الجمعة 19 ديسمبر 2008 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي الكلمة التي وجهها الأب الأقدس إلى سفير البحرين المعتمد لدى الكرسي الرسولي، السيد ناصر محمد يوسف البلوشي.
سعادة السفير
يسعدني أن أرحب بكم في الفاتيكان إبان تقديم أوراق اعتمادكم التي تفوضكم سفيراً فوق العادة ومطلق الصلاحية لمملكة البحرين لدى الكرسي الرسولي. أشكركم على الكلمات الطيبة التي وجهتموها إلي، وعلى التحيات والدعوة التي نقلتموها إلي من جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة. بدوري أتمنى أن تبلغوه أفضل تمنياتي له ولجميع سكان المملكة بالعيش بسلام ورخاء.
إن الزيارة التي قام بها جلالة الملك إلى كاستل غوندولفو في يوليو الأخير، وتعيين سعادتكم سفير مملكة البحرين، يدلان على العلاقات الجيدة التي ترغب بلادكم في مواصلتها مع الكرسي الرسولي. مما يسعدني كثيراً وأرجو أن تتعمق هذه العلاقات أكثر فأكثر.
أما بالنسبة إلى التطورات التي شهدتها المملكة خلال السنوات الأخيرة فإنها تظهر الاهتمام الدائم بتأسيس مجتمع منفتح على العالم وإقامة علاقات أكثر تآخياً مع الأمم الأخرى، بالحفاظ على القيم التقليدية الشرعية. كما أن مشاركة العديدين في توجيه وإدارة حياة البلاد تساهم حتماً في الحفاظ على الوحدة والتضامن بين مختلف السكان، وفي تعزيز الخير العام.
أود أن أحيي التزام بلادكم في تعزيز سياسة سلام وحوار، وفق ما أشرتم سعادة السفير. لطالما تمتعت مملكة البحرين بتقليد طويل من التسامح والقبول، مستقبلة بخاصة العديد من العمال الأجانب الذين يشاركون في تنمية البلاد. وعلى الرغم من أنهم بعيدون عن بلادهم الأم وعائلاتهم مما يصعب حياتهم، إلا أنهم يشعرون بالراحة في بلادكم بفضل الترحيب والاهتمام اللذين يلقيانهما! أعلم أنه يوجد عدد كبير من الكاثوليك من بين هؤلاء العمال الأجانب. لذا أشكر السلطات في المملكة على الاستقبال الذي يلقونه مع إمكانية ممارسة شعائرهم الدينية. كما يسرني التذكير بأن الكنيسة التي شيدت سنة 1939 على أرض قدمها الأمير آنذاك كانت أول كنيسة تم تشييدها في دول الخليج. لكن الجميع يدرك بأنه من المستحسن اليوم توفير أماكن أخرى للعبادة مع ارتفاع عدد الكاثوليك.
أما احترام حرية المعتقد الذي يرد ضمن الحقوق التي يضمنها الدستور في بلادكم، فهو ذات أهمية جوهرية لأنه يلمس الأمر الأكثر عمقاً وقداسة في الإنسان وهو علاقته مع الله. فالديانة تجيب عن مسألة المعنى الحقيقي للوجود في المجالين الشخصي والاجتماعي. وحرية المعتقد التي تسمح لكل فرد بعيش إيمانه وحده أو مع الآخرين، سراً أو علانية، توجب على الشخص احتمال تغيير ديانته في حال رغب ضميره بذلك. من جهة أخرى وخلال المجمع الفاتيكاني الثاني، أرادت الكنيسة التشديد على واجب الإنسان باتباع ضميره في كل الظروف وعلى أن ما من أحد مجبر على العمل خلافاً له (الإعلان حول حرية المعتقد، كرامة الإنسان، رقم 3).
يبرز أيضاً اهتمام بلادكم بالمساهمة في تأسيس حوار صادق بين الثقافات وبين الأديان. لذا من الضروري أن ينمو فهم أكثر صدقاً بين الأفراد وبين المجمتعات البشرية والدينية من أجل تأسيس دائم لعلاقات أكثر تآخياً. ويبدأ هذا أولاً بالإصغاء المحترم لبعضنا البعض القائم على تقدير متبادل. ونظراً إلى الاختلاف الذي يفرق بيننا كمسيحيين ومسلمين، وإلى مقارباتنا المختلفة حول العديد من المواضيع، لا بد لنا من التعاون اليوم معاً من أجل الدفاع عن القيم الحياتية والعائلية الأساسية وتعزيزها لأنها تسمح للإنسان أن يعيش في الإيمان بالله الواحد، وللمجتمع أن يقوم على السلام والتضامن.
سعادة السفير اسمحوا لي أيضاً أن أوجه تحياتي الحارة من خلالكم إلى أفراد الطائفة الكاثوليكية في بلادكم وإلى قاصدها الرسولي. أسأل الله أن يثبتهم في إيمانهم ويساعدهم على أن يكونوا شهوداً حقيقيين للرجاء الذي يحييهم. فالكاثوليك يسعون في مملكة البحرين، كما في جميع البلدان الأخرى إلى المساهمة في خير المجتمع. وهذا ما يظهر من خلال الالتزام الذي بدأت به منذ سنوات عدة مدرسة القلب الأقدس التي تديرها الراهبات الكرمليات، والذي يرتكز على توفير تربية جيدة للشبيبة، من دون التمييز في الأصل أو الدين. في هذا الصدد، أرجو من الكنيسة المحلية ومؤسساتها أن تساهم دوماً بشكل أكبر في خير المجتمع من خلال حوار واضح وبالتعاون الفعال مع سلطات البلاد.
سعادة السفير، فيما تبدأ رسالتكم لدى الكرسي الرسولي، أتمنى لكم النجاح من كل قلبي وأؤكد لكم استعداد معاوني لتفهمكم ودعمكم من أجل النجاح في خدمتكم.
أتضرع من كل قلبي إلى الله العلي أن يفيض جزيل بركاته عليكم وعلى عائلتكم ومعاونيكم وجميع سكان مملكة البحرين والمسؤولين فيها.
ترجمة وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)