كلمة البابا إلى أكاديمية العلوم الاجتماعية

“يجب النظر إلى الحياة الاقتصادية كممارسة مسؤولية بشرية”

Share this Entry

الفاتيكان، الاثنين 03 مايو 2010 (Zenit.org) – ننشر في ما يلي الكلمة التي وجهها بندكتس السادس عشر نهار الجمعة الفائت إلى المشاركين في الجمعية العامة السادسة عشرة للأكاديمية الحبرية للعلوم الاجتماعية. تركز الجمعية على “الأزمة في اقتصاد عالمي. إعادة تنظيم المسار”، وتستمر لغاية الرابع من مايو بعد أن بدأت أعمالها نهار السبت.

***

أعضاء الأكاديمية الأعزاء،

يسرني أن أحييكم في بداية جمعيتكم العامة السادسة عشرة المخصصة لتحليل الأزمة الاقتصادية العالمية على ضوء المبادئ الأخلاقية المحفوظة في العقيدة الاجتماعية للكنيسة. أشكر رئيستكم الأستاذة ماري آن غلاندن على كلماتها الترحيبية الطيبة، وأقدم لكم أصدق التمنيات بنجاح تشاوراتكم.

إن الأزمة المالية العالمية أظهرت كما نعلم هشاشة النظام الاقتصادي الحالي والمؤسسات المرتبطة به. كذلك كشفت عن خطأ الافتراض بأن السوق قادرة على تنظيم ذاتها، بصرف النظر عن التدخل العام ودعم المعايير الأخلاقية. يقوم هذا الافتراض على فكرة ضعيفة عن الحياة الاقتصادية المعتبرة كنوع من آلية معايرة ذاتية تحركها المصلحة الذاتية والسعي وراء المكاسب. وهكذا، فإنه يتغاضى عن الطبيعة الأخلاقية الجوهرية لعلم الاقتصاد كنشاط بشري للبشر. بدلاً من اعتبارها كدوامة من الإنتاج والاستهلاك بالنظر إلى الاحتياجات البشرية المحددة بدقة، لا بد من النظر إلى الحياة الاقتصادية كممارسة مسؤولية بشرية، متجهة بشكل أساسي نحو تعزيز كرامة الإنسان والسعي وراء المصلحة العامة والتنمية الشاملة – السياسية والثقافية والروحية – للأفراد والعائلات والمجتمعات. بدوره، يدعو تقدير هذا البعد البشري الأكثر كمالاً إلى نوع من البحث والتفكير المتعدد الاختصاصات الذي باشرت به جمعية الأكاديمية الحالية.

في رسالتي العامة “المحبة في الحقيقة” Caritas in Veritate، أشرت إلى أن “الأزمة الراهنة تجبرنا على إعادة تنظيم مسارنا، ووضع قوانين جديدة لأنفسنا، واكتشاف أشكال جديدة من الالتزام” (رقم 21). كما أن إعادة تنظيم المسار تعني بالتأكيد التفكير في معايير شاملة وموضوعية للحكم على البنى والمؤسسات والقرارات الملموسة التي ترشد الحياة الاقتصادية وتوجهها. والكنيسة تؤكد بناءً على إيمانها بالله الخالق، على وجود شريعة طبيعية جامعة هي المصدر الأسمى لهذه المعايير (المرجع عينه، 59). كما أنها مؤمنة بأن مبادئ هذا النظام الأخلاقي المنقوش في الخليقة نفسها، سهلة الإدراك من قبل العقل البشري، فلا بد من اعتمادها قاعدة للخيارات العملية. وكجزء من إرث الحكمة البشرية العظيم، فإن الشريعة الأخلاقية الطبيعية التي اعتمدتها الكنيسة ونقتها وطورتها على ضوء الوحي المسيحي، تخدم كمنارة ترشد جهود الأفراد والجماعات لمواصلة أعمال الخير وتلافي الشر، وتوجه التزامهم نحو بناء مجتمع عادل وإنساني.

ومن بين المبادئ الأساسية التي تصوغ مقاربة أخلاقية شاملة للحياة الاقتصادية، يرد تعزيز الخير العام القائم على احترام كرامة الإنسان، والمعترف به كالغاية الأولى للأنظمة الإنتاجية والتجارية، والمؤسسات السياسية والرفاهة الاجتماعية. في أيامنا الحالية، اتخذ الاهتمام بالمصلحة العامة بعداً أكثر عالمية. كما بات واضحاً أن المصلحة العامة تشتمل المسؤولية تجاه الأجيال المستقبلية؛ لذلك، ومن الآن فصاعداً، لا بد من اعتبار التضامن بين الأجيال معياراً أخلاقياً أساسياً لإبداء الرأي في أي نظام اجتماعي. هذه الوقائع تشير إلى إلحاحية تعزيز الإجراءات التي تحكم الاقتصاد العالمي، مع الاحترام الواجب لمبدأ التبعية. مع ذلك، يجب أن تتجه كل القرارات والسياسات الاقتصادية نحو “المحبة في الحقيقة” نظراً إلى أن الحقيقة تصون قدرة المحبة المحررة وسط التقلبات والأحداث البشرية. “بدون الحقيقة، بدون الثقة ومحبة ما هو حقيقي، يغيب الضمير الاجتماعي والمسؤولية، فيخدم العمل الاجتماعي مصالح خاصة ومنطق القوة، مما يؤدي إلى التفكك الاجتماعي” (المحبة في الحقيقة، 5).

بهذه الأفكار، أعبر مجدداً أيها الأحباء عن ثقتي بأن هذه الجمعية العامة ستسهم في تمييز التحديات الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة القائمة في عالمنا، وتساعد في الإشارة إلى الطريق التي تؤدي إلى مواجهة هذه التحديات بروح من الحكمة والعدالة والإنسانية الحقيقية. وإني إذ أوكد لكم مجدداً على صلواتي من أجل عملكم المهم، أبتهل إليكم وإلى أحبائكم بركات الفرح والسلام الإلهية. 

نقلته إلى العربية غرة معيط (Zenit.org)

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية 2010 

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير