"بالحنان نولد القديسين، بالخوف ننتج الفريسيين"

التقدم التصاعدي: انفتاح الشخص البشري على الحب (4)

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

بقلم روبير شعيب

روما، الثلاثاء 13 يوليو 2010 (Zenit.org). – إن القسم الأول والثاني من العدد التاسع عشر الذي استشهدنا به من دستور “فرح ورجاء” يشددان على أمرين مترابطين في نشأة الإلحاد: “إظهار العقيدةِ وعرضها عرضاً غاشاً” يرتبط بشكل حميم بـ “حجب وجه الله الصحيح”. فغالبًا ما تكون الصورة التي نكونها عن الله مغلوطة، وعليه نبشر الناس بهذه الصورة المغلوطة. فمسيحية تعيش البعد الأخلاقي بمنطق “ترهيب” مبني على الشعور بالذنب وعلى الخوف تشكل أحد أسباب الإلحاد المعاصر (Cf. P. Evdokimov, L’amour fou de Dieu, Paris 1973, 20.  ). فالخوف لم يولد أبدًا المحبة والإيمان القويم، وقد صدق القديس فرنسوا دو سال عندما قال: “بالحنان نولد القديسين، بالخوف ننتج الفريسيين”.

ما قلناه سابقًا يظهر بوضوح من خلال نظرة عن كثب إلى الإلحاد المعاصر الذي يفتقر إلى بنية ميتافيزيقية في رفضه لله. هذا الرفض غالبًا ما يكون نتيجة جرح في صورة الله التي غالبًا ما تصدر عن الطريقة التي يقدم فيها المسيحيون إلههم. مرات كثيرة عبر العصور أراد المسيحيون أن يبنوا ملكوت الله على حطام البشرية، متناسين التاريخ وسر الفقير، والأرملة واليتيم. كم من المرات يختبئ المسيحيون وراء ستار ما هو مقدس لكي يهربوا من واقع الحياة؟

غالبًا ما تناست المسيحية القويمةُ الإيمان العيشَ القويم فأضحت هرطوقية في ممارستها، وبدل أن تكون المسيحية وسيلة خلاص في العالم حاولت أن تكون وسيلة خلاص من العالم. في هذا الإطار – يلاحظ اللاهوتي اليسوعي مايكل باكلي: “قام إلحاد القرن العشرين بكل ما بوسعه لكي ينقذ ما هو بشري؛ وكان من الضروري لهذه المهمة مجابهة عبادة إله الوحي اليهودي-المسيحي. ومن هذا المنطلق تحول الإلحاد (atheism) إلى محاربة لله (anti-theism)” (M.J. Buckley, Denying and disclosing God.  The ambiguous progress of modern atheism, New Haven 2004, 71).

يجب أن نعترف كمؤمنين بنزعة شبه دينية في بعض ملحدي القرن التاسع عشر، وهذا ما يشرح حماستهم وغيرتهم. فما توصل إليه هؤلاء المفكرون هو أن الله هو “عدو الطبيعة البشرية”. ومن كان من رواد الروحانية الاغناطية يعرف أن هذا الوصف كان يطبقه القديس اغناطيوس على الشيطان. ففي الرياضات الروحية لا يستخدم اغناطيوس أبدًا تعبير شيطان أو لوسيفروس أو إبليس، بل يستعمل تعبير “عدو الطبيعة البشرية”. هذا الاسم هو صفة الشيطان الأساسية. “فما هو معادٍ للإنسانية هو – بحسب اللاهوتي باكلي –  شيطاني” (المرجع نفسه، 98). وعليه، بحسب تحليل الكثير من اللاهوتيين المعاصرين، وفي ما بينهم الكاردينال دو لوباك، وفي الشرق الأوسط، كوستي بندلي، يلعب الإلحاد دورًا نبويًا ومطهرًا لإيماننا بالله، رافضًا إلهًا هو إنكار للبشرية. فإلحاد سارتر – (Sartre) الذي يكتب في مذكرات المراهقة: “كنت أنتظر الخالق الآب، وإذا بهم يقدمون لي السيد الكبير” (J’attendais le Créateur (Père), ils m’ont servi un Grand Patron)، – يهز ضمائرنا ويدفعنا إلى إعادة اكتشاف وجه إلهنا المحب، ويملأنا غيرة لكي نجعله معروفًا؛ يحثنا على التبشير لا بإله نخلقه على صورة عقدنا النفسية وعقد ذنبنا، بل بإله يسوع المسيح الذي “هكذا أحب العالم حتى أنه بذل ابنه الوحيد” (يو 3، 16)، ويسوع المسيح الذي جاء لكي تكون لهم الحياة وتكون لهم بوفرة” (يو 10، 10).

الله هو محب للحياة، وملكوته يبدأ على هذه الأرض، الله هو حليف الإنسان وهو تواق يرتاد آبار عطشنا ليروينا بفرحه (راجع إنجيل السامرية، يو 4).

نقص الحضور للعالم هو نقص في عيشنا لإيمان الكتاب المقدس ولإيمان التجسد. وجوهنا التي لا تعكس الفداء تجعل الفادي غير قابل للتصديق.

الإلحاد الثائر والغاضب يحثنا على تصحيح نواقص الماضي وعلى الإقرار بالله وبالإنسان في آن، وعلى تبيان دنح الإنسان في وجه الله والعكس بالعكس (P. Evdokimov, Ages of the spiritual life, Crestwood, NY 1998, 46.). فهذا هو مشروع الله كما فهمه أحد كبار آباء الكنيسة، القديس إيريناوس: “مجد الله الإنسان الحي” (Gloria Dei vivens homo) (Ireneo, Adversus Haereses IV, 20, 1; PG 7, 1032).

معروف أن سيمون فيي (Simone Weil) كانت ترى الإلحاد كوسيلة لتطهير الإيمان، و “كملح يحول دون فساد الإيمان بالله” وأيضًا: “الإلحاد يطهر فكرة الله من كل إطار اجتماعي ولاهوتي فاسد ويعبر عن ضرورة قداسة عبقرية [sainteté qui ait du génie]” (S. Weil, “Cours sur Dieu”, in Célèbres leçons et fragments, Paris 19642, 284). وحده الإيمان النبوي والحي والعبقري يستطيع أن يواجه الإلحاد. وفقط بعد تصحيح صورة الله في الإيمان المعاش يمكننا أن نجرؤ أن نكون نبويين وأن نعرض على الإلحاد أن ينال الخلاص.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير