عظة البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير

بكركي، 15 أكتوبر 2007 (zenit.org). – ننشر في ما يلي عظة البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير التي ألقاها في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي نهار الأحد 14 أكتوبر 2007.

Share this Entry

* * *
“اسهروا اذن, لأنكم لا تعلمون اليوم ولا الساعة”
يتحدث انجيل اليوم عن مثل العذارى. وهو مثل يتفرد به انجيل القديس متى, وفي هذا المثل: المسيح يسوع الرب هو العريس, والعذارى هن التلاميذ والمؤمنون جميعا, وزيت المصابيح يرمز الى الحكمة التي بها يتحلى المؤمن في انتظار مجيء العريس المفاجىء, مهما تأخر مجيئه. وقد اراد المسيح ان يرسخ في أذهان تلاميذه ضرورة الاستعداد الدائم للرحيل عن هذه الدنيا. وشاء ان يظهر للسامعين ما لنفوسهم من قيمة. وكان هذا المثل يعد بين اواخر الاحاديث التي وجهها الى تلاميذه. فأوصاهم باليقظة, والسهر. ومثل ذلك بعشر فتيات ذهبن الى بيت صديقة لهن ليساعدنها على الاستعداد لساعة العرس. ورحن ينتظرن معها مجيء العريس. ولما هبط الليل اخرجن مصابيحهن, وكان بينهن خمس حكيمات فاخذن زيتا معهن, وذلك بخلاف الخمس العذارى الجاهلات اللواتي لم يتحسبن لذلك, فلم يأخذن معهن زيتا, لظنهن ان العريس سيأتي عاجلا, ولكن خاب ظنهن. ورقد الجميع. وعند منتصف الليل, علا صوت يقول: لقد جاء العريس. فنهضن جميعا الى مصابيحهن. والعذارى اللواتي نفذ زيتهن, طلبن من رفيقاتهن بعض الزيت, فاعتذرن بقولهن لهن: ليس عندنا منه ما يكفينا ويكفيكن. اذهبن الى الباعة. فذهبن, ولما عدن, كان العريس قد جاء وذهب جميع اهل العرس.
المثل فيه نفحة شرقية. والامثولة هي ان على كل منا ان يكون مستعدا لملاقاة وجه ربه. وعبثا التحجج بعدم الاستعداد. وهذه امثولة لكل المسيحيين الذي يرون ان المسيح لم يأت, فيعتقدون انه لن يأتي, ويروحون يشكون في يوم الحساب, وفي كلام المسيح, وهذه حال الكثيرين من المسيحيين المعمدين الذين تركوا الايمان, لأن المسيح يطيل باله, ولا يحاسبهم منذ هذه الدنيا. يجب ان نترك لله اختيار ساعته, وان نكون دائما على أهبة الرحيل.
وننتقل الى الحديث عن سر الزواج المسيحي الذي هو في اساس العائلة المسيحية. وهو سر غير قابل للفسخ, الا للاسباب خاصة, نادرة.

1- مناقشة وتفسير العبارات
التفسير الذي اعطاه القديس ايرونيموس في شرحه قول الانجيل: “من طلق امرأته – الا في حال مساكنة زنى – وتزوج اخرى, فقد زنى, ومن يتزوج مطلقة يزني, والذي تقبله القديس توما الاكويني, يعني ان في ذلك استثناء يأذن السيد المسيح معه للرجل بتطليق زوجته لأجل الزنى. تبنى السيد المسيح الشريعة الموسوية، لما كان من جدة في الانجيل. والكنيسة الكاثوليكية قد اقرت دائما عدم انفصام الزواج وديمومته، لانه ليس من صلاحيتها ان تبدل ما رسمه الله.
ان سفر الاحبار يرذل الزواج بين الاقارب الادنين. والانجيل، والعهد الجديد، والقديس بولس يقبلون بفسخ الزواج، اذا كان احد الزوجين غير المؤمن بادر الى هجر الزواج المؤمن. وهذا ما يدعى بالامتياز البولسي. ويسوع كشف عن أرفع عدالة وحققها، أي العمل بارادة الله التي أعربت عنها شريعة العهد القديم والتي رفضت شريعة الكتبة والفريسيين، أي طريقتهم في تفسير الشريعة، ووضعها موضع العمل.

2- الزواج كسر
لقد اختلط على الكثيرين من الناس، معنى البعد السري للزواج المسيحي الذي يتضمن عدم فسخ الزواج. وقد دافعت الكنيسة منذ أقدم العصور عن ديمومة الزواج المسيحي.أن آباء الكنيسة قد شرحوا معنى قول الرسول بولس الى أهل أفسس وهو: “ان الرجل هو رأس المرأة، كما أن المسيح هو رأس الكنيسة، وهو مخلص الجسد. كما تخضع الكنيسة للمسيح، فلتخضع النساء لأزواجهن في شيء والاباء على مثال بولس الرسول، يستحثون الازواج على أن يتحابوا، كما أن المسيح أحب كنيسته. ان الزواج المسيحي يشبه اتحاد المسيح بكنيسته ولهذا ان الآباء نظروا الى الزواج نظرتهم الى شيء رفيع متسام. فقد نظروا اليه نظرتهم الى سر، لأن المسيح هو من جعله سرا.
وان المجمع التريدنتيني كرس سرية الزواج في وجه الذين أنكروا أن الزواج سر من الاسرار السبعة، وكونه سرا نابعا من عمل المسيح الخلاصي. والمجمع التريدنتيني هو أول من تكلم عن النعمة الخاصة بسر الزواج. ولهذه النعمة ثلاث غايات: “انها تكمل المحبة الطبيعية وترفعها الى عل، وتثبت الوحدة غير المنفصمة، وتقدس الزوجين”.
والمجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني يعود الى رسالة البابا بيوس الحادي عشر في الزواج وعنوانها: الزواج الطاهر الصادرة في 31 كانون الاول سنة 1930. وقد تحدث المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني في وثيقتيه: “نور الامم، وفرح ورجاء”، وجمع في نظرة واحدة جميع ابعاد الزواج، وعناصره المتناسقة. وان جوهر هذا التقدم هو عرض سر الزواج في ضوء تاريخ الخلاص، والعهد الذي قطعه الله مع الناس، والذي قام بين المسيح والكنيسة. والعهد الذي اشار اليه العهد القديم، والقائم بين الزوجين، استعاده المجمع من خلال العودة الى بعض الانبياء: هوشع، وارميا، وحزقيال، وخصوصا من خلال رسالة القديس بولس الى اهل افسس. وهكذا سلط المجمع الضوء على علاقة المسيح بالكنيسة وبالحياة الزوجية. وتأتي في اول الامر محبة المسيح للكنيسة، والمشاركة في محبة المسيح الكاملة والمقدسة للكنيسة. ان المسيح يبقى مع الازواج، وحضوره فاعل، وهو يهبهم ذاته، وكما احب المسيح كنيسته وهبها ذاته، هكذا على الزوجين ان يحب احدهما الاخر بامانة واخلاص الى الابد، ويهب احدهما الاخر هبة متبادلة”، والنعمة السرية التي يتحدث عنها المجمع الفاتيكاني، وتظهر فيه بوضوح، ليست نعمة خاصة، بل هي تؤسس جماعة بواسطة الروح القدس الوحيد من اجل وحدة جسد المسيح الذي هو الكنيسة، ونعمة السر تجعل من العائلة “كنيسة منزلية”، وهي اصغر الكنائس ولكنه
ا كنيسة حقيقية، وجماعة مفتدين، ومكرسين، وكنيسة منزلية مفتوحة على العالم”.

3 – خاتمة
بحسب ما للكنيسة من رؤية تقليدية، ان سر الزواج بتحويله الحقيقة الارضية، يثبت ويحقق كل التثبيت والتحقيق، وحدة الزواج وعدم انحلاله. وان النعمة الخاصة، التي تجري من مشاركة الزوجين في سر عهد المسيح مع الكنيسة، تجمع احدهما بالاخر بطريقة لا تنفصل، وتدعوهما الى تحقيق عهد لا عودة عنه. ان عهد المسيح مع الكنيسة هو، في التالي، المبدأ والمثال لعهد الزوجين الوحيد، غير القابل للانفصام. الموت وحده في استطاعته ان يفرق ما جمعه الله. من الاحتفال الصحيح بالزواج، يولد بين الزوجين رباطا من طبيعته دائم ومقصور عليهما. ولذلك، ان هذا الرباط لا يمثل اتفاقا بشريا بسيطا، بل عهدا ثابتا بالرب: عهدا يأخذ اصله من عهد المسيح مع الكنيسة التي تنشىء ما له من بعد خاص، وهو بعد وحدة لا عودة عنها. وعن حقيقة الزواج هذا، الذي هو “عهد في المسيح”، ينشأ واجب الامانة المتبادلة. وعلى عكس اسرائيل، ان الكنيسة، عروسة المسيح، تثبتت في عهد نهائي، امين من قبل الله. ان الزواج المسيحي هو صورة سابقة، ومشاركة حية في هذا العهد. ان تأكيد مطلب امانة الزوجين المسيحيين – اكثر من حقيقة الحب الحقيقي، وهي حقيقة ارضية – ينبع من هذه الطبيعة العميقة، طبيعة الزواج. وفي الواقع، ان مثل هذا “الاتحاد العميق بين شخصين، وهو هبة متبادلة، يقضي بأمانة تامة بين الزوجين ويتطلب وحدتهما غير القابلة للانفصام “على ما جاء في وثيقة فرح ورجاء من المجمع الفاتيكاني الثاني. وان مثل هذه الامانة غير القابلة للانفصام، هي الوسيلة الحسية لاظهار معنى حدث نعمة الزواج وتحقيقه. ان “النعم” التي يتبادلها الزوجان في الرب هي معدة لتكون جزءا من “النعم” التي قالها المسيح للكنيسة.
قران المسيحي بإمراته هو اشبه بقران المسيح بالكنيسة. ويقول بولس الرسول: كما ان المسيح بذل نفسه عن كنيسته، هكذا على “الرجال ايضا ان يحبوا نساءهم حبهم لاجسادهم، فالذي يحب امراته يحب نفسه، فما من احد ابغض جسده البتة، بل هو يغذيه ويحنو عليه، كما يغذي المسيح الكنيسة ويحنو عليها”. لو كانت هذه المحبة تسود جميع العائلات المسيحية وغير المسيحية، لكانت موجة المحبة تلف جميع الناس في هذا البلد. ولكن الواقع الاليم لا يزال بعيدا من هذا المشهد الذي كم نتمنى ان نراه سائدا في مجتمعنا”.

اننا مقبلون على استحقاقات مصيرية. وهذا ما شعر به الكثيرون من اللبنانيين، فهرعوا الى الكنائس يسألون الله انارة عقول المسؤولين اللبنانيين ليحكموا ضمائرهم ومحبتهم الصادقة لوطنهم، ليتصرفوا التصرف الحكيم الذي يحفظ لهذا الوطن ما جاد الله به عليه من خيوره وبركاته، ولكي يظل وطن التعايش المسيحي الاسلامي، وطن الالفة، المحبة والسلام

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير