بقلم روبير شعيب
تورينو، الثلاثاء 13 مايو 2008 (Zenit.org). – قام النائب الرسولي في روما مساء أمس الاثنين 12 مايو بتقديم كتاب له في معرض الكتاب في تورينو بعنوان: “إعادة التثقيف على المسيحية”. يتضمن الكتاب مجموعة من مداخلات الكاردينال كاميلو رويني، تعود جميعها لعام 2007، وتتطرق بغالبيتها إلى اللقاء بين الإيمان والعالم المعاصر والتحديات التي يحملها هذا اللقاء.
يتحدث الكاردينال في إحدى المحاضرات التي يضمها الكتاب والتي ألقاها منذ سنة في تورينو عن العلاقة بين اللاهوت والثقافة، ويشير إلى الدور الكبير الذي لعبته هذه العلاقة الإيجابية في انتشار المسيحية في القرون السالفة، لافتًا إلى أن المسيحية أسهمت في تشكيل وصياغة الحضارات التي التقت بها.
وينطلق رويني بالكلام عن الزمن الذي ولد فيه يسوع المسيح، والذي كان عصر الثقافة الهيلينية-الرومانية، معلقًا أن المسيحية منذ فجرها بدأت بتطعيم الحضارات وبتحويلها من الداخل.
ويستمر هذا العمل خلال عصر آباء الكنيسة، من خلال نقاش رصين بين اللاهوت والفلسفة، وعادات المجتمع السائدة. وفي ختام عصر الآباء بات الإيمان المسيحي عنصرًا أساسيًا ومحوريًا في الوعي والهوية الثقافية.
ثم تحدث الكاردينال عن دور المسيحية وانتشارها بين الشعوب الجرمانية، وصولاً صياغة “الخلاصات” الأولى التي تشتهر في ما بينها “الخلاصة اللاهوتية” للقديس توما الأكويني، التي ترتكز بين ما ترتكز على مبدأ يقول بأن النعمة لا تنفي الطبيعة بل تتطلبها وتكملها.
ثم أشار إلى أن هذا التداخل بين اللاهوت والثقافة، وبين المسيحية والثقافة يتعرض لأزمة في مطلع العصر الحديث، انطلاقًا مما يعرف بـ “النهضة الأنسية” التي وضعت الإنسان في الوسط، والتي بدأت باعتبار العلوم والسياسة و “كأن الله غير موجود” (etsi Deus non daretur).
ثم تحدث رويني عن الفصل الذي تقيمه فلسفة العصر الوسيط بين العقل والإيمان، الفلسفة واللاهوت، مشيرًا إلى أن هذا الفصل هو ركيزة العلاقة بين هذه العناصر. وأشار أن أساس هذه النظرة يعود إلى اعتناق الفلسفة المدرسية مبادئ نظرية المعرفة ونظرية الكائن الأرسطوية، التي تميز بين إمكانيات المعرفة المكنونة في الإنسان بحد ذاته عن النور الذي يتلقاه الإنسان من الحضور والوحي الإلهي.
ويشير بعض اللاهوتيين المهمين مثل هنري دو لوباك، على خطى الفيلسوف موريس بلوندل، أن التشديد على هذا الفصل والإصرار عليه – الذي قامت به “الفلسفة المدرسية الثانية” – قد أدى إلى تهميش المسيحية واللاهوت من مجال التطور الثقافي، مقدمًا رغمًا عنه تفنيدًا لاهوتيًا لهذا التهميش.
وعبر الكاردينال رويني عن قبوله لهذه النظرية التي يقدمها دو لوباك، “بشرط ألا يبالغ في التشديد على أهميتها التاريخية”، شارحًا أن هذا التمييز يعبّر عن “اعتراف بالتماسك الداخلي للكائنات، لأنها خلائق الله” (راجع فرح ورجاء، 36). وأنه انطلاقًا من هذا التمييز، يمكن الحديث عن علاقة للإيمان مع العقلانية الحديثة والمعاصرة.