جل الديب، الأربعاء 1 ديسمبر 2010 (ZENIT.org). – عقدت ظهر الثلاثاء 30 تشرين الثاني، ندوة صحفية في المركز الكاثوليكي للإعلام بدعوة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام بعنوان : " أوضاع المسيحيين والأقليات في بلدان الشرق الأوسط"  بحيث تأتي في مرحلة ما بعد سينودس الأساقفة الخاص من أجل الشرق الأوسط، برئاسة رئيس اللجنة، المطران بشارة الراعي، ومشاركة: رئيس المنظمة العالمية لحوار الحضارات والأديان في العالم، والرئيس المؤسس لجامعة الحضارة الإسلامية المفتوحة، الشيخ الدكتور مخلص الجده، والدكتور نسيم ضاهر  والدكتور انطوان قربان، ومدير المركز الكاثوليكي للإعلام، الخوري عبده أبو كسم، وحضرها أمين سرّ اللجنة، الأب يوسف مونس، ومن الجامعة اللبنانية الفرع الرابع: د. عاطف الحكيم ود. فيفيان شويري، ومدير مكتب الدراسات في الرابطة المارونية، العميد بردليان طربيه وعدد كبير من المهتمين والإعلاميين، قدّم الندوة وأدارها المحامي وليد غياض. 

جاء في كلمة المحامي وليد غياض:

      كالخميرة في العجين، كالملح في الطعام، كحبّة الحنطة، هكذا اراد السيد المسيح ان يكون المسيحيون في العالم وبين اخوتهم افراد العائلة البشرية. في منطقة الشرق الاوسط، لا يزال المسيحيون يعيشون هذه الشهادة وهذه الرسالة حتى الاستشهاد، حتى اننا نخال في بعض الاحيان ان هناك اضطهاداً منظّماً لتهجيرهم ولافراغ هذا الشرق منهم. صحيح ان الحركات الاصوليّة والارهاب اللذين يتستّران خلف الاسلام، لا يميّزان احياناً بين مسيحيين وغيرهم من الاقليّات وبين المسلمين، ولكن سكوت الحكومات والمرجعيات الاسلامية عما يجري، وعدم اتخاذ موقف صارخ واضح موحّد منه، يدعو الى القلق ويطرح الكثير من التساؤلات الجديدة : كيف ينظر الاسلام الى المسيحية في هذا الشرق؟ الى متى سيبقى المسيحيون بحاجة الى حماية؟ وماذا عن الحريات الدينية، وبناء دور العبادة في الدول الاسلامية، والمعاملة بالمثل؟ ولماذا يعتبر المسيحي مواطن من درجة ثانية وبالتالي يحرم الكثير من حقوقه كمواطن اصيل؟   

      هذه الاسئلة التي شكّلت ايضاً مواضيع السينودس الخاص بالشرق الاوسط، نطرحها في ندوة هذا الاسبوع من المركز الكاثوليكي للاعلام، تحت عنوان: "اوضاع المسيحيين والاقليات في بلدان الشرق الاوسط"، نتناولها من نواح ثلاث، ويتحدث فيها مشكوراً كل من فضيلة الشيخ الدكتور مخلص الجده من الناحية الدينية، الدكتور نسيم ضاهر من الناحية الاقتصادية والدكتور انطوان قربان من الناحية السياسية. 

ثم رحب المطران بشارة الراعي بالمنتدين والحضور باسم اللحنة الأسقفية لوسائل الإعلام وباسم المركز الكاثوليكيي للإعلام وقال: موضوع ندوتنا عن أوضاع الأقليات شائك ومهم في عالم العولمة، فحركة العولمة جعلت الدول تتلاقى مع بعضها البعض وعندما نتكلم عن الأقلية المسيحية نحن نتكلم عن سرّ المسيح، عن كنيسة يسوع المسيح وأغصانها الموجودة في العالم كله.

وأضاف: نحن في لبنان ليس لدينا أقليات محرومة فالدستور اللبناني ينظّم حقوق كل المواطنين على أرض لبنان إذا لا أحد في لبنان نكِرة، فلبنان غني بتركيبته التعددية ورسالة كبيرة للشرق والغرب وأمل بأن لا يطمسونه. 
 

ثم كانت مداخلة الدكتور انطوان قربان عن الناحية السياسية فجاء فيها:

إشكالية الحداثة والرؤية المسيحيّة للعالم في الشرق العربي والإسلامي:

الحداثة تساوي علمنة المسيحيّة والفرد في الحداثة هو الشخص في المسيحي، وكرامة الإنسان ليست إلا مجد الله على الأرض، والجماعات في المشرق تعيش حياتها السياسية على نمط صراع على السلطة.

 وأضاف: بأن المسيحي المشرقي لم يتحرّر بشعور ذاته من داخل انظومة الشرع الإسلامي: أقلية محمية، أهل ذمة. لذلك يتصرف المسيحيون كأنهم خائفون على تلك الهوية الجماعية، وهم دوما يبحثون: عن حماية سلطان غير موجود، عن حماية شقيق (يوظفهم أو يستعملهم)، عن حماية نظام قوي أو قمعي الذي سيخدمونه..

الحياة العامة تختصر بالصراع على السلطة وليس بالبحث عن الخير العام أو الخير المشترك، لذلك لم ينتبه اللبنانيون المسيحيون إلى معاني إتفاق الطائف والإرشاد الرسولي: الطائف أخرجهم من بيت رحم  دار الإسلام واعترف بهويتهم خارج دار الأسلام واعتبرهم شركاء بإنصاف. والإرشاد الرسولي شجعهم على الإنصهار في مجتمعاتهم وثقافاتهم بشكل فعّال ومؤثر بالعكس عن التقوقع على هوية جماعية خصوصية. و ظل المسيحيون في حالة إحباط وخائفون إن كان هذا الخوف واقعي أم لا. وبقي لديهم الهواجس التالية:

1 –هاجس الهوية الفئوية الذي يتناقض مع الإنتماء العضوي إلى جسد المسيح أي الكنيسة الواحدة الجامعة المقدّسة الرسولية.

هاجس الهوية هو حالة مرضية في حياة الجماعة.

2 – التركيز على السلطة والصراع على السلطة، غير مكترسين إلى دورهم كنخبة منفتحة على العالم لخدمة مجتمعاتهم وثقافاتهم.

3 – يستوردون خطاب حقوق الإنسان، بإطارة الغربي العلماني إو الملحد الذي لا يستطيع أن يقبله المسلمون الذين لا يميزون بين الدين والدولة. فيظهر المسيحيون وكأنهم سفراء لثقافة تخلّت عن سلم القيم الروحانية التي تتجذر به والذي يغذيها.

"مجد الله على الأرض إسمه كرامة الإنسان" على المسيحيين، لا أن يدافعوا عن ثقافة ملحدة، ولكن عن ثقافة تعلن مجد الله على الأرض أي كرامة الإنسان.

. واعتبراً أن دور المسيحيين مهم جداً وعليهم الخروج من هذا الخوف الوجداني للدفاع عن حقوق أي أنسان:

1- الخروج إلى فضاء المدينة بشكل غير فئوي. (مواطنية صادقة، عدم التمييز المذهبي).

2 – الدفاع عن كرامة كل إنسان أياً كان انتماؤه الديني.

3- التربية على ثقافة الخير المشترك.

4 – التمييز بين واقع المسيحيين في كل بلد عربي وخصوصياته.

5 – التركيز على الحياة العامة في لبنان لأن لبنان هو العامود الفقري للوجود المسيحي الفعّال.

6 – الدفاع عن روحية إتفاق الطائف.

- المناصفة

- الكيان الجماعي بذاته وليس كفئة داخل دار الإسلام.

ناهياً بضرورة الخروج إلى الفضاء العام بشكل موّحد ومتضامن بين الجماعات المسيحية المختلفة. 

ثم كلمة الدكتور نسيم ضاهر عن الناحية الاقتصادية فقال:

      ليس هناك من بيانات اقتصاديّة رقميّة خاصة تُعنى بالمسيحيين المشرقيين، لأن الصادر عن الجهات المختصة من إدارات رسمية وهيئات محلية ومؤسسات تصنيف ورقابة يشمل المجتمعي الشامل، ويرتب المعطيات وفق معايير على نسق عشوائي، تغفل الانتماء المذهبي والاثني القومي.

    وأضاف: إنّ حال المسيحيين المشرقيين الراهنة، من حيث موقعهم في بُنية الاقتصاد وعوائدهم، وبصورة أشمل مكانتهم في السلّم الاجتماعي، لا يصح فيها الاطلاق الحكمي، إذ ان اختلاف المداخيل والمستوى بين أهل ريف وعاملين في المدينة، ينتسب الى اللوحة العامة، ويُحتم علينا عدم الركون الى خلاصات متسرِّعة تنكر الفوارق الطبقية، وتحيلنا الى قوم متجانس متشارك في السرَّاء والضرّاء الاجتماعيين.

    ونحن، في هذا النطاق، نشكو من تفاوت ظاهر للعيان، لا يفيد فيه إغفال الأنانية والتلكؤ في ترجمة التعاضد والرحمة على نحو يدعونا إليه المعتقد، وتشدّنا إليه تعاليم الكنيسة.

    وفي مطلق الحال، لا مفرّ من الإضاءة على الثغرات والسقطات التي نجمت عن إهمال ونكوث بعهد الإنجيل المقدّس، حيثما تسنَّى للسلف والخلف الزّود عن الضعفاء وبلسمة جراح العوز والفقر وافتقاد الرعاية والحماية.

    تقلّص الوجود المسيحي مشرقياً في صيغتيه، المطلقة والنسبية، ولا يلوح في الأفق ما يوقف الانحدار. فكأنّما الانفتاح على العلم والحداثة الوافدة باكراً لم يشفع  بالمقام في ظل عثمانية أقرت بنظام الملل ومن ثم بالتنظيمات، فانتهت الحقبة الدستورية الى إيقاف مؤقت للنزيف، واستقامة عابرة للأوضاع في ظل دول ناشئة، حتى أطاحت النزعة الانقلابية بالمكتسبات والحقوق  الفردية، تلتها ردة متزمتة متعصبة تنذر بالقضاء على جسد ضعيف، تارة بالتخويف وطوراً بالإلغاء. على هذا المعنى، حين تفتقد مقوِّمات أساسية بديهية، يغدو توقع العلاج مدعاة سؤال، فيما تنهار قواعد البناء، ويهجر التفاؤل نفوس الباقين على الأرض والناجين من الأهوال، ما يجعل القياس الاجتماعي والاقتصادي مجرد لحظة قابلة للزوال.

    في صورة عامة، تقلص ألق الوحدات المسيحية في كافة ثغور شرق المتوسط، الى الحد الأدنى، الرمزي غالباً، الاّ في  بيروت. كذلك تراجعت مواقعها في مدن الداخل كافة، هزيلة في بغداد، متثائبة في حلب الشهباء، عاصمة سوريا الاقتصادية بالأمس، ومتكيفة مع طبيعة النشاط الهجين في دمشق. وبفعل التدابير "الاصلاحية" في الميدان الزراعي، خسر المسيحيون ممتلكات عقارية في كل من مصر وسوريا، على غرار سائر الملاَّكين. وحيث حظي المسيحيون عامة بنعمة الارساليات ومدارس التعليم على نطاق واسع في الشرق بدءاً من القرن التاسع عشر، قُيِّضَ لهم تبوء سلم المعارف والمهن الحرة والإدارة؛ مع باعث التمثيل السياسي المقبول، لكن المهارات لم تعد مصدر ثروة ومراكمة مال، فضلاً عن تردِّي مكانة النخب العلمية ولجم المبادرة الفردية في غير قطر ومجال، فيما برزت ظاهرة البورجوازية النفعية واحتلت الزبائنية السياسية والريوع الملازمة لها، شطر ميادين الأعمال، ناهيك عن الهجرة الكثيفة التي محت معالم النشاط المسيحي الأول في فلسطين.

    وقد تكفّلت دراسات عدة ببيان المتغيرات البُنيوية، دون التقليل من حجم إسهام المسيحيين حاضراً، الفاعل والوازن في مختلف الحقول، وأخصّها القطاعات الحديثة المرتبطة باقتصاد المعرفة والخدمات. بَيْدَ أن معيار الاقتصاد أبعد ما يكون عن تعداد الثروات أو الركون الى الدخل المتوسط، نظراً الى التباين العميق بين مختلف الفئات. ولا يسعنا نسيان الأوقاف ودورها في الحفاظ على عقارات واسعة وصروح، علَّ مخزنها ومراكمتها التاريخية تتحوّل رافعة تطلق عملية التجذُّر المنظم الواعي في الأرض، ومدماكاً يحول دون مزيد استنزاف.

    وانتهى إلى القول: "لن يُصلح واقع عيش المسيحيين في المشرق ما لم تستقم الأوضاع سياسياً بحيث ترسو على معادلة متصالحة مع ذاتها الاجتماعية والكيانية، تحفظ حقوق الأقليات بأعلى قدر من التسامح في عهدة القانون ومفاهيم حقوق الإنسان بتعريفها الأوسع والأكثر معاصرة.  

ثم كانت كلمة لفضيلة الشيخ مخلص الجده عن الناحية الدينية جاء فيها:

بعد إلقاء التحية على سيادة المطران العلامة بشارة الراعي والأباء الأجلاء والحضور قال:

ما تمر به مجتمعاتنا في المشرق وخصوصاً ما يجري على اخواننا وشركائنا المسيحيين الكرام وهم أهل التوحيد وأهل رسالة السلام خصوصاً ما يجري في العراق من تهجير وتقتيل على يد متطرفين يتكلمون باسم الدين وهم منهم براء وباسم الأنبياء وهم ق تلة .. واضاف شرفنا الله تعالى في هذا الشرق بان خصنا الديانات السماوية الثلاث التي تدعو إلى المحبّة والتسامح، واعتبر المشكلة تكمن في تسيس هذه الديانات. واعتبر أن التبشير هو عملية ضد الحوار غالباُ ما يكون مسيساً تقف وراءه دول وسياسات ويجب أن يصار لمنع هذه السياسة التبشيرية.

وأشار إلى بعض المعالجات من الناحية الدينية (العلاقة بين الاسلام والمسيحية):

التسامح الاسلامي مع المسيحي والتعايش على سنة الحوار وقبول واحترام الآخر.التركيز على المشتركات الثقافية بين المسيحية والأسلام...عدم الخوض في أمور العقيدة وأصول الدين والأسس الإيمانية.الولاء للأرض والوطن وليس للعقيدة، أو الحزب أو السلطة.الإيمان الابراهيمي هو الحصن الجامع للديانات الثلاث.تحريم التبشير داخل الديانات وخارجها..متع تسييس الدين والمذهب.رفض مقولة نسخ الشرائع والأديان السابقةالاعتراف المتبادل بين الديانات السماوية الثلاث واحرامهااعتبار كل النصوص التي تتعارض مع هذه الأسس الثمانية على أنها نصوص تاريخية لا أقل وأكثر من ذلك.  

ثم اختتم الندوة الخوري عبده أبو كسم فجاء في كلمته:

      ياتي الحديث عن الأقليات في الشرق ومن ضمنها الكلام على الوجود المسيحي المتجذّر في تاريخ وجغرافية البلدان العربية، إنطلاقاً من بيت لحم حيث ولد المسيح إلى مصر حيث هرب به والده، إلى الناصرة حيث تربّى، إلى جبل الزيتون والقدس، إلى طريق الشام، إلى إنطاكية إلى كل المعمورة، تاريخ المسيحيين هو تاريخ العالم، والجغرافيه المسيحيّة هي مساحة كل العالم.

      من هذا المنطلق، إن الكلام على الأقلية المسيحيّة في الشرق هو كلام ليس في محلّه، لأن الوجود المسيحي متلازم مع صيرورة هذا الشرق على ما هو عليه اليوم. فالمسيحيّة لم تكن يوماً إلاّ رسالة تدعو إلى الإنفتاح والحوار وعيش المحبّة، المسيحيّة رسالة ثقافة متجذّرة في نفوس شعوب هذه المنطقة، من خلال النهضة العربية التي كان من أبرز وجوهها شخصيات مسيحيّة آمنوا بالإنسان كقيمة إنسانيةٍ وثقافيةٍ وحضاريةٍ دون النظر إلى لونه أو عرقه أو دينه.

      إن السينودس الخاص بكنيسة الشرق الأوسط الذي عقد الشهر المنصرم في روما، برئاسة قداسة الحبر الأعظم البابا بنديكتوس السادس عشر، وأساقفة الكنيسة الكاثوليكيّة، لم يكن ليدق ناقوس الخطر كما يظن البعض إنما ليبرز الدور المسيحي الذي هو الدور الأساس بين أبناء شعوب المنطقة، ولكي يضع المسيحيين أمام مسؤولياتهم التاريخية، إذ أن المسيحيّة هي حالة محبّة، انبثقت من ذبيحة الحمل على الصليب، واصطبغت بدماء الشهداء على مرّ العصور، حتى أضحت شهادةً واستشهاد.

      أمام هذا الواقع، لا بد لنا من أن ننعتق من الروح الإنهزامية، وحالة الأحباط المسيحي التي يعيشها البعض، لننطلق مع الحالة السينودسيّة الجديدة ونستعيد الدور الريادي الممزوج بإيماننا ورجائنا المسيحي ولنوقف نزف الهجرة ونعيش جنباً إلى جنب مع إخواننا المسلمين وسواهم بجوٍّ من المساواة والإلفة.

      وفي المناسبة لا بد لنا من أن ننظر إلى الروح الإيجابيّة التي يبثها البعض من أن حماية المسيحيين واجب ومطلوب لكننا في الوقت عينه نقول: "أن وجودنا المسيحي هو ضمانة الأستقرار والتوازن بين مختلف شعوب المنطقة".

   فلننطلق نحو عنصرةْ جديدةْ ولنترك روح الله يعمل فينا...  


 

ملاحظة : هذه الندوة تبث ضمن برنامج "قضايا" على شاشة تلفزيون "تيلي لوميار" و"نور سات الفضائية" الخميس في 2 كانون الأول الجاري الساعة السابعة مساءً، الجمعة 3 الجاري الساعة الخامسة صباحاً والأحد 5 الجاري في الثانية عشرة والنصف ظهراً. وتذاع على إذاعة "صوت المحبة" الجمعة 5 الجاري الساعة السادسة والربع مساءً وتعرض على شاشة تلفزيون لبنان.