روما، الخميس 2 ديسمبر 2010 (Zenit.org) – هل تستطيع الأنظمة والثقافات والديانات المختلفة أن تتحاور فيما بينها حول القضايا التي تثيرها الهوية الأوروبية؟ هذا السؤال شكل محور المؤتمر الذي عقد بتاريخ 27 نوفمبر في الجامعة الساليزية الحبرية في روما تحت شعار "ما وراء الهويات. حول مسألة أصول أوروبا التاريخية والثقافية والدينية".

هذا اللقاء كان يرمي إلى التشديد على أهمية الموروثات التاريخية والثقافية والدينية الخاصة بأوروبا، لمكافحة الانحراف الحديث "الحاضر" الذي يميل إلى قطع كل صلة مع الماضي والذاكرة، وإلى إعطاء أهمية مطلقة للطابع المعاصر.

إن الجمعية الدولية للدراسات الطبية – النفسية والدينية التي كانت تنظم هذا المؤتمر تشجع منذ الخمسينيات البحث والتفكير في مجالات التحليل النفسي، وعلم النفس، وعلم الإنسان وغيرهما من العلوم الإنسانية في ما يتعلق بعلاقتها مع الدين. تتألف الجمعية من مجموعة أطباء ومحللين نفسيين وعلماء إنسانيين أوروبيين، وتنظم لقاءات دورية ومؤتمرات دولية.

للاطلاع على أسباب اللقاء وأهدافه، أجرت وكالة زينيت مقابلة مع أحد منظميه وهو الطبيب سالفاتوري زيباري، العالم النفسي والمتخصص في علم النفس السريري والعلاج النفسي المتجه نحو التحليل النفسي، والأستاذ في علم النفس السريري وعلم اجتماع التنمية في تقنية إعادة التأهيل النفسي في الجامعة الكاثوليكية في روما.

***

زينيت – يجري الحديث أكثر من أي وقت مضى عن أوروبا علمانية فاقدة لجذورها اليهودية – المسيحية. لقد أراد هذا المؤتمر إذاً أن يظهر العكس؟

زيباري – من المستحيل إنكار جذور أوروبا اليهودية – المسيحية. فهي ليست فقط حاضرة في تاريخ الفن والهندسة، وفي الرموز والأنظمة القانونية الخاصة بكافة البلدان الأوروبية (كما في كلمات العديد من الأناشيد الوطنية)، بل أن الفكر العلماني أيضاً يصبح من دون هذه المقدمات المنطقية غير وارد. فضلاً عن ذلك، يقال أن وجود فولتير وحتى نيتشه لم يكن ممكناً من دون المسيحية.

زينيت – كان ينوي مؤتمركم إعادة تحجيم هذه الخشية من "أورابيا" (ظاهرة مفادها أن المسلمين في أوروبا سيصبحون أكثرية) التي كان تتحدث عنها أوريانا فالاتشي؟

زيباري – أعتقد أن الحوار بين الثقافات والديانات (على الأقل بين الديانات التوحيدية الإبراهيمية الكبرى الثلاث) ممكن. إن أوروبا تحديداً تبدو لي بتاريخها وتقاليدها المتعددة مناسبة لتكون مختبراً مثالياً نحو انفتاح أنثروبولوجي مماثل. هذا لا يناقض وضوح مبادئ أوروبا اليهودية – المسيحية: والتحدث عن أصولية مسيحية يبدو متناقضاً من حيث التباين بالنسبة إلى الروح "المسكونية" للرسالة الإنجيلية.

زينيت – الديانة البوذية، وعلى الرغم من أن تفسيرها غالباً ما يكون خاطئاً، تقوم اليوم هي أيضاً بالتبشير المتحمس في الغرب. ألا تعتقدون أن الأمر عبارة عن بديل نسبوي؟

زيباري – "يستهلك" الغرب اليوم كل المواد، وينتهي هذا الاستهلاك بالتوسع أيضاً إلى الظاهرة الدينية. ففي الواقع أن الغربيين الذين يتقربون من الفلسفات الشرقية، يقومون بذلك منطلقين من مبادئ مختلفة تماماً عن مبادئ الشرقيين ويشوهون معناها العميق. اسمحوا لي بهذا التشبيه الركيك: أعتقد أن الأمور شبيهة لما يحصل في المطاعم الصينية في مدننا حيث تستهلك أطعمة لا تمت بصلة لفن الطبخ الصيني الفعلي، أطعمة تستهلك بخاصة بعد بيتزا الليلة الماضية وقبل شريحة لحم الليلة التالية!

زينيت – الحقبة الجديدة، الوثنية الجديدة، وعبادة الشيطان تشق طريقها بين الشباب: هل سمح لقاؤكم بوضع استراتيجية مشتركة لعرقلتها؟

زيباري – هذه المسألة تبقى في الواقع خارجة بعض الشيء عن إطار أهداف لقائنا المحددة، وإنما لا يمكن القول بأنها لم تكن واردة. في كتاب ألفته قبل سنوات (باسم الآب وأوديب. ملاحظات حول التحليل النفسي والدين للألفية الجديدة، منشورات أرماندو، 2000)، أقترح اعتبار هذه "الروحانيات الجديدة" ليس كظاهرة انحراف بالنسبة إلى الديانة الرسمية، بل بالأحرى كتحرف نماذج المعالجة النفسية والتحليل النفسي. بالتشبث بعلموية اختزالية، يوشك التحليل النفسي الحديث أن يفقد المعنى "الروحي" الفعلي لتدخله. بالمقابل، باستعادة حجمه الأساسي، يمكنه أن يتوصل إلى إعطاء جواب "مهم" وصارم للحاجة التي يخبئها هذا الطلب الغامض والمتناقض لشيء "سحري"، وأن يقدم نظرة أنثروبولوجية واحدة يبدو فيها العلم والدين أكثر اندماجاً.