من يعبّر عن سر الله بشكل أفضل؟ الفلسفة السامية أو بساطة وتواضع الكتاب المقدس؟

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

بقلم روبير شعيب

 الفاتيكان، الخميس 15 مايو 2008 (Zenit.org). – اختبر أغسطينوس الشاب صعوبة قبول المسيحية عندما اصطدم بالفرق القائم بين بلاغة وجمال كتب الفلاسفة  التي كان معتادًا على فقهها، وبساطة الإنجيل، إلى جانب تصاوير الكتاب المقدس الذي يقدم الله وكأنه يتصف بخصائص المخلوقات.

 ولم يكن ليتزاوج هذه المحنة لو لم يتعرف على القراءة الكنسية للكتاب المقدس بشخص وتعليم أسقف ميلانو، القديس أمبروسيوس، الذي بواسطة القراءة الرمزية، كان يتجاوز مستوى الرموز ليلج إلى السر السامي الذي يحمله الكتاب المقدس.

 من هذا المنطلق، يمكن وصف الكتاب المقدس بكتاب “سري”، ليس بمعنى أنه كتاب غامض، أو معقد، بل بمعنى أنه كتاب يحمي في طياته “السر” (mysterion) الذي يتحدث عنه القديس بولس، والذي كان منذ الأزل في قلب الله، وقد كشف لنا في التاريخ، وبشكل جلي وكامل في المسيح (راجع عبر 1، 1).

 واستعمال الصور في الكتاب المقدس إنما هو حارس لهذه الخاصية لأن الصور تساعدنا على أن نفهم أن الله هو فوق كل المفاهيم. في بساطة الصور، يمكننا أن نجد حقائق أكبر من المفاهيم العظيمة.  فالصور في الوقت عينه تشير إلى الحقيقة دون أن تحجمها. الصورة هي بمثابة أصبع دليل يشير إلى السماء دون أن يشتت عنها، ودون أن يزعم أنه يفسرها بالكلية.

 لذا، فإن القراءة المثلى للكتاب المقدس، القراءة الأعمق هي قراءة “صوفية” لأن النظرة الأقرب وجه الله هو عدم قدرتنا على أن نعبر حقيقةً عن ماهيته. بهذا الشكل يجري الكلام – وهو ما يقوله ديونيسيوس المنحول في كتابه “اللاهوت الصوفي” وغيره الكثير من الآباء وخصوصًا الشرقيين منهم – عن “اللاهوت السلبي”.

 وكنه هذا اللاهوت السلبي هو اختبار أنه يمكننا ببساطة أكبر أن نقول ما ليس الله، من أن نعبّر عما هو بالحقيقة. فقط عبر الصور يمكننا أن نحزر وجهه الحق.

 هذا، وفي عمق الإيمان المسيحي، يسوع المسيح، بفقر وتواضع تجسده هو الوجه الحق لله، من رآه رأى الآب (راجع يو 14). ولذا يشكل يسوع المسيح المفتاح التفسيري الأعمق للكتاب المقدس فهو حقيقة هذا الكتاب، وجوهر الطريق الذي بشر به الأنباء والرسل، وينبوع الحياة الذي يدعو الكتاب إلى أن ننهل منه. بهذا المعنى يتحدث الإنجيلي يوحنا عن يسوع مشيرًا إلى أنه في “الكلمة” كانت الحياة، وبه نلنا نعمة على نعمة، وأن “الله لم يره أحد قط، الابن الوحيد القائم في حضن الآب هو الذي كشف عنه” (يو 1، 18)، ويكمن ترجمة هذه الآية الأخيرة بـ “هو الذي فسره”.

 وعليه، فإن الكتاب المقدس، على بساطته هو العليقة المشتعلة التي تستقبل – بإرادة من الله – كلمة الله عينه، وتكشف عن أسرار الله لمن يفتح قلبه للإيمان، فيرى في البساطة سر الله الذي أخلى ذاته في المسيح.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير