حاوره إميل أمين

روما، الخميس 16 ديسمبر 2010 (Zenit.org) – قبل بضعة أسابيع من أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية أمر المستشار الدكتور عبد المجيد محمود النائب العام  المصري بإخلاء سبيل 70 متهما من بين 154 متهما من الأقباط المحبوسين احتياطيا على ذمة التحقيقات في أحداث الشغب التي جرت مؤخرا بمنطقة العمرانية في الجيزة, مراعاة لظروفهم الصحية والتعليمية.

هذا القرار لقي ترحيبا واسعا في الأوساط القبطية المصرية وفي هذا الإطار كان لنا هذا الحوار مع المستشار رمسيس النجار محامي الكنيسة القبطية أمام المحاكم  المصرية والذي تابع بنفسه هذا الملف وقضايا أخرى مثيرة منها اشكالية الزواج الثاني  للأقباط وأزمة بناء الكناس ومشاكل المرتدين  

بداية كيف تقرا سيادتك قرار  النائب العام المصري بإخلاء سبيل هذا العدد من موقوفي أحداث العمرانية ؟

أرى انه قرار حكيم جدا ومرحب به في أوساط المصريين كافة الساعين لتهدئة المناخ الطائفي المحتقن في مصر في الأشهر الاخيرة ، وقد تشرفت بلقاء معاليه قبل بضعة أيام وقدمنا له مظلمة بالإفراج عن البعض لظروف الدراسة أو الصحة أو تقدم السن وقد كان الرجل وعن حق ممثل لكل المصريين وبعيدا عن الطائفية بالمطلق وكل ما اعتبره هو وجود شق جنائي في أي اتهامات من عدمه وهذا يدلل على شموخ ونزاهة القضاء المصري حتى  الساعة .

أحوال ومآل الحالة الطائفية في مصر سيما في الأشهر الاخيرة مثير لبعض القلق كيف ترى سيادتك المشهد ؟

بالتأكيد لا يستطيع احد ان ينكر ان هناك حالة احتقان طائفي تمر بها مصر وهو أمر منافي لطبيعة المصريين السمحاء ، وهو احتقان ربما يكون مفتعلاً لأسباب قد تكون سياسية وخدمة لأغراض بعينها. المجتمع اليوم يبدو منقسما ما بين مسلم ومسيحي بشكل لا بد ان يتدراكه العقلاء في مصر قبل ان يتفاقم ويضر بمصلحة مصر الأوسع والأكبر وبقيمتها الحضارية والتاريخية حول العالم .

قبل بضعة أيام عاد الدكتور محمد سليم العوا للحديث من جديد عن تضارب الأرقام حول أعداد المسيحيين في مصر .. هل ترى ان هذا وقت ملائم لطرح مثل هذه القضية ؟

هذه الأحاديث تأتي في أوقات طائفية يتوجب فيه البحث عن ما هو مشترك وايجابي ما بين المسيحيين والمسلمين في مصر ، أوقات تتطلب البحث عن ما يجمع لا التطرق الى القضايا التي تفرق ، والقضية هي قضية تعايش مشترك وليست قضية أرقام ، مع تأكيد اختلافي لجهة الرقم الذي قال به الدكتور العوا فالأقباط يزيد عددهم عن 12 مليون نسمة في مصر .

لماذا العودة الى أحاديث الأعداد والأرقام من جديد ولماذا لا يضع المجتمع لها نهاية ؟

 الحديث بهذا الشكل يظهر وجود قصورا حقيقيا في تمثل فكرة المواطنة ، فالمواطنة تجب اللون والعرق والجنس والدين ، ويصبح الجميع سواسية أمام القانون كأفراد بدون الارتكان الى هويات مختلفة تعمق الانشقاقات وترسخ العداوات .

كثير من المصريين مسلمين ومسيحيين  يرون ان قانون بناء دور العبادة الموحد كفيل بإنهاء مشاكل كثيرة .. ما سبب تأخير إصدار هذا القانون ؟

مؤكد ان من أولى مهمات البرلمان المصري الجديد الذي عقد أول جلساته أمس يأتي القانون الموحد لدور العبادة في مصر وكذلك قانون الأحوال الشخصية للأقباط وبالفعل هناك أصوات عقلانية كثيرة من أخواننا المسلمين المستنيرين  قبل الأقباط تنادي بضرورة استصدار هذا القانون حتى ينهي دهرا طويلا من الخلافات وحتى لا يجد البعض ذريعة للقول ان الحكومة المصرية تتلكأ في استصدار مثل هذا القانون حتى تطوع الأقباط كما تريد .

المحكمة الإدارية العليا مؤخرا أصدرت حكمها بإلزام الكنيسة تزويج المطلقين بما يتعارض مع قوانين الكنيسة وشرعة الإنجيل المقدس .. ما هو الحل لإنهاء هذا التشارع بين الديني والمدني ؟

بداية أقول ان الدولة  تملك إلزام الكنيسة وإلزام البطريرك بتزويج المطلقين كحق من الحقوق  الدستورية لأي مواطن فله  ان يتزوج أو يطلق ، لكن البطريرك أمامه اشكالية حيث ان الطلاق في الكنيسة الأرثوذكسية لا يتم إلا وفق بعض الشروط المرتبطة بالكتاب المقدس ولهذا فهو لا يستطيع مخالفة نصوص الإنجيل .

 والحل هو وجود موثق مدني كما في بقية دول العالم وبعض الدول العربية ، أي الاعتراف بالزواج المدني وفي هذه الحالة من يريد ان يتزوج مدنيا فليتزوج ولا يصبح للكنيسة علاقة به ، الكنيسة فقط تعطي السر المقدس ، وما أحب ان أؤكد عليه هو ان الدولة لا تجبر مواطن أو إنسان مسيحي على مخالفة الكتاب المقدس ولا يوجد بذلك نص قانوني على الإطلاق .

ما الذي يؤدي إليه غياب هذا النموذج المدني من إشكاليات متتابعة في أحوال  الأقباط  الشخصية ؟

 أقول بكل صراحة انه يؤدي الى اتجاه كثير من الأقباط الى تغيير دينهم ليس إيمانا أو اقتناعا منهم بدين آخر وهو الإسلام وإنما لإيجاد حول لمشاكل أسرية ومن أسف فان بعضهم يحاول العودة مرة  أخرى للمسيحية ولدي نحو أربعة آلاف حالة قضية لمسيحيين أشهروا  إسلامهم ويريدون العودة مرة أخرى  للمسيحية وسبب الإسلام والعودة عنه هو الطلاق والزواج ومع ما يترتب على ذلك من تعقيد للعلاقة بين الأقباط و المسلمين  في مصر .

الى أين تمضي أزمة المرتدين في مصر أي الذين يودون العودة من الإسلام الى المسيحية ثانية ؟

أولا أحب ان أؤكد على ان للأديان كافة احترامها وقدسيتها ووقارها وانه يجب ان لا تكون ألعوبة لقضاء الحاجات الشخصية ، والحقيقة ان أزمة المرتدين هذه يجب  على الدولة ان تنظر إليه ا نظرة أسرع واشمل  مما هو حادث ألان ، والإشكالية  الأكبر التي تتولد تباعا لإشكالية الارتداد  والعودة تلك المتعلقة بالإسلام بالتبعية أي ان الأطفال يجب ان يتبعوا الأب وهناك حالات كثيرة كان الأطفال فيها قد شبوا  مسيحيين ووجدوا أنفسهم في الأوراق الثبوتية مسلمين وهذا أمر يؤدي بالإخلال بالوحدة الوطنية في مصر .

لماذا رحبت أو في اضعف الإيمان تفهمت الكنائس المصرية الثلاث مؤخرا تقرير الحريات الدينية الصادر عن وزارة الخارجية الامريكية ؟

الأصل ان  المصريين جميعا والأقباط في مقدمتهم يرفضون التدخل  الأجنبي في شؤونهم الداخلية ،  لكن يجب ان نكون موضوعيين فنحن في  الألفية الثالثة نعيش زمن الانترنت والعولمة واليوتيوب والمعلومات المنهمرة حول العالم فلا يمكن التغطية أو التعمية على مشاكل بعينها يرى العالم أنها حادثة فعلا وقولا ،  ولهذا كان هذا الموقف الأخير من الكنائس الثلاث ذلك لأنهم لو قالوا بعكس ذلك لظهرت ازدواجية  في أحاديثهم  ومن ثم يتهمون بتحريف الحقائق وتزوريها ، وأقول ان الحريات الدينية عندما تنبع من الأصل المصري تكفي الجميع الحديث وتمنع  الآخرين من ان يتدخلوا في الشأن الداخلي المصري .

لكن ألا ترى ان هناك انفراجة ما في الحريات في مصر مثل اعتبار السابع من يناير عيدا لكل المصريين ؟

 بالطبع أقول ان هناك في زمن الرئيس مبارك انفراجة بالفعل واعتبار السابع من يناير عيدا لكل المصريين خطوة تقدمية كبيرة جدا ، لكن ومع ذلك وبالرغم  من ذلك فان هذا التقدم لا يكفي في زمن انفطرت فيه السماوات وأضحت حقوق  الإنسان  والحريات  الشخصية الدينية والضمير هي في أعلى المراتب الحقوقية  وعليه فانه لابد من تضاعف هذه المساحة لتواكب التطورات العالمية في هذا السياق .

ترشيحات الحزب الوطني للأقباط على قوائمه في الانتخابات البرلمانية الاخيرة تعرضت لانتقادات قبطية بالغة الضراوة ..لماذا في تقديرك ؟

الحزب رشح عشرة أشخاص فقط على قوائمه وهذا عدد ضئيل بالنسبة لجموع الأقباط في مصر ، وأنا أتفهم هذا في إطار ان هذا البرلمان وكما يؤكد كثير من المراقبين والمحللين للشأن المصري   برلمان خاص إذ يسبق الرئاسة المصرية القادمة ، وفي كل الأحوال فإننا نأمل من الحزب بعد الأغلبية الساحقة التي حققها في مجلس العشب الحالي  ان يأخذ في اعتباره حقوق المصريين كافة وحرياتهم وحقوقهم الفردية وان ينظر للمصريين جميعا بدون تفرقة .

لماذا يرى غالبية الأقباط  ان الحزب الوطني هو الأقرب لهم والأكثر تمثلا لمصالحهم ؟

لأنه ورغم ما حدث مؤخرا حزب معتدل في مناخ ملتو ، ولهذا فان الأقباط يعتبروه الأقرب لتمثيلهم ،  وهناك مخاوف من جماعات أخرى بعينها تقوم على أسس ومنطلقات دينية يمكن ان تضر بمصالح الأقباط .

البعض يرى ان الأقباط في عهد الرئيس مبارك بدأوا في  المشاركة السياسية بشكل أوقع وارفع  من ذي قبل .. ما صحة هذا الحديث ؟

 حديث صحيح مائة بالمائة ، ذلك انه بعد عهود طويلة من الانكماش والانكفاء القبطي في الداخل على الذات والبعد عن العملية  السياسية برمتها  والاكتفاء بالجانب الاقتصادي  وجدنا ان الرئيس مبارك قد أعطى دفعة حقيقية للأقباط للمشاركة في الحياة السياسية انطلاقا من كونهم مواطنين لا ذميين ، ونادى بذلك في كثير من المحافل والخطابات ، ولهذا رأينا ما يشبه الصحوة من الأقباط  لجهة المشاركة في الحياة السياسية المصرية ، وأنا متفائل بأنه خلال الأعوام القادمة سيكون للأقباط حضور افعل ومشاركة سياسية أوقع .

الى أي حد ومد ساهم الإعلام في تعميق الأزمات الطائفية الاخيرة ؟

أقول ان الإعلام بشكل عام مسؤولية والكلمة قدر،  وعندما تختل الموازين نجد ان الإعلام أحيانا كثيرة يميل لكفة أو لجانب على حساب الأخر وقد يتمادى البعض كما شهدنا الأيام القليلة الماضية ليوجه اتهامات غير صحيحة لرموز دينية الأمر الذي يثير ثائرة كل من يعرف الحقيقة ويدافع عنها ، ومن هنا تبدأ المعارك الطائفية التي يجد الإعلام فيها مرتعا ملائما للثرثرة والنميمة ولا يعرف انه بذلك يحرق البلد .

لماذا فشلت اللقاءات المشتركة بين القيادات الدينية  الإسلامية والمسيحية و لجان الحوار في تهدئة الاوضاع وتحريكها على نحو ايجابي ؟

 تهدئة المناخ الطائفي في مصر  وفي أي مكان في العالم لا تأتي إلا بإعطاء كل ذي حق حقه ووضع كل إنسان مناسب في المكان المناسب  وان تلغى كلمة ونوعية الديانة من الهويات الشخصية ، وان تترك الحريات الدينية لضمير كل إنسان ، من يريد ان يضحى مسلما ومن يريد ان يصبح مسيحيا فكل له حرية اختياره واذكر بالقاعدة القرآنية  " لا أكراه في الدين " هذا هو الأصل  في الأشياء الذي يمنع  الصراعات الطائفية حول العالم .

على صعيد علاقاتك الشخصية كيف هي مع الإخوة المسلمين في السلك  القضائي على نحو خاص ؟

 قبل ان أتناول حياتي الشخصية أقول ان الأصل في مصر هو التعايش القبطي الإسلامي المشترك عبر قرون طويلة ، وعني شخصيا فان أكثر من 70% من اعز أصدقائي  من المحامين والقضاة ورجال القانون من المسلمين وتجمعني بهم علاقات مودة مشتركة ولا مجال للتقسيم الطائفي في حياتنا .

في ظل الأوضاع الحالية بايجابياتها وسلبياتها هل أنت متفاءل ام متشائم فيما خص مستقبل مصر  والعلاقة بين الأقباط والمسلمين ؟

أبقى في كل الأحوال متفائل بإذن الله وأمل ان يكون عام 2011 عام مبشر تنفرج فيه أزمات كثيرة وأناشد البرلمان المصري الجديد وا لرئاسة المصرية العمل من اجل بلورة صورة مصر المواطنة والحداثة باجلى  وأحلى  صورة في عيون العالم  وان يكون ذلك عبر الأفعال  الحقيقية التي تترجم الى أعمال محبة وسلام على ارض الواقع .

هل من أمنية شخصية تتطلع لتحقيقها في 2011؟

أتمنى ان يسود مناخ الحرية الدينية في كل الربوع حول العالم ، وفي مصر على نحو خاص وان يحصل كل فرد مسلم كان أو مسيحي ، يهودي أو بهائي على حقه الكامل في حرية عبادته وضميره ومعتقده فالعقيدة شيء يقر في الوجدان ولا يمكن لأحد ان يتدخل في وجدان ومشاعر وإيمانيات أي إنسان أخر .