ونعود الى الحديث عن العائلة والزواجات المختلطة, وما فيها من صعوبة, ولكنها تذلل بالارادة الطيبة, والنية الحسنة, والاستعانة بنعمة الله.
1- تصرف بعض الكنائس
وكما تصدت فرنسا للزواجات المختلطة, كذلك تصدت لها المانيا, وقد تعمقت في هذه المشكلة, واصدر مجلس الاساقفة الالماني الكاثوليكي, ومجلس الكنائس الانجيلية الالماني في شأنه جملة وثائق. ومنذ 18 كانون الثاني سنة 1971, صدرت وثيقة مشتركة في شأن المشاركة في راعوية الزواج بين اتباع مذاهب مختلفة. ونظر الى مثل هذه الزواجات بطريقة وضعية اكثر من الماضي, وصارت الدعوة الى راعوية مشتركة.
وبعد مضي بضع سنوات, عالج المطارنة الالمان مباشرة قضية الاعداد للزواج بين زوجين مختلفي المذهب. وقد دعوا المعنيين الى عدم التقليل من الاختلافات اللاهوتية, والى تحليلها بجدية, بغية تفاهم افضل متبادل يفسح في المجال لكل من الزوجين الى التعمق في الايمان, والى المساهمة في العمل على الوحدة وقد دعت الوثيقة الزوجين المختلفي المذهب الى المحافظة على ما يربطهما بمذهبهما, والمشاركة في حياته المشتركة بحيث يكون باستطاعة كل من الزوجين ان يحافظ على ايمانه. وهكذا يكتشف الآخر شيئا بامكانه ان يغنيه. وفي هذه الطريقة, يكون الزواج المختلط عنصر نمو في مجال المسكونية.
وبعد مضي عشر سنوات, عاد الاساقفة الالمان الى الموضوع عينه, واصدروا تعليمات لراعوية الزواج والعائلة المختلفة المذهب. وهذه التعليمات تضمنتها وثيقة اعدتها اللجنة المسكونية المشتركة بين الكاثوليك والانجيليين في المانيا, ووقعها الكاردينال هوفنز ورئيس المجلس الانجيلي في المانيا.
والاحصاءات, التي اجريت بعد عشرين سنة, دلت على ان ثلاثين بالمائة من الزواجات كانت مختلطة, وهذا يعني ان الازواج لا يعلقون اهمية كبرى على اختلاف المذهب, ولم يخفوا في الوقت عينه الصعوبات الناشئة عن المفاهيم اللاهوتية, والقانونية, والراعوية. ومن المرغوب فيه ان يسود جو من الثقة المسكونية يقود الى راعوية مشتركة حقيقية في الايمان. وقد فسحت هذه الوثيقة في المجال للصلاة المشتركة, ولسماع كلمة الله: “وقراءة الكتاب المقدس معا في امكانها ان تقود الازواج المختلفي المذهب الى الابقاء حيا الانتماء الى مذهبهم وكنيستهم. وهذا يساعد على اتخاذ موقف فيه تفهم وقبول لعالم الايمان والكنيسة التي ينتمي اليها شريك الحياة في الزواج.
وان تكاثر الزواجات المختلطة, وهناك زواج على ثلاثة, معقود بين كاثوليكي وانجيلي, وهذا يحمل الاساقفة على العودة الى هذا الموضوع, مع الكنيسة الانجيلية, في وثيقة مشتركة صدرت في الاول من كانون الثاني سنة 1985, وتوقف فيها الطرفان عند موضوع اختلاط المذهب. وقد اكدت هذه الوثيقة مرة اخرى ان الزواجات المختلطة هي فرصة لتنمية الايمان والسير نحو الوحدة. غير ان مثل هذه الزواجات, لا تخلو من صعوبات, على ان يقابلها الزوجان بوعي وحكمة, وعليهما ان ينكبا على تربية ابنائهما, وان يصليا ويستمعا الى ما يقوله لهما الله. وعليهما ان يتعاونا على الرغم من الفوارق القائمة, وهناك الايمان بالرب الواحد الذي يمنحهما القوة لتخطي الحواجز والصعوبات.
والمسيحيون الذين عقدوا زواجا مختلطا، يلتزمون بان يوسعوا معاونتهم على الصعيد المسكوني بين الكنائس. في داخل جماعتهم. وهذا ما يساعد على الوعي المشترك للوحدة المسيحية، وعلى البحث عن الطريق الموصل الى التغلب على الانقسام. وما من شك في ان الزواج المختلط يورث هموما كثيرة، انما يمكن التغلب عليها وشق سبل جديدة تكون الغاية منها الوحدة في المسيح.
والشعوب التي فيها عدد كبير من الكاثوليك وغير الكاثوليك تعمقت في البحث في هذه المشكلة، وفي الزواج المختلط، ومدته بافكار خاصة على الصعيد المسكوني. وقد شدد الاساقفة الكنديون على وحدة الكنيسة المنزلية التي هي العائلة القائمة على الزواج، وهذه العائلة هي العلامة النبوية لوحدة الايمان والحياة التي يجب ان يسير في اتجاهها الكاثوليك والانجيليون. وكذلك ان فنلاندا سعت من خلال جماعة من الكاثوليك والارثوذكس الى بلورة توجيهات قانونية وراعوية خاصة بالزواجات المختلطة. وكذلك القول عن سويسرا التي انشأت لجنة للبحث في الزواجات المختلطة بين الكاثوليك والارثوذكس، وذلك منذ سنة 985، واصدرت بيانا مشتركا اعترف فيه الطرفان بانهما يشتركان في الايمان بالعقيدة الواحدة والروحانية الواحدة، ويلتزمان بالشهادة للايمان الواحد. وأعلن الكاثوليك أن الاحتفال بالزواج المختلط بحسب الطقس الارثوذكسي، أو بحسب الطقس الكاثوليكي المشترك معترف به لدى الكنيستين.
ان الزواج بين مسيحيين من مذاهب مختلفة لا بد من أن يمر بالمسيح، بالتالي بجسد المسيح الذي هو الكنيسة. ويبقى كل من الزوجين في كنيسته الخاصة التي لها ميزتها. ويدل الاختبار على ان الانتماء الى مذاهب مختلفة قد يصبح سببا للخلاف ومجالا لسؤ الفهم. ولذلك على الزوجين أن يجهدا للعيش معا وعلى الشهادة لايمانهما بالرب يسوع، وهذا الايمان يجب أن يكون ينبوع وحدة لجميع المسيحيين، وأن يعمل المؤمنون في سبيلها.
2- قيمة الزواج المختلط وحدوده
ان القانون 1124 من مجلة الحق القانوني تحدد ان الزواج المختلط، وهو الذي يقوم بين زوجين معتمدين أحدهما كاثوليكي. انه زواج بين شخصين من دين مختلط، لأنه عقد بين من تجمع بينهما المعمودية والايمان بالمسيح، ابن الله، فيما الزواج المعقود بين شخص معمد وآخر غير معمد، هو زواج من دين مختلف، أو د
ين له. ان البابا بولس السادس في وثيقته: “الزواج المختلط” قد اعترف بأنه في الماضي، كان الكاثوليك يعيشون منفصلين عن اتباع غير أديان مسيحية. وفي الزمن الحاضر قد خف هذا الانفصال بطريقة ملموسة. وهذا ما تسبب بزوجات مختلطة. وان تطور الاوضاع، وانتشار الحضارة، والنشاط الصناعي، كل هذا كان له تأثره على السكن في المدينة الذي تسبب بالانتقال السكني من الجبل، والهجرة الكثيفة، وتكاثر عدد اللاجئين من كل نوع.
بحسب القانون الكنسي القديم، كان الزواج المختلط ممنوعا. وكان ذلك يستوجب العقاب. أما القانون الكنسي الجديد، فقد رفع العقوبات وصدر بعد ذلك الدليل لتطبيق مبادىء المسكونية وقواعدها، في عهد البابا يوحنا بولس الثاني، وهو يعالج شراكة الحياة والنشاط الروحي، بين المعمدين، والزواجات المختلطة، ويفتح آفاقا جديدة عديدة راعوية، على مسؤولية الكنيسة التي تبقى، في الوقت عينه، أما ومعلمة.
ان اول عنصر للزواج المختلط هو أن الزوجين قبلا العماد وهما ينعمان بقوة النعمة. فليس هناك بينهما أي فرق سابق، لأنهما معمدان في مذهبين مختلفين. وفي أستطاعتهما أن يعقدا زواجا دينيا. واذا نشأت بينهما صعوبة تتعلق بعماد الاولاد وتربيتهم، فان الدليل الجديد يقول ان الكنيسة يجب أن تمارس ما لها من رسالة تجاه الزوجين اللذين يستعدان لعقد الزواج بينهما. وليس هناك ما يمنع الزواج المختلط, عندما يكون الاختيار حرا.
والكنيسة تعي ما يلقاه الزوجان المختلفا المذهب من صعوبات, لذلك عليهما ان يحافظا على ايمانهما على الرغم من كل الصعوبات, وتربية اولادهما في هذا الايمان. والكنيسة تمارس تجاه من يستعدون للزواج رسالتها. وليس هناك اية عدائية بالنسبة الى الزواج المختلط, عندما يكون هذا الاختيار حرا. والكنيسة تسعى, في نظرة ابوية الى الزوجين, ان تساعدهما على ان يعيشا بسلام نعمة العماد, وان يكونا خميرة مسكونية, ومثالا للعائلة التي تعيش الوحدة التي ارادها الرب. وعلى الكنيسة ان تساعد الزوج الكاثوليكي ليسلك الطريق القويم مع الزوج الآخر, وان يجعل من عائلته كنيسة منزلية. وعلى الكاهن والشماس ان يرافقا هذه العائلة في مسيرتهما ليعيش الزوجان نعمة سر الزواج, ويضعا موضع العمل حياتهما المسيحية عن سخاء وثبات. وعلى كل من الزوجين ان يطلع على معتقد الآخر الديني ليكون بينهما انسجام. ولذلك عليهما ان يصليا معا, ويطالعا الكتاب المقدس. وعليهما ان يربيا الاولاد تربية كاثوليكية, ولكن, تجنبا للمآسي التي لا ترضي الرب, ينصح الدليل المسكوني الزوج الكاثوليكي بان ينقل ايمانه الى اولاده, وان يحترم حرية القرين الدينية, وان يسعى الى المحافظة على وحدة العائلة واستقرارها. ويجب ان يسود العائلة جو من التفاهم, وان يلتمس الزوجان من الله, بصلاة خاشعة, نعمة الوحدة المسيحية, ويجب ان تقود المحبة الراعوية رسالة الرعاة ليستطيعوا حمل الزوجين على معرفة الله الذي هو محبة وان يعيشا في المحبة ويشهدا لها. وبعد ان الزواج المختلط من شأنه ان يساعد على التعاون المسكوني الذي يشكل الطريق الى الوحدة المسيحية.
ان الزواج المختلط, على ما فيه من مخاطر, يمكن ان يساعد على انتشار الروح المسكونية, وهذا هو مطلوب في هذه الايام التي تباعد فيها بين الناس دواع كثيرة.
واذ كان العالم في حاجة الى التقارب، فاننا نحن في لبنان أحوج ما نكون اليه، وخاصة في الشأن السياسي الذي يرمي الى ادارة الشؤون العامة، لا الى حمل الناس على الهجرة، والبحث عن وطن آخر يفيئون الى ظله، ويضمن لهم الاستقرار والعيش الكريم، فعسى ان تكون المساعي المبذولة سبيلا الى تقارب القلوب والنظرات، وتطليق الحذر والخوف. والخوف اسوأ نصيح، والاقتراب من انسان خائف ليس بمحمود النتائج. وقانا الله مغبة الخوف، وسدد خطانا الى ما فيه نشر الطمأنينة والاستقرار”.