روما، 12 يناير 2008 (zenit.org). – ننشر في ما يلي تأمل الثاني عشر من يناير للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب "بندكتس".

الإيمان درب مستمر

 ليس الإيمان بالله من أشكال المعرفة التي نعلّم ونتعلّم مثل الكيمياء والرياضيات وغيرها من أشكال المعرفة، بل الإيمان إيماناً... ولمّا كان الإيمان يفترض أن نكرّس كل وجودنا وإرادتنا ومحبتنا له، ولمّا كان يطلب منا التخلي عن ذاتنا، فهو لا محالة يتجاوز كل ما هو معرفة بحتة والعلوم التي يمكن إثباتها ودعمها بالبراهين والحجج... ولأن الحال كذا، يمكنني أن أنأى بحياتي في أي وقت عن الإيمان وأجد الحجج القابلة لدحضه في المبدأ... لذا علينا أن نتسلح بالشجاعة ولا نتخلى عن الحقيقة، بل نسعى لبلوغها ونقبلها بتواضع وعرفان، متى أُعطيَت لنا... والإيمان ليس أمراً في متناول اليد، حتى أستطيع في وقت من الأوقات أن أقول: أنا أملكه، وغيري لا يملكه. فهو حالة تحيا وتتفاعل في الشخص البشري بكليّته وبكل أبعاده- عقلاً وإرادةً ومشاعر. فبذلك يرسّخ الإيمان جذوره بشكل أعمق في حياتي لتتماثل حياتي أكثر فأكثر معه وتعانقه؛ ولكن الإيمان مع ذلك ليس أبداً مجرد فعل تملّك. إذ يمكن للإنسان في أي وقت أن يطلق العنان للنزعة الأخرى القابعة فيه ويتراجع عنه. فالإيمان درب مستمر. وما دمنا على قيد الحياة فنحن في مسيرة مستمرة. ويبقى الإيمان دائماً أبداً عرضةً للضغوط والتهديد. ومن الجيّد أنه لا يمكنه أن يتحول يوماً أيديوليوجية متداولة وأنه لا يجعلني متصلب الرأي، غير قادر على اتباع أفكار إخوتي المشككين والتعاطف معهم. فلا يمكن للإيمان أن ينضج إلا من خلال الإختبار المتكرر لتجربة قمعه في كل مرحلة من مراحل الحياة، وقوة الشك فيه، ومن خلال الإعتراف به ثمّ التحول عنه قبل إيجاد الدرب الذي ينفتح أمامه...لبرهة.