بقلم الاخ فادي حليسو اليسوعي
القاهرة، الخميس 27 أغسطس 2009 (zenit.org). – يحيط بالقديس بولس كثير من الجدل فيما يتعلق بموقفه من المرأة. لا بل ينظر إليه البعض على أنه معادٍ للمرأة مستندين في ذلك إلى الآيتين الشهيرتين في رسالته الأولى إلى كورنتوس:
“وكما تصمت النساء في كنائس جميع الإخوة القديسين، فلتصمت نساؤكم في الكنائس فلا يجوز لهن التكلم. ولتخضع نساؤكم كما تقول الشريعة. وإن أردن أن يتعلمن شيئاً، فليسألن أزواجهن في البيت لأنه عيب أن تتكلم النساء في الكنيسة”.
(1 كورنتوس 14: 33-34)
ولكن أما من طريقة أخرى لفهم هاتين الآيتين وهل أن بولس معادٍ حقاً للمرأة؟
المرأة في أيام بولس
لفهم موقف القديس بولس من المرأة لا بد من فهم مكانة المرأة الاجتماعية في ذلك الوقت.
كان مجتمع بولس ما يزال مجتمعاً أبوياً محافظاً. حيث الرجل مسؤول عن اتخاذ كافة القرارات في المنزل. والخوف يتملك الرجال مما يمكن أن يحدث فيما لو أمسكت النساء بزمام الأمور.
كان يحق للنساء اليهوديات في ذلك الوقت الذهاب إلى الهيكل والصلاة، ولكن مع وجود عددٍ من القيود المكبلة لهن. إذ لا يسمح لهن بالتجول في الشوارع إلا في حال توجههن إلى الهيكل، وحتى حينما يتوجب عليهن القيام بأود منازلهن كان ينبغي لهن الخروج فقط في ساعات الظهيرة، حيث تكون الحركة خفيفة. وهو الوقت الذي صادف فيه يسوع المرأة السامرية عند بئر يعقوب.
كما لا يسمح للنساء بالصلاة في الهيكل مع الرجال، إذ أننا نعلم باقتصار الأماكن التي يحق لهن دخولها في هيكل سليمان على الساحة خارجية التي تسبق ساحة الرجال، والتي يمكن للنساء والأولاد دون سن الـ 13 فقط دخولها. أي الساحة التالية لساحة الوثنيين.
طبعاً لم يتمتعن في ظل هذا النظام الديني الصارم بأي دور أكهنوتياً كان أم علمانياً.
من هنا ينبغي لنا أن نفهم بأن كتابات بولس منبثقة، بشكل أو بآخر، من هذه الخلفية الاجتماعية والثقافية. إلا أنه وفي الوقت نفسه لا يمكن اعتبار كل كتابات بولس عن المرأة سلبية، بل أننا سنرى أن النساء لعبن في حياة بولس أدواراً محورية، وأن العديد من رسائله تحتوي وجهة نظر إيجابية عن المرأة بشكل متناقض إلى حد ما مع الآيتين السابقتين من رسالة كورنتوس.
هل يناقض بولس نفسه فيما يتعلق بالنساء؟
إن إلقاء نظرة شاملة على الرسائل المنسوبة إلى بولس، يظهر لنا تناقضاً بين وجهتي نظر لديه تجاه النساء:
1- في رسالتيه إلى غلاطية وروما نلمح وجهة نظر إيجابية، كمثل أنه لا فرق بين الرجال والنساء في المسيح (غلاطية 3: 28)، وكذكره في رسالته إلى روما كما رأينا، بكثير من المديح، لعدد من النساء اللواتي عملن معه.
2- في حين تحتوي الرسالة الأولى إلى تيموتاوس ورسالة أفسس والأولى إلى كورنتوس ورسالة كولوسي مواقف سلبية تجاه النساء… فيطالبهن بالخضوع لرجالهن (أفسس 5 ، كولوسي 3) ويطالبهن بالصمت وعدم التعليم (1 تيموتاوس: 2).
قسم كبير من هذا التناقض يعزى إلى وجود شك في كون بعض هذه الرسائل يعود إلى بولس، إذ يقسم الدارسون هذه الرسائل إلى سبع رسائل مثبتة لبولس، وسبع أخر مشكوك بنسبتها إليه من بينها تيموتاوس وأفسس وكولوسي والتي يعتقد أن كتابها هم من مدرسة بولس الفكرية. لذلك يتبقى لدينا أمامنا إشكال الرسالة الأولى إلى كورنتوس والتي من المثبت أن بولس هو كاتبها. فكيف يمكن فهم موقفه في هذه الرسالة؟ هل قصد فعلاً إسكات النساء؟
تعتقد Elaine Pagles بأن بولس رأى في أحداث أو ممارسات معينة في كنيسة كورنتوس، تسببت بها بعض النساء، أحداثاً غير منظمة أو حتى شائنة. وأنه من خلال فرض النظام البدائي، كان يأمل بالحد من نشاطات أولئك النساء وبالتالي إعادة النظام. ومن المحتمل أنه رأى في تلك النشاطات في كنيسة كورنتوس أنشطة غير ملائمة للنساء في ذلك الوقت ولم يقصد أن يتخذ موقفاً عاماً من النساء.
وهناك رأي آخر يقول بأن هذه الآيات لم يكتبها بولس، إذ أنها تتناقض مع قبوله وإطرائه على قيادة المرأة في الكنيسة الأولى. كما أنها تتناقض بشكل مباشر مع آيات سابقة في ذات الرسالة، حيث كان يفترض بأن النساء “يصلين ويتنبأن” مثلهن مثل الرجال (1 كورنتوس: 11: 5).
يعتقد أصحاب هذا الرأي بأن هذه الآيات ما هي إلا عبارة عن تعليمات من وقت متأخر، نسخت إلى رسائل بولس. ولا بد أن ممن قام بنسخها اختلطت عليه الملاحظات الجانبية التي كتبها أحدهم مع النص الأصلي لبولس. فأصبحت هذه الملاحظات جزءاً من النص الجديد المنسوخ.
لا تبدو محاولة إسكات النساء، أمراً منطقياً يمكن لبولس القيام به. إذ ما كانت بريسكا وفيبي وجونيا ليتمكن من العمل كقادة للكنائس ورسل لو لم يكن مسموحاً لهن التكلم علانية.
تعكس التعاليم الواردة في رسالة كورنتوس الأولى تلك الموجودة في رسالة تيموتاوس الأولى، الرسالة المنسوبة إلى بولس والتي لم تكتب في الواقع إلا في بدايات القرن الثاني. في ذلك الوقت كان هناك، على الأقل في بعض الجماعات، قلق حول النظام ومناصب معينة في الكنيسة. إذ نجد في الرسائل الرعائية مثل تيموتاوس الأولى والثانيةن تعليمات تتعلق بالشمامسة والأساقفة والشيوخ. الفكرة من ذلك كله، هي اترتيب البيت الداخلي.
* * *
فادي حليسو – مبتدئ في الرهبانية اليسوعية من حلب – سوريا.