الفاتيكان، الأربعاء 7 يناير 2009 (ZENIT.org) – ننشر في ما يلي كلمة البابا بندكتس السادس عشر التي ألقاها يوم الأحد ظهراً خلال صلاة التبشير الملائكي مع آلاف الحجاج الذين اجتمعوا في ساحة القديس بطرس في الفاتيكان.
***
إخوتي وأخواتي الأحباء
تقترح علينا الليتورجية العودة إلى التأمل في الإنجيل عينه الذي أعلناه في يوم الميلاد، أي في مقدمة إنجيل القديس يوحنا. بعد الانشغال في الأيام الماضية بشراء الهدايا، تدعونا الكنيسة إلى التأمل مجدداً في سر ميلاد المسيح لكي نفهم بشكل أفضل معناه العميق وأهميته في حياتنا. إنه نص رائع يقدم خلاصة شاملة عن كل الإيمان المسيحي، مبتدئاً بالأسمى: “في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله” (يو 1، 1)؛ هنا تكمن الجِدة العجيبة وغير المعقولة بشرياً: “والكلمة صار بشراً، ونصب خيمته بيننا” (يو 1، 14). هذه ليست صورة منمقة إنما هي تجربة معاشة! يرويها يوحنا، الشاهد العيان على الشكل الآتي: “ونحن رأينا مجده، مجد ابن وحيد عند الآب، وهو ممتلئ بالنعمة والحق” (يو 1، 14). وهذه ليست كلمات معمقة نطق بها حاخام أو حبر في الشريعة، إنما هي شهادة ملتهبة أدلى بها صياد متواضع اختبر المحبة عندما اجتذبه إليه يسوع الناصري حين كان شاباً وخلال السنوات الثلاث من الحياة المشتركة معه ومع الرسل الآخرين، لدرجة أنه عرف بنفسه “كالتلميذ الذي أحبه يسوع”. لقد رآه يموت على الصليب، ويظهر قائماً من بين الأموات، وقد امتلأ من روحه مع التلاميذ الآخرين. بعد هذه التجربة التي تأملها في قلبه، أيقن يوحنا أمراً مؤكداً: يسوع هو حكمة الله المتجسدة، وكلمته الأبدية التي صارت بشراً فانياً.
بالنسبة إلى يهودي حقيقي يفهم الكتاب المقدس، هذا الأمر لا يعتبر مناقضة؛ لا بل إنه يشكل على العكس إتماماً لكل العهد القديم: ففي المسيح يكتمل سر الله الذي يتكلم مع البشر كأصدقاء له، ويتجلى لموسى في الشريعة، وللعلماء والأنبياء. ومن خلال معرفة يسوع ومرافقته والإصغاء إلى تبشيره ورؤية الأعمال الفريدة التي قام بها، أدرك الرسل بأن فيه تم ما قيل في الكتاب المقدس. وبحسب ما أكد لاحقاً مؤلف مسيحي فإن “كل الكتاب الإلهي عبارة عن كتاب واحد هو المسيح إذ يتحدث عن المسيح ويتحقق في المسيح” (هيوغو دي سان فيكتور، من سفينة نوح، 2، 8). يجب على كل رجل وكل امرأة إيجاد معنى عميق للوجود. وفي سبيل ذلك، لا تكفي الكتب فقط ولا حتى الكتاب المقدس. فإن طفل بيت لحم يظهر لنا “الوجه” الحقيقي لله الصالح الأمين الذي يحبنا ولا يتخلى عنا أبداً حتى عند الممات. “ما من أحد رأى الله قط. ولكن الابن الوحيد، الذي في حضن الآب، هو الذي كشف عنه” (يو 1، 18).
إن مريم أم يسوع هي الأولى التي فتحت قلبها وتأملت في “الكلمة المتجسدة”. وبذلك، تحولت فتاة متواضعة من الجليل إلى “كرسي الحكمة”. كل واحد بيننا مدعو إلى أن “يأحذها إلى بيته” (يو 19، 27) كما فعل الرسول يوحنا ، للتعرف إلى يسوع بشكل أعمق وعيش المحبة الصادقة التي لا تنضب. إخوتي وأخواتي الأحباء، هذا هو رجائي لكل واحد منكم في بداية هذه السنة الجديدة.
* * *
نقلته من الإسبانية إلى العربية غرة معيط – وكالة زينيت العالمية (ZENIT.org)
حقوق الطبع محفوظة لدار النشر الفاتيكانية – 2009