عظة البابا بندكتس السادس عشر بمناسبة عيد ارتداد القديس بولس

وختام أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين

Share this Entry

روما، 28 يناير 2008 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي العظة التي تلاها قداسة البابا بندكتس السادس عشر مساء الجمعة الماضي بمناسبة عيد ارتداد القديس بولس وختام أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين بحضور ممثلين عن مختلف الكنائس والجماعات المسيحية المتواجدة في مدينة روما.

 * * *

 أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،

يضعنا عيد ارتداد القديس بولس من جديد بحضرة هذا الرسول العظيم، الذي اختاره الله لكي يكون “شاهدًا أمام كل البشر” (رسل 22، 15). لقد شكل لحظة اللقاء بالمسيح القائم على طريق دمشق، بالنسبة لشاول الطرسوسي، نقطة التحول الحاسمة في حياته. فقد تم حينها التحول الجذري في حياته، وكان ارتدادًا حقًا وفعليًا.

 بتدخل إلهي، وجد مضطهد الكنيسة الشرس نفسه في برهة أعمى يتلمس خطواته في الظلام، ولكن في الوقت عينه أضاء نور في قلبه سيحمله بعد قليل لكي يكون رسول الإنجيل المتقد. لم يفارق بولسَ أبدًا الوعي بأن ارتداد من هذا النوع كان ممكنًا فقط بفضل النعمة الإلهية. فبعدما جاد بأفضل ما عنده، مكرسًا نفسه دون كلل للتبشير بالإنجيل، كتب بحماسة متجددة: “لقد تعبت أكثر منهم جميعًا، لا أنا، بل نعمة الله التي هي فيّ” (1 كور 15، 10). كان لا يعرف هوادة كما لو أن كل عمل الرسالة كان وقفًا على جهوده، ولكن في الوقت عينه كان القديس بولس يعمل انطلاقًا من القناعة الراسخة بان كل قوته كان مصدرها نعمة الله التي تعمل فيه.

 في هذا المساء، يتردد صدى كلمات بولس الرسول بشأن العلاقة بين الجهد البشري والنعمة الإلهية، وملؤها معنىً خاص. في ختام أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين، نجدنا أكثر وعيًا كيف أن عمل إعادة الوحدة، الذي يتطلب كل قوانا وجهودنا، هو على كل حال، أمر يتخطى إمكانياتنا. إن الوحدة مع الله ومع إخوتنا وأخواتنا هي عطية تأتي من العلاء، وتنبع من شركة الحب مع الآب والابن والروح القدس، وفي هذه الشركة تنمو وتكتمل.

 لا يعود إلينا أن نقرر متى وكيف ستتم هذه الوحدة بالكمال. وحده الله يستطيع ذلك! كالقديس بولس، نضع نحن أيضًا رجاءنا وثقتنا “في نعمة الله الذي هو معنا”.

 أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، هذا هو ما نطلبه في الصلاة التي نرفعها سوية إلى الرب لكي يقوم هو بالذات بتنويرنا ومساندتنا في بحثنا الدؤوب عن الوحدة.

 وهكذا ينال تحريض القديس بولس إلى مسيحي تسالونيكي قيمته الكاملة: “صلوا باستمرار” (1 تسا 5، 17)، وهي الآية التي اختيرت كموضوع لأسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين لهذه السنة.

 يعرف الرسول جيدًا الجماعة التي ولدت من نشاطه الرسولي، ويحمل تجاهها رجاءً عارمًا. يعرف فضائلها ولا يجهل نقائصها. فلا تخلو العلاقات بين أعضائها من تصرفات ومواقف ومناقشات تستطيع أن تولد توترات ومشاكل، ويتدخل بولس لكي يساعد الجماعة على المسير في الوحدة والسلام.

 في ختام الرسالة، وبطيبة تكاد تكون أبوية، يضيف بولس سلسلة من التحريضات العملية جدًا، يدعو فيها المسيحيين إلى تعزيز مشاركة الجميع، وإلى العناية بالفقراء، وإلى التحلي بالصبر، وإلى عدم الرد على الشر بالمثل، وإلى طلب الخير دائمًا، وإلى الفرح دومًا والشكران في كل الحالات (راجع 1 تسا 5، 12 – 22).

 في صلب هذه الإرشادات، يضع بولس هذا الأمر: “صلوا باستمرار”. فالتحريضات الأخرى تفقد القوة والتماسك، إذا لم تكن مدعومة بالصلاة. تبنى الوحدة مع الله ومع الآخرين من خلال حياة الصلاة، في البحث المستمر عن “إرادة الله في المسيح يسوع بشأننا” (راجع1 تسا 5، 18).

 ما زالت الدعوة التي وجهها القديس بولس إلى أهل تسالونيكي آنية. فأمام الضعف والخطايا التي ما زالت تعرقل شركة المسيحيين الكاملة، ما زالت كل من هذه التحريضات تحافظ على قيمتها، ولكن ما هو ملزم حقًا هو أمر “صلوا باستمرار”. ما كانت لتصبح الحركة المسكونية دون الصلاة الشخصية أو المشتركة لكي “يكونوا وحدًا، كما أنت أيها الآب فيّ وأنا فيك” (يو 12، 21)؟

 أين يمكننا أن نجد “الزخم الإضافي” من الإيمان والمحبة والرجاء الذي يحتاجه حاجة ماسة اليوم بحثنا عن الوحدة؟ لا يجب أن يقتصر شوقنا إلى الوحدة إلى مناسبات متقطعة، بل يجب أن يصبح عنصرًا متممًا وجوهريًا لكل حياة الصلاة التي نعيشها.

  لطالما كان الرجال والنساء الذين تنشأوا على كلمة الرب وعلى الصلاة صنّاع المصالحة والوحدة في كل حقبة من التاريخ. مسيرة الصلاة هي التي فتحت الدرب أمام الحركة المسكونية كما نعرفها اليوم. انطلاقًا من نصف القرن الثامن عشر، ظهرت سلسلة من حركات التجدد الروحي، كانت تتوق إلى الإسهام عبر الصلاة بتعزيز وحدة المسيحيين. ومنذ البدء، شاركت بشكل فاعل في هذه المبادرات جماعاتٌ كاثوليكية تقودها شخصيات دينية مرموقة. لقد دعم أسلافي المكرمون أيضًا الصلاة من أجل الوحدة، مثل البابا لاوون الثالث عشر، الذي انطلاقًا من عام 1895، كان يوصي بتلاوة تساعية صلاة من أجل وحدة المسيحيين. هذه الجهود التي كانت تعاش بحسب إمكانيات كنيسة ذلك الزمان، كانت تبغي تحقيق الصلاة التي تلفظ بها يسوع نفسه في العلية: “ليكونوا بأجمعهم واحدًا” (يو 17، 21). لذا لا يوجد عمل مسكوني أصيل ما لم تمتد جذوره بعمق في الصلاة.

 نحتفل هذا العام بالذكرى المئوية لـ “ثمانية الصلاة من أجل وحدة الكنيسة”، التي صارت في ما بعد “أسبوع الصلاة لأجل وحدة المسيحيين”. منذ مئة عام، أطلق الأب بول واتسون، الذي كان ما يزال حينها قسًا أبيسكوباليًا، فكرة ثمانية صلاة من أجل الوحدة، وتم
الاحتفال بها للمرة الأولى في غرايمور (نيويورك) من 18 إلى 25 يناير 1908. هذا المساء، وبفرح عارم أوجه تحية إلى القيم العام وإلى الوفد العالمي لإخوة وأخوات الكفارة الفرنسيسكانيين، وهي جمعية أسسها الأب بول واتسون تعمل على تعزيز إرثه الروحي.

 في الثلاثينيات من القرن الماضي، عرفت ثمانية الصلاة تعديلات هامة بتأثير من الأب بول كوتوريه من ليون، وكان هو نفسه من رواد المسكونية الروحية. لقد سمحت دعوته إلى “الصلاة من أجل وحدة الكنيسة كذلك كما يريدها المسيح، وبحسب الوسائل الذي يريدها هو” للمسيحيين من كل التقاليد أن يجتمعوا في صلاة وحدة من أجل الوحدة. نشكر الله لأجل حركة الصلاة الكبيرة التي ترافق وتساند المؤمنين بالمسيح في سعيهم إلى الوحدة منذ مئة عام. ما كان قارب المسكونية ليخرج من مينائه لو لم يحركه تيار الصلاة الكبير هذا، ولو لم تدفعه نفحة الروح القدس.

 إلى جانب أسبوع الصلاة، دعت الكثير من الجماعات الرهبانية والنسكية أعضاءها وساعدتهم على “الصلاة باستمرار” من أجل وحدة المسيحيين. في هذه المناسبة التي تجمعنا، تذكر بشكل خاص حياة وشهادة الأخت ماريا غبرييلا للوحدة (1914 – 1936)، وهي راهبة ترابيست من دير غروتافراتا (حاليً في فيتوركيانو). عندما قامت الأم الرئيسة بتشجيع من الأب بول كوتوريه، بدعوة الأخوات إلى الصلاة وإلى تقديم الذات لأجل وحدة المسيحيين، شعرت الأخت ماريا غبرييلا فورًا بأنها معنية ولم تتردد في تكريس وجودها الفتي إلى هذه القضية السامية. يصادف اليوم بالذات الذكرى الخامسة والعشرين لتطويبها من قبل سلفي، البابا يوحنا بولس الثاني . لقد تم هذا الحدث في هذه البازيليك بالذات في 26 يناير 1983، خلال الاحتفال باختتام أسبوع الصلاة لأجل الوحدة.

 في عظته، سلط خادم الله الضوء على ثلاثة عناصر يرتكز عليها البحث عن الوحدة: التوبة، الصليب والصلاة. وعلى هذه الركائز الثلاث تأسست حياة وشهادة الأخت ماريا غبرييلا.

 يحتاج العمل المسكوني اليوم كالأمس إلى “الدير الخفي” الكبير الذي كان الأب بول كوتوريه يتحدث عنه؛ يحتاج إلى تلك الجماعة المسيحية الشاسعة بكل تقاليدها، التي دون ضجيج، تصلي وتقدم حياتها لكي تتحقق الوحدة.

 علاوة على ذلك، منذ 40 سنة بالضبط، تتلقى الجماعات المسيحية في العالم بأسره تأملات وصلوات من أجل أسبوع الصلاة، تقوم بتحضيرها سوية لجنة “إيمان ودستور” التابعة للمجلس المسكوني للكنائس، والمجلس الحبري لأجل تعزيز وحدة المسيحيين. لقد سنح هذا التعاون الإيجابي الفرصة لتوسيع دائرة الصلاة الشاسعة، وتحضير المحتويات بشكل مناسب أكثر.

 هذا المساء، أحيي بحرارة الدكتور الجليل صمويل كوبيا، أمين السر العام للمجلس المسكوني للكنائس، الذي جاء إلى روما لكي ينضم إلينا في هذه المئوية لأسبوع الصلاة. يسرني أيضًا حضور أعضاء “مجموعة العمل المشتركة”، التي أحيي بعطف. المجموعة المشتركة هي وسيلة التعاون بين الكنيسة الكاثوليكية والمجلس المسكوني للكنائس في بحثنا المشترك عن الوحدة.

 وككل سنة، أوجه تحيتي الأخوية أيضًا إلى الأساقفة، إلى الكهنة، إلى رعاة مختلف الكنائس والجماعات الكنسية الممثَلة هنا في روما. إن مشاركتكم في هذه الصلاة هي تعبير ملموس للربط التي توحدنا في المسيح يسوع: “لأنه حيث يجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، أكون هناك بينهم” (متى 18، 20).

 في هذه البازيليك التاريخية، في 28 يونيو المقبل، سيفتتح العام المكرس لشهادة وتعليم الرسول بولس. فليساعدنا اتقاده الذي لا يعرف هوادة في بناء جسد المسيح بالوحدة لكي نتضرع بلا انقطاع من أجل الوحدة الكاملة بين جميع المسيحيين! آمين!

 (ترجمة روبير شعيب)

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير