روما، 31 يناير 2008 (zenit.org). – ننشر في ما يلي تأمل الثلاثين من يناير للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب "بندكتس".
الله والإنسان
أومن بأن يسوع المسيح يمكّنني من اكتشاف ماهية الله والإنسان. فالله ليس فقط غوراً بعيد المدارك أو رفعةً لا تُسامى يدير كل الأمور من دون أن يدخل هو نفسه أبداً دنيا المنتهى. والله ليس بعداً لامتناهياً وحسب، بل هو أيضاً قرب متناهٍ يمكن للشخص البشري أن يسرّ له بمكنونات قلبه ويتكلم معه، لأنه يرى ويسمع ويحبّ... وهو يعبّر عن ذاته في شخص يسوع المتأنس، وإن بشكل غير كامل، لأن يسوع، وإن هو واحد معه، يسمّيه "أبي"... ويبقى الله هذا الواحد الأحد الذي هو أسمى بدهور من كل الأمور المنظورة. بصلاة يسوع الحزينة وقوله "أبي" يصبح الله فقط معروفاً منا. ولكنه، في الوقت عينه، يدنو إلى أقرب ما يمكن منا من خلال لفظ كلمة "أبي" هذه. أما البشر، فهم بطبيعتهم لا يطيقون من يكون كامل الصلاح أو مستقيماً بحق أو محباً بحق، لا يؤذي أحداً ولا يضمر الشر لأحد... ويبدو أنه في هذا العالم لا تُبادَل الثقة بالثقة أو العدل بالعدل أو المحبة بالمحبة إلا في أوقات قليلة ونادرة. فسرعان ما يصبح الشخص الذي يمثل كل هذه الفضائل مصدر إزعاج لا يُطاق بالنسبة إلى الآخرين. فالناس يصلبون كل من هو إنسان حق. هذا هو الإنسان. وهذا ما أنا عليه – فتلك هي الصورة الرهيبة التي تتكون لديّ عندما أنظر إلى المسيح معلقاً على الصليب. ولكن هذه الصورة تجاريها أخرى، مفادها أن الإنسان هو الكائن القادر على إظهار الله بذاته. فالإنسان مكوََّن بحيث أن الله يمكنه الإتحاد به. وها إن الشخص البشري الذي يبدو للوهلة الأولى وحشاً مشؤوماً من نتاج التطور، يمثل في آنٍ معاً أسمى ما يمكن للكون المخلوق بلوغه.