إذا لم يتم فصل الإيمان عن المحبة
بقلم روبير شعيب
الفاتيكان، 2008 (Zenit.org). – تطرق الأب الأقدس في تعليم الأربعاء اليوم إلى موضوع التبرير بالإيمان في تعليم القديس بولس، ولم يتردد في طرح هذه المسألة ليس فقط في إطارها البيبلي بل أيضًا في إطارها التاريخي، حيث لعبت دورًا محوريًا في فترة الإصلاح اللوثري.
وشرح البابا أن مسألة التبرير هي ببساطة الجواب على السؤال التالي: كيف يضحي الإنسان بارًا في نظر الله؟
وانطلق بندكتس السادس عشر من خبرة بولس الذي كان فريسيًا بلا لوم يحفظ كل أحكام الشريعة، ولكنه بعد لقائه بالمسيح غير مقاييسه وبات يعد كل شيء نفاية أمام معرفة المسيح. “العلاقة الشخصية مع المسيح، هي التي جعلت بولس يضع في محور إنجيله تناقضًا كاملاً بين مسيرتين بديلتين نحو البرارة: الأولى مبنية على البرارة بفضل أعمال الشريعة والثانية ترتكز على نعمة الإيمان بالمسيح”.
وفي كلامه إلى مسيحيي روما يشدد بولس على أن “الجميع اخطأوا وأعوزهم مجد الله، ولكنهم ينالون البر مجانًا في النعمة، بواسطة الفداء الذي هو في المسيح يسوع” (روم 3، 23 – 24). ويضيف: ” نَحنُ نَرى أَنَّ الإِنسانَ يُبَرَّرُ بالإِيمانِ بمَعزِلٍ عن أَعمالِ الشَّريعة” (المرجع نفسه، 28).
هذه الآية هي بحسب ما قاله البابا أصل ما سيقوله لوثر في ما بعد بشأن التبرير بالإيمان. واعتبر البابا أن مقولة لوثر “الإيمان وحده” (sola fide) صحيحة، إذا لم يعارض بين الإيمان والمحبة، والحب. “الإيمان هو النظر إلى المسيح، الثقة بالمسيح، التعلق بالمسيح، مطابقة الذات معه والدخول في تيار حبه”.
ولهذا يتحدث بولس في الرسالة إلى أهل غلاطية، حيث يوسع عقيدته حول التبرير، عن الإيمان الذي يعمل بواسطة المحبة (راجع غلا 5، 14).
ماهية الشريعة
هذا وأوضح البابا معنى “الشريعة” التي يعتبر بولس أنها لا تقود إلى البرارة انطلاقًا من خبرة أهل كورنثوس حيث كانت توجد فكرة عادت مجددًا وبشكل منتظم في التاريخ؛ وتتألف الفكرة – بحسب ما شرح أسقف روما – :في اعتبار هذه الشريعة كالشريعة الخلقية و أن الحرية المسيحية تتكون من التحرر من النظام الادبي. وهكذا كانت تدور في كورنثوس كلمة “كل شيء يحل لي”. من الواضح أن هذا التفسير هو خطأ: الحرية المسيحية ليست انفلاتًا، والتحرر الذي يتحدث عنه القديس بولس ليس التحرر من القيام بأعمال الخير”.
وأوضح الاب الأقدس أن هذه الشريعة بالنسبة لبولس، كما بالنسبة لكل معاصريه، كانت تعني التوراة بكليتها، أي كتب موسى الخمسة. وكانت التوراة تعني، في التفسير الفريسي الذي درسه وتبناه بولس، مجموعة كبيرة من الممارسات الطقسية وفي العبادة التي تحدد جوهريًا هوية الرجل البار.
كانت هذه الأحكام التي تعبر عن الهوية الاجتماعية والثقافية والدينية صارت ذات أهمية فريدة في زمن الثقافة الهيلينية، بدءًا من القرن الثالث قبل المسيح، لأنها صارت بمثابة سور فاصل بين اليهود والأمم تحمي الهوية اليهودية.
مع المسيح سقطت الاسوار، وبات المسيح بالذات المحامي عن الهوية الدينية والثقافة لأتباعه. “المسيح هو الذي يوحد بالله الأوحد وفيه؛ المسيح هو الذي يضمن هويتنا الحقة في اختلاف الثقافات. لم يعد السور ضروريًا لأن هويتنا المشتركة في تنوع الثقافات هي المسيح، وهو الذي يبررنا”.
وبالتالي أن يكون المرء بارًا “يعني ببساطة أن يكون مع المسيح وفي المسيح. وهذا يكفي. لم يعد حفظ الأحكام ضروريًا. يعلم بولس أن في وجهي الحب نحو الله ونحو القريب تبلغ الشريعة ملئها. وهكذا في الشركة مع المسيح، في الإيمان الذي يولد المحبة، تصل الشريعة كلها إلى كمالها. نضحي أبرارًا عبر دخولنا في شركة مع المسيح الذي هو الحب”.