بقلم روبير شعيب
الفاتيكان، الجمعة 23 مايو 2008 (Zenit.org). – السجود أمام الخلائق هو خنوع وضعف، أما السجود أمام الرب فهو إعلان لحرية أبناء الله، هذا هو كنه ما قاله البابا بندكتس السادس عشر عندما صرح البارحة: البابا: “السجود للافخارستيا هو إعلان حرية! من ينحني أمام يسوع لا يستطيع ولا يجب أن ينحني أمام أي من سلاطين الأرض، مهما عظمت قوته”.
احتفل قداسة البابا بندكتس السادس عشر مساء أمس الخميس بعيد “جسد الرب” في ساحة بازيليك القديس يوحنا في اللاتران، وألقى بعد الإنجيل المقدس عظة تحدث فيها عن معنى هذا العيد في وقفاته الثلاث: القداس، الزياح والبركة.
فالاحتفال بعيد جسد الرب – شرح البابا – يبدأ بالاحتفال بالقداس الإلهي الذي هو وقوف في حضرة الرب، وبعده الزياح أي المسيرة مع الرب، وأخيرًا السجود أمام الرب، الذي يبدأ مع القداس، ويستمر في الزياح ولكنه يبلغ قمته عند البركة الاحتفالية بالقربان المقدس.
القداس الإلهي
ثم وسع البابا الوقفات الثلاث، مشيرًا أن هذا القداس كان يعرف في الماضي باسم ” statio “، أي الوقفة أو المحطة، ودعا المؤمنين إلى تخيل كيف أن في روما في هذا اليوم لم يكن هنالك إلا مذبح واحد وأن المؤمنين كانوا يتلقون الدعوة للاجتماع احتفالاً بالمخلص المائت والقائم من الموت.
وأوضح البابا أن هذا الأمر يفهمنا بأن الافخارستيا لا يمكن أن تكون “واقعًا خصوصيًا، محصورًا ببعض الأشخاص الذين اختاروا بعضهم البعض طبقًا للانسجام أو الصداقة”، بل “الافخارستيا هي عبادة عامة، وليس فيها أي عنصر باطني أو خفي أو خصوصي”.
في الافخارستيا “نتحد بالرغم من اختلاف جنسياتنا، ووظائفنا، ومستوانا الاجتماعي، وأفكارنا السياسية: ننفتح بعضنا على بعض لكي نضحي واحدًا انطلاقًا منه تعالى”.
“هذه خاصية المسيحية منذ فجرها، وهي تتحقق بشكل مرئي حول مائدة الافخارستيا”، وعليه فإن عيد جسد الرب “يذكرنا قبل كل شيء بهذا: أن نكون مسيحيين يعني أن نجتمع من كل أنحاء العالم لكي نقف في حضرة الرب الواحد ولكي نصبح واحدًا فيه ومعه”.
الزياح
وبالحديث عن البعد الثاني، قال البابا أن ركيزته هي “السير مع الرب”، وهي واقع يتجلى في الزياح الذي يلي القداس، وهو بمثابة “استمرارية طبيعية للقداس، حيث نسير إثر ذاك الذي هو الطريق”.
يحررنا الرب في الافخارستيا من “الشلل”، وينهضنا لكي نسير إلى الأمام، وخطوة تلو الأخرى يجعلنا نمشي بقوة خبز الحياة هذا.
واستشهد البابا بمثل النبي إيليا الذي التجأ إلى الصحراء خوفًا من أعدائه، وكان قد قرر أن يترك نفسه ليموت (راجع 1 مل 19، 1 – 4). ولكن الله أيقظه من نومه فوجد خبزًا وقال له ملاك الرب: “انهض وكل لأن الدرب طويل جدًا أمامك” (1 مل 19، 5 . 7).
يعلمنا التزياح بجسد الرب أن “الافخارستيا تريد تحريرنا من كل اكتئاب وقلق، تود أن تنهضنا، لكي نتمكن من متابعة المسير بالقوة التي يهبنا إياها الله في يسوع المسيح”.
هي خبرة شعب الله في الصحراء، بعد خروجه من مصر، وهي خبرة شاملة لأن ما يقوله الكتاب: “الإنسان لا يحيا بالخبز وحده بل بكل كلمة تخرج من فم الله” (تث 8، 3) هو تعبير شامل، وهو يتوجه إلى كل إنسان كونه إنسانًا.
“الافخارستيا هو سر الله الذي لا يتركنا وحدنا في المسير”، وتساءل الأب الأقدس كيف لنا أن نتابع المسير لو كنا لوحدنا؟، لهذا يسوع لا يتركنا لوحدنا بل يسير إلى جنبنا في الافخارستيا.
السجود
وفي المقام الثالث، تحدث البابا عن مطلع الكلمات (الوصايا) العشر حيث يقول الرب: “أنا الرب إلهك، الذي أخرجتك من أرض مصر، من حالة العبودية: لا يكن لك إله غيري” (خر 20، 2 – 3). هذا هو معنى الوقفة الثالثة في عيد جسد الرب، هو “السجود لإله يسوع المسيح، الذي صار خبزًا مكسورًا حبًا، وهو الدواء الأنجع والأكثر جذرية ضد كل العبادات الوثنية في الماضي واليوم”.
“السجود للافخارستيا هو إعلان حرية! من ينحني أمام يسوع لا يستطيع ولا يجب أن ينحني أمام أي من سلاطين الأرض، مهما عظمت قوته”. ونحن المسيحيون نسجد فقط أمام سر القربان الأقدس، لأننا نؤمن بأن الإله الأوحد الحق حاضر هناك. “نسجد أمام الله الذي انحنى أولاً نحو الإنسان، كالسامري الصالح، لكي يعينه ويهبه الحياة، لقد ركع أمامنا لكي يغسل أقدامنا القذرة”.