جل الديب، لبنان، الخميس 29 مايو 2008 (zenit.org). - انعقد ظهر اليوم في 29 مايو 2008 في المركز الكاثوليكي للإعلام في جل الديب مؤتمر صحافي لرئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام، المطران رولان أبو جوده قدم في خلاله رسالة قداسة البابا بندكتس السادس عشر حول يوم الإعلام العالمي 42، وحضر المؤتمر نقيب الصحافة محمد البعلبكي، ممثل نقيب المحررين مارك بخعازي، أمين سرّ اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام الأب يوسف مونس، مدير المركز الكاثوليكي للإعلام الخوري عبده أبو كسم، ومسؤول فرع السينما والتلفزيون الأب سامي بو شلهوب، ورئيس الاتحاد العالمي للصحافة الكاثوليكية الاب طوني خضرا. ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها المطران أبو جودة لهذه المناسبة.
مقدمة:
1- إن اليوم العالمي للإعلام هو اليوم الوحيد الذي أقرّه المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، في قراره، في وسائل الإعلام بعنوان: «بين الإختراعات العجيبة» (العدد 18) وقد أصدره في 18 تشرين الثاني 1965، ودرجت الكنيسة في بلدان عديدة من العالم، ومن بينها لبنان، على الإحتفال به الأحد الواقع بين خميس الصعود وأحد العنصرة، أي، في هذا العام 2008، في 4 ايار.
2- ولكن الوضع الراهن في البلاد وأسباباً أخرى عملية، جعلت لجنتنا الأسقفية لوسائل الإعلام تؤجل الإحتفال به، ليوم الأحد، في الأول من حزيران، المقبل. ووجهت اللجنة في المناسبة كالمعتاد، الى جميع المعنيين مباشرة باحياء هذا اليوم، من اكليروس وعلمانيين، ومن بينهم رجال الإعلام، رسائل خاصة ضمنتها المطبوعات والمنشورات اللازمة وحددت المواعيد المهمة لنشاطاتها.
3- من جهة أخرى، درج قداسة البابا على اعلان موضوع اليوم المذكور في شهر تشرين الأول من العام السابق، وهذا ما حدث في 30 تشرين الأول الفائت 2007، كما ان العادة درجت منذ سنوات على أن يصدر رسالته في المناسبة عينها، يوم عيد القديس فرنسيس دي سالوس، شفيع الصحافيين، أي في 24 كانون الثاني من كل سنة.
موضوع الرسالة ومضمونها
1- فموضوع يوم الإعلام العالمي الثاني والأربعين، للعام 2008، كما وموضوع رسالة قداسة البابا هو:«وسائل الإعلام: ملتقى بين الدور والرسالة، السعي الى الحقيقة والمشاركة فيها». وهو موضوع يسلّط الضوء على أهميّة دور وسائل الإعلام في حياة الأفراد والمجتمع. فما من ناحية للخبرة البشرية، ولاسيما مع بروز ظاهرة العولمة الواسعة، لم تصبح فيها وسائل الإعلام جزءاً مكوناً للعلاقات بين الأشخاص، وللأحداث الإجتماعية والإقتصادية والسياسيّة والدينية.
2- وقد اكتسبت وسائل الإعلام هذه، بفضل التطور التكنولوجي السريع، قدرات هائلة، فأصبحت تطرح في آن معاً مسائل ومشاكل جديدة لم تعرف من قبل.
أ- فهنالك ترويج المعلومات، والإطلاع على الأحداث ونشر المعرفة، ومحو الأميّة والتنشئة الإجتماعيّة ونموّ الديمقراطية والحوار بين الشعوب، وضمان خير الإنسان الأساسي لجهة النفاذ الى الإعلام، الى جانب تداول الأفكار، خصوصاً ما يتعلّق منها بالمثل العليا للتضامن والعدالة الإجتماعية.
ب- أجل! إن وسائل الإعلام، يقول قداسة البابا، «ليست في مجملها وسائل لنشر الأفكار وحسب، بل يمكنها لا بل عليها أن تكون أدوات في خدمة عالم اكثر عدالة وتضامناً» (عدد 2).
ج- ولكن، ويا للأسف، لا يمكن استبعاد خطر تحوّل هذه الوسائل أنظمة غايتها اخضاع الإنسان الى منطق تمليه المصالح الآنية المهيمنة: مآرب ايديولوجية، الترويج لمنتجات استهلاكية... فيفضي ذلك بوسائل الإعلام الى فرصة نماذج مشوهة عن الحياة الشخصية او العائلية او الاجتماعية. كما قد تلجأ تلك الوسائل الى العنف والابتذال من اجل زيادة حجم جمهورها، أو تدعم نماذج تطوّر تعمق اكثر ما ترأب الهوة التكنولوجية بين البلدان الغنية والبلدان الفقيرة.
3- وهنا يبيّن قداسته كيف ان البشرية اليوم على مفترق طرق: فوسائل الإعلام تزخر بطاقات جديدة في اتجاه الخير، ولكنها تفتح في الوقت عينه امكانيات سحيقة للشر لم نعهد من قبل. فهل نسمح بأن تخضع وسائل الإعلام الى ريادية شعواء أو ان ينتهي بها الأمر بأن تكون تحت رحمة من يستعملونها للتحكم بالضمائر. ويضيف قداسته قائلاً: «أو ليس من الأحرى أن نعمل لكيما تبقى هذه الوسائل في خدمة الإنسان والخير العام ولكي تشجع على تنشئة الإنسان الأخلاقية، في نمو الإنسان الداخلي»؟ (عدد 3). ولاسيما وان وسائل الإعلام أصبحت تدّعي انها لا تنقل الواقع فحسب، بل ايضاً، انها تحدده بفضل ما تملك من قدرة وقوّة للإيحاء فقد يحصل ان لا تؤدي تلك الوسائل بشكل صحيح دورها الإعلامي بل «تخلق» الأحداث بذاتها. ويوضح قداسة الحبر الأعظم ان «هذا التبدل الخطير في وظيفتها يثير قلق رعاة كثر» (المرجع عينه).
4- وعليه، ينبغي اعتبار الدور الذي اضطلعت وسائل الإعلام به في المجتمع جزءاً مكوناً للمسألة الأنتروبولوجية وهي التحدي الحاسم في الألفية الثالثة. «فعندما تفقد وسائل الإتصال اسسها الأخلاقية وتفلت من الرقابة الاجتماعية»، يقول قداسته، «لا تعود تراعي طابع الإنسان المحوري، ولا كرامته غير القابلة للإنتهاك، فتهدد آنذاك بأن تؤثر سلباً على ضميره وخياراته وأن تتحكم في نهاية الأمر بحرية الأشخاص وحياتهم ايضاً. لذا من الضروري ان تعمد الإتصالات الإجتماعية الى الدفاع ال حثيث والغيور عن الشخص البشري وأن تحترم كرامته على أكمل وجه» (عدد 4). ثم يضيف قائلاً: «يذهب البعض الى الإعتقاد بضرورة ايجاد «اخلاقيات اعلامية» في ايامنا هذه في هذا المجال، شأن اخلاقيات علم الأحياء في الطب وفي البحوث العلمية المرتبطة بقضايا الحياة» (العدد عينه).
5- يا حبذا لو عملنا في لبنان على وضع مثل هذه الأخلاقيات الإعلامية! بل يجب علينا ايضاً أن نعمل لكي لا تتحول وسائل الإعلام صورة للمادية الإقتصادية والنسبية الأخلاقية، وهما آفتان حقيقيتان في زمننا الحالي. فهي، على العكس، يمكنها بل عليها أن تساهم في نشر الحقيقة حول الإنسان، منكبة على الدفاع عنها. وان البحث عن حقيقة الإنسان وتقديمها يشكلان الدعوة الأسمى للإتصالات الإجتماعية. ويذهب البابا الى الحث على اللجوء الى استخدام أجمل الأساليب اللغوية وارقاها التي تمتلكها وسائل الإعلام لهذا الغرض. إن ذلك لواجب يقع في المقام الأول على عاتق المسؤولين والعاملين في هذا المجال، ولكنه يعنينا جميعاً بطريقة أو بأخرى، لأننا أصبحنا جميعاً نُعَد مستفيدين وعاملين اعلاميين في زمن العولمة هذا، خصوصاً ان الوسائط الإعلامية الجديدة، ولاسيما الهاتف وشبكة الإنترنيت منها، تبدّل حتى صورة الإتصالات، ولعلها فرصة مهمة لإعادة رسمها وللمزيد من تسليط الضوء على النواحي الأساسية والمتأصلة لحقيقة الشخص البشري.
6- الإنسان تواق الى الحقيقة، وهو في بحث دائم عنها. وهذا يتجلى ايضاً من خلال الإهتمام الذي يستقطبه النجاح الذي يسجله العديد من منتوجات دور النشر والبرامج والأفلام ذات النوعية العالمية حيث حقيقة الشخص وجماله وعظمته، بما في ذلك بعده الديني، مسائل تلقى اعترافاً وتجسيداً حسناً. قال المسيح: «تعرفون الحق والحق يحرركم» (يو 8: 32). ان الحقيقة التي تحررنا هي في المسيح، لأنه هو وحده قادر على أن يروي بالكامل الظمأ الى الحياة والمحبة الذي يشتعل في قلب الإنسان. ومن التقى ورحّب برسالته بحماسة يختبر الرغبة التي لا تقاوم في تقاسم هذه الحقيقة وايصالها للآخرين.
خاتمة:
1- وعليه، فنسمح لنفسنا، اخيراً بأن نعرّب موضوع الرسالة كما يلي: «وسائل الإعلام على مفترق طرق بين دورها ورسالتها، السعي للحقيقة لتقاسمها مع الآخرين».
2- ثم نختم مع قداسة البابا بندكتوس السادس عشر متضرعين الى الروح القدس كي يمنحنا رجال اعلام شجعان وشهود حق حقيقيين، فالمسيحيون من بينهم، امناء بدعوة المسيح، والجميع يحركهم شغف حمل رسالة الإيمان، «يكونون أصواتاً تعبّر عن الحاجات الثقافية الحالية، فيلتزمون بعيش عصر الإعلام الحالي لا بوصفه زمن خضوع وضياع، بل كزمن ثمين للبحث عن الحقيقة وتنمية الشراكة بين الأفراد والشعوب» (كلمة البابا يوحنا بولس الثاني في لقاء الوسائط الإعلامية، في 9 تشرين الثاني، 2002).
* * * * * *