كلمة البابا الى أعضاء السلك الديبلوماسي المعتمد لدى الكرسي الرسولي (الجزء الثاني)

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

الفاتيكان، 13 يناير 2008 (zenit.org).- ننشر في ما يلي الجزء الثاني من الكلمة التي ألقاها البابا بندكتس السادس عشر لدى لقائه، صباح الاثنين 7 يناير،  أعضاء السلك الديبلوماسي المعتمد لدى الكرسي الرسولي.

6- في الحديث عن إفريقيا أود قبل كل شيء أن أعبر عن ألمي الكبير لمأساة الجوع والموت المتواصلة في دارفور. أتمنى أن يساهم العمل المشترك للأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي في تقديم المساعدة والعزاء لمن هم في المحنة. تواجه مسيرة السلام في جمهورية الكونغو الديمقراطية معاراضات كبيرة في منطقة البحيرات الكبرى، وخاصة في المناطق الشرقية، والصومال وبنوع خاص موقاديشو التي لا تزال تعاني من العنف والفقر. أوجه نداء الى الفرق المعنية في الصراع لوقف العمليات العسكرية وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية واحترام المدنيين. لقد عانت كينيا هذه الأيام من خضّة عنف كبيرة. أضم صوتي الى أصوات أساقفة كينيا الذي وجهوا نداء في الثاني من يناير، وأدعو جميع السكان، وبخاصة المسؤولين السياسين للبحث، من خلال الحوار، عن حل سلمي يرتكز إلى العدالة والأخوة. أمام صرخات الألم القادمة من هذه المناطق، لا تقف الكنيسة الكاثوليكية مكتوفة اليدين. فهي تأخذ على عاتقها نداءات اللاجئين والنازحين، وتعمل على تعزيز المصالحة والعدالة والسلام. تحتفل أثيوبيا هذا العام بدخولها الألفية المسيحية الثالثة، وأنا متأكد بأن الاحتفالات بهذه المناسبة ستسهم في التذكير بالعمل الجبار الذي قام به المسيحيون في أفريقيا على الصعيدين الاجتماعي والرسولي.

7 – أما في ما يتعلق بأوروبا، فأود أن أعبر عن سروري بالإنجازات المحققة في مختلف بلدان منطقة البلقان، ومرة أخرى، أتمنى أن تؤخذ بعين الاعتبار – في الوضع النهائي للكوسوفو – مطالب الأطراف المعنية الشرعية، وأن يُضمن أمن واحترام حقوق سكان تلك البلاد، ليبتعد نهائياً شبح العنف، ويُعزّز الاستقرار الأوروبي.

كما وأود أن أذكر أيضاً قبرص، مذكّراً بزيارة غبطة رئيس الأساقفة كريزوستوموس الثاني في شهر يوينو الفائت. أتمنى أن تُبذل أقصى الجهود لإيجاد حل للأزمة التي تدوم منذ زمن بعيد. خلال شهرسبتمبر الماضي قمت بزيارة الى النمسا، أردت من خلالها تسليط الضوء على الإسهام الأساسي الذي تريد وتستطيع الكنيسة الكاثوليكية أن تقدمه من أجل وحدة أوروبا. أؤكد لكم بأنني أتابع أيضاً الفترة التي تلي توقيع “معاهدة ليشبونة”.

هذه المرحلة تستأنف مسيرة بناء “أوروبا البيت”، التي ستكون للجميع منزلاً يحلو العيش فيه إذا ما بنيت على أساس ثقافي وأخلاقي من القيم المشتركة التي نستقيها من تاريخنا وتقاليدنا” (اللقاء مع السلطات وأعضاء السلك الديبلوماسي، فيينا، 7 سبتمبر 2007)، شرط أن لا تنسى جذورها المسيحية.

8- بعد هذه الجولة، يبدو جلياً بأن الأمن والاستقرار في العالم لا يزالان ضعيفين. الأسباب التي تدعو للقلق مختلفة، وجميعها تشهد بأن الحرية البشرية ليست مطلقة والمهم هو الخير المُتقاسَم الذي يقع تحت مسؤولية الجميع. وبالتالي، فالنظام والحق هما ضمانة هذا الخير. ولكن باستطاعة الحق أن يكون قوة سلام فاعلة، فقط إذا ما كان يرتكز الى القانون الطبيعي، الذي أعطاه الخالق. ولهذا السبب لا يمكن عزل الله عن الإنسان والتاريخ. إن اسم الله هو اسم عدالة، وهو يمثل دعوة ملحة للسلام.

9- هذا الوعي قد يساعد الى توجيه مبادرات الحوار بين الثقافات وبين الأديان. ويكثر عدد هذه المبادرات، وهي قادرة على تعزيز التعاون حول مواضيع ذات اهتمام متبادل، ككرامة الشخص البشري، البحث عن الخير العام، وبناء السلام والتطور. ولهذا أراد الكرسي الرسولي أن يولي أهمية خاصة الى مشاركته في الحوار على مستوى عال حول التفاهم بين الأديان والثقافات والتعاون من أجل السلام، في جمعية الأمم المتحدة العامة الثانية والستين (4-5 أكتوبر 2007). ولكي يكون حقيقياً، على هذا الحوار أن يكون واضحاً، بعيداً عن كل نسبية، وأن ينطلق من احترام صريح للآخرين ومن روح مصالحة وأخوّة. والكنيسة الكاثوليكية تعمل جاهدة في هذا الحقل. وفي هذا الصدد يسعدني أن أذكّر مجدداً بالرسالة التي وجهها إلي في الثالث عشر من تشرين الأول أكتوبر الماضي مائة وثماني وثلاثون شخصية مسلمة، شاكرا الجميع على مشاعرهم النبيلة.

10- يعبر مجتمعنا عن عظمة وكرامة الشخص البشري من خلال شرعات حقوق مختلفة، إنطلاقاً من الإعلان الدولي لحقوق الإنسان منذ ستين عاماً. وقد كانت تلك المبادرة، كما وصفها البابا بولس السادس، أحد أهم عناوين المجد في الأمم المتحدة. الكنيسة الكاثوليكية تلتزم وفي جميع القارات كيما تُطبق حقوق الإنسان. نتمنى أن تقوم المنظمات التي نشأت للدفاع عن حقوق الإنسان، بتوجيه كل طاقاتها نحو هذا الهدف، وأن يستطيع مجلس حقوق الإنسان الإجابة على انتظارات خليقته.

11- من جهته، سيستمر الكرسي الرسولي في دعم هذه الأسس والحقوق. وهي خدمة تود الكنيسة القيام بها لصالح كرامة الإنسان، المخلوق على صورة الله. ومن هذا المنطلق لا يمكنني إلا أن أندد مجدداً بالعتداءات المستمرة ضد الحياة البشرية في جميع القارات. ومع عدد كبير من الباحثين والعلماء، أذكّر بأن أبعاد علم الاحياء الجديدة لا تفرض الاختيار بين العلم والأخلاق وإنما تتطلب استعمالاً أخلاقياً للعلم. من جهة أخرى، أود التذكير بنداء البابا يوحنا بولس الثاني بمناسبة يوبيل العام 2000، وإن الجمعية العامة للأمم المتحدة، تبنت في الثامن عشر من ديسمبر الماضي، قراراً تد
عو فيه الحكومات الى تعليق عقوبة الإعدام، وأنا بدوري أصلي كي تحرك هذه المبادرة النقاش حول قدسية الحياة البشرية. أشعر بالأسى بسبب الاعتداءات المقلقة على العائلة المرتكزة الى الزواج بين رجل وإمرأة. على المسؤولين السياسيين أينما وجدوا، أن يدافعوا عن هذه المؤسسة، خلية المجتمع الأساسية. وماذا بعد! الحرية الدينية، حجر الزاوية في بناء حقوق الإنسان، لا تزال لا تُحترم. فهناك أماكن كثيرة لا يمكن فيها تطبيق الحرية الدينية. الكرسي الرسولي يدافع عنها، ويطلب احترامها للجميع، وهو قلق على التمييز ضد المسيحيين وضد أتباع ديانات أخرى.

12- السلام ليس كلمة أو وهم. إنه التزام وطريقة عيش يتطلبان إشباع انتظارات الجميع الشرعية، كالحصول على الطعام والمياه والطاقة والأدوية والتكنولوجيا، وأيضاً إدارة التغيرات المناخية. هكذا فقط يمكن بناء مستقبل للبشرية. هكذا فقط يمكن تعزيز تطور كامل لليوم وللغد. لقد قال البابا بولس السادس منذ أربعين عاماً في رسالته العامة “ترقي الشعوب”: “النمو هو الإسم الجديد للسلام”.

13- ختاماً، أدعو الجماعة الدولية الى الالتزام الشامل لصالح الأمن. إن بذل جهد مشترك من قبل الحكومات لتطبيق جميع الالتزامات ولمنع الإرهابيين من الحصول على أسلحة دمار شامل، سيعزز دون شك نظام حظر الانتشار النووي. أرحب بالاتفاق الذي تم التوصل إليه من أجل تفكيك برنامج التسلح النووي في كوريا الشمالية، وأشجع تبني الاجراءات اللازمة لتخفيض نسبة التسلح، ولمواجهة المشاكل الناتجة عن القنابل العنقودية.

سيداتي وسادتي السفراء!

14- الديبلوماسية نوعاً ما، هي فن الرجاء. فهي تعيش من الرجاء وتحاول أن تميز علاماتها. على الديبلوماسية أن تعطي الرجاء. إن الاحتفال بالميلاد يذكرنا في كل عام انه عندما ولد الله طفلاً صغيراً، جاء الرجاء ليسكن في العالم، في قلب العائلة البشرية. هذا اليقين يصبح اليوم صلاة: فليفتح الله قلوب حكام عائلة الشعوب على الرجاء الذي لا يخيّب أبداً! بهذه المشاعر أتوجه من كل واحد منكم باطيب التمنيات، لكيما مع معاونيكم والشعوب التي تمثلونها تستنيروا بالنعمة والسلام الذين يأتياننا من طفل بيت لحم.

(ترجمة طوني عساف)

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير