(لوقا ۲ : ۱٣- ١٤)
أيها الأخوة والأبناء الأحباء،
نزور اليوم مدينة غزّة الصامدة، وهي في أصعب وأتعس الظروف. وما أحوجنا هذه الأيام إلى عيد ميلاد جديد وعصر جديد ومعاملة جديدة كي ترجع الأمور إلى نصابها، وليعود إلينا طعم السلام والعدل والحرية، “فنحيا حياة وادعة مطمئنة، بكل تقوى وكرامة”.
(تيموثاوس ٢ : ۲)
هذه القيم الإنسانية والمسيحية التي ولّت عنا من زمان بعيد، وأصبحنا نركض وراءها ونلهث، ونطلبها من كل زائر يزورنا، إذا استطاع أن يزورنا ومن كل مسؤول وصديق يحل بيننا. كلّنا يعي الصعوبات والآلام التي يختبرها شعبنا يومياً، نتيجة الحروب والحواجز والحصار الجائر والتوترات السياسية التي أصابت منطقتنا، وألحقت بنا الكوارث أللإنسانية من غير حصر، وخلقت بنا الكبت والقهر.
قيم السلام والعدل والحرية، أصبحت في بلادنا سلعة نادرة، ومن قلتها أصبحنا غرباء في بلادنا، وسجناء في مدينتنا، نحشد حرية التحرك حتى في شوارعنا، وحرية العمل حتى في ديارنا دون أن نحصل عليها.
يا طفل بيت لحم !!
من قبلنا خوفاً من الظلم وطلباً للحياة، هجرت مدينة بيت لحم متوجهاً إلى أرض الفراعنة، وسرت مع والدتك الطهور مريم العذراء في دروب وعرة ومظلمة ومؤلمة، منذ البشارة مروراً بالهيكل، حتى الجلجلة حتى “الموت ، موت الصليب” (فليبي ٢: ٨). ولكنك عدت، عدت إلى فلسطين، لتعيش في كنف والديك حياة خفية متواضعة، حيث كنت تنمو في “السن والحكمة والنعمة”(لوقا ٢:٥٢). أبناؤنا في الخارج لا يستطيعون الوصول إلينا، ونحن من الداخل نعجز على الوصول والاتصال بهم، فيا ليت أبناؤنا يعودون من الهجرة ليملؤا البيوت والكنائس والشوارع، بعزمهم وهمتهم وضحكاتهم، فننشد كل يوم ، وفي كل بيت فرحة الميلاد السيدي المجيد.
يا رب، يا طفل بيت لحم
كثيرة الأسئلة التي نطرحها، ولا نجد لها جوابا. هل سنجد لمعضلاتنا حلولا؟ لماذا هذا الوضع المأساوي الذي تعيشه هذه “الارض الطّيّبة” ويعيشه شعب هذه المدينة الجبّار.
يا طفل بيت لحم، كم نحن بحاجة إليك، وبحاجة أن نرجع إلى براءة الطفولة، مقتدين بشجاعة وقداسة العذراء، وصبر القديس يوسف وتواضع الرعاة، فعالمنا خشن قاس لا يرحم، يؤمن بحقّ القوّة لا بقوّة الحقّ!
يا طفل بيت لحم! من خلال أولادنا وأبنائنا نريدك أن تولد من جديد، وتترعرع في ربوع فلسطين من جديد، وتسمعنا صوتك. وكما نرتّل في تساعية الميلاد “يا ليتك تشقّ السماوات وتنزل، أقطري أيتها السماوات من فوق، ولتمطر الغيوم الصدّيق، لتنفتح الأرض ولتثمر الخلاص” ( أشعيا63: 19،8:45). نريد، يا طفل المغارة، أن يدوّي صوتك من جديد في سماء بلادنا.
“طوبى للودعاء فإنهم يرثون الأرض”.
“طوبى للرحماء فإنّهم يُرحَمون”.
“طوبى لصانعي السلام، فهم أبناء الله يُدعَون”. (متى ٥: ٤،٧،٩)
نريدك أن تولد من جديد، وتسير في شوارع غزة دون خوف ولا جوع ولا عطش، نريدك أن تسير في مدن فلسطين، وترى بيوتها المهجورة، وأراضيها المصادرة، وحوانيتها المغلقة.
أيها الأخوة: لنا في إيمان مريم البتول الوالدة مثال نقتدي به ونهتدي، فهي أمينة في إيمانها، رغم الأسئلة الكثيرة التي كانت تجول في ذهنها، ولا جواب عليها إلا عند الله. وهي ملتزمة بمشيئة الله وإن كانت عليها شاقّة، إذ أعلنت في الناصرة للملاك: “ها أنا أمة الرب، فليكن لي بحسب قولك”، معطية إيانا خير قدوة في التناسق بين مخطط الله علينا وإرادتنا البشرية. إذ كانت تحفظ كل شيء وتتأمله في قلبها”، كل ما كان يحصل وكل ما كان يسوع يقول ويفعل ويطلب.
آيها الأخوة والأخوات،
أود أن أعبّر لكم عن سعادتي بوجودي بينكم، وشكري الجزيل لإستقبالكم لنا بكل مودة ومحبة وحرارة وحفاوة. كم أود أن أؤكد لكم بأننا نشارككم همومكم وصعوباتكم والظلم الذي يلحق فيكم بسبب الحواجز الظالمة والحصار الغير إنساني. أشكر بنوع خاص كاهن الرعية قدس الأب مناويل لمواقفه الوطنية الشجاعة، وجميع الأخوات الراهبات وكل المواطنين.
أطلب من طفل بيت لحم وأمه العذراء، والقديس يوسف الصدّيق، أن يحموا عائلاتنا وشبابنا وكل مواطنينا مسيحيين وإسلام، فنكون متحدين فيما بيننا كي نستطيع الصمود ولا نفقد الأمل بمستقبل ملؤه العدل والحرية والازدهار. ونتمم رسالتنا، كأداة سلام ومساواة في بلد لم تضق طعم السلام وحرية الحركة منذ سنين. أستمطر عليكم النعم الإلهية، وبركة الله القادر على كل شيء، الأب والإبن والروح القدوس تكون معكم، وتهدي خطواتكم بنعمة الكلمة.
آمين
وكل عام وأنتم بألف خير
† البطريرك فؤاد الطّوال