكنه أن يبرّر التدابير التي تعرّض حياة البشر للخطر أو تسيء بشكل خطير إلى كرامة الإنسان وحقوقه. إن الكرسي الرسولي يرحب بالزخم الذي أوجده اللقاء الأول للمنتدى العالمي حول الهجرة والتنمية الذي عقد أعماله في بروكسل في شهر يوليو الفائت، ويتطلع إلى المزيد من التقدم في هذا المجال.
 

السيد الرئيس،

علينا أن نحرص باستمرار على قيام جوّ من التفاعل الفعلي والتعزيز المتبادل بين السلام والأمن والتنمية وحقوق الإنسان، لكي يرى المجتمع الدولي أن تجديد هذا المقر ليس تجديداً مادياً وحسب بل تجديد لمثل المنظمة ونواياها. وعندما يطال التجديد عمق أعماق هذه المنظمة، فإنه سيكون بحقّ محطّ افتخار واعتزاز دول العالم كافة.

شكراً السيد الرئيس.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير