“الحرية الدينية، الدرب إلى السلام”
حاضرة الفاتيكان، الأربعاء 14 يوليو 2010 (Zenit.org) – ننشر في ما يلي البيان الذي صدر عن دار الصحافة الفاتيكانية حول شعار يوم السلام العالمي الرابع والأربعين المصادف في الأول من يناير.
***
“الحرية الدينية، الدرب إلى السلام”. هذا هو الشعار الذي اختاره بندكتس السادس عشر للاحتفال بيوم السلام العالمي لسنة 2011. إن اليوم العالمي للسلام – الذي يحتفل به منذ سنة 1968 في أول يوم من كل سنة – سيكون مكرساً لشعار الحرية الدينية. وكما هو معروف، تشهد أرجاء عدة في العالم أشكالاً مختلفة من تقييد أو إنكار الحرية الدينية، أشكالاً تتراوح بين التمييز والتهميش بناءً على الدين، وأعمال العنف ضد الأقليات الدينية.
إن الحرية الدينية متجذرة في كرامة الإنسان المتساوية والمتأصلة. إنها موجهة نحو السعي وراء “الحقيقة الثابتة”، وبالتالي يمكن التعريف عنها بحق كـ “حرية الحريات”. بهذا المعنى، تتحقق الحرية الدينية عندما تعاش كبحث مترابط عن الحقيقة وعن حقيقة الإنسان.
إن فكرة الحرية الدينية هذه تقدم لنا معياراً أساسياً لتمييز ظاهرة الدين وتعابيره. فهي ترفض بالطبع “تديّن” الأصولية، والتلاعب بالحرية وبحرية الإنسان واستغلالهما. وبما أن تشويهاً مماثلاً يتعارض مع كرامة الإنسان والبحث عن الحقيقة، فلا يمكن اعتباره حرية دينية. على العكس، تقدم فكرة حقيقية عن الحرية الدينية رؤية عميقة لهذا الحق الإنساني الأساسي، رؤية توسع آفاق “إنسانية” و”حرية” الإنسان، سامحة بتأسيس علاقة متينة مع الذات، مع الآخر ومع العالم. الحرية الدينية هي حرية الكرامة الإنسانية والحياة.
وكما شدد آباء المجمع الفاتيكاني الثاني، فإن “الله قد خلق الإنسان ليشارك في هذه الشريعة، لكيما يستطيع تحت سلطة العناية الإلهية أن يدرك أكثر فأكثر الحقيقة الثابتة. لذلك، ينبغي على كل إنسان ويحق له أن يسعى إلى الحقيقة في مسائل دينية لكيما يكوّن لذاته بحذر أحكاماً صائبة وواقعية باستخدام كافة الوسائل الملائمة” (إعلان “كرامة الإنسان”، 3). إن الدعوة إلى الإيمان بالله، المعترف بها كحق إنساني أساسي هي تنمية بشرية شاملة وأساسية (المحبة في الحقيقة، 29) وشرط لتحقيق المصلحة العامة وتعزيز السلام في العالم.
وكما أعلن البابا بندكتس السادس عشر خلال زيارته إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإن “حقوق الإنسان يجب أن تتضمن بالطبع الحق في الحرية الدينية التي تعتبر تعبيراً عن بعد فردي وجماعي على حد سواء – رؤية توضح وحدة الإنسان وتميز بين بعد المواطن وبعد المؤمن” (الكلمة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، 18 أبريل 2008).
يمثل الشعار الذي اختير ليوم السلام العالمي لسنة 2011 تحقيقاً لدرب السلام التي دعا بندكتس السادس عشر الأسرة البشرية إلى التفكير فيها خلال مناسبات عدة. منذ سنة 2006، تركزت رسالته ليوم السلام العالمي على أبعاد مهمة للسلام (في الحقيقة، السلام، 2006)، وكرامة الإنسان (الإنسان، قلب السلام، 2007)، ووحدة الأسرة البشرية (الأسرة البشرية، جماعة سلام، 2008)، ومكافحة الفقر (مكافحة الفقر لبناء السلام، 2009)، والاهتمام بالخلق (إن أردت تنمية السلام، فاحم الخلق، 2010). هذا المسار ينشأ عن دعوة الإنسان إلى الحقيقة (الله القدير)، ويؤدي بهدي كرامة الإنسان إلى حرية البحث عن الحقيقة.
حالياً، ما تزال أشكال تقييد الحرية الدينية منتشرة في أنحاء عدة في العالم، حيث تشكل جماعات المؤمنين الأقلية، وحيث لا تشكل جماعات المؤمنين الأقلية، وحيث توجد أشكال معقدة من التمييز والتهميش، على الصعيد الثقافي وفي مجالات المشاركة المدنية والسياسية العامة. ولفت بندكتس السادس عشر قائلاً: “ما لا يصدق هو أنه ينبغي على المؤمنين أن يكبتوا قسماً من ذواتهم – إيمانهم – ليكونوا مواطنين فعالين. يجب ألا يكون ضرورياً إنكار الله لكيما يتمتع المرء بحقوقه. إن الحقوق والديانة هي بأمس الحاجة إلى الحماية في حال تم الاعتبار بأنها تتعارض مع إيديولوجية علمانية سائدة أو مع مواقف دينية أكثرية ذات طبيعة حصرية” (الكلمة إلى الأمم المتحدة).
لا يمكن تقسيم الإنسان وفصله عما يؤمن به لأن ما يؤمن به يؤثر على حياته وشخصه. “إن رفض الاعتراف بإسهام المجتمع المتجذر في البعد الديني وفي البحث عن المطلق – بطبيعته، بالتعبير عن الشركة بين شخصين – قد يدعم بفعالية مقاربة فردانية وقد يؤدي إلى تجزئة وحدة الإنسان” (الكلمة إلى الأمم المتحدة). لذلك، فإن “الحرية الدينية هي الدرب إلى السلام”.
نقلته إلى العربية غرة معيط (Zenit.org)
حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية 2010