حاورة إميل أمين
القاهرة، الأربعاء 1 ديسمبر 2010 (ZENIT.org). – من بين أهم الشخصيات الفكرية على صعيد الحياة الثقافية المصرية في العقدين الأخيرين ظهر الدكتور رفيق حبيب المفكر المصري المسيحي الديانة والباحث المتخصص في الشخصية المصرية والحضارة العربية والإسلامية ، وأهميته الأكاديمية تتأتي من انه رجل علم النفس الاجتماعي الذي استطاع عبر دراساته العلمية المعمقة وأطروحاته الكتابية إماطة اللثام عن ما يجري في مصر وللشخصية المصرية من تحولات وتغيرات ، وهو ابن الراحل الدكتور صموئيل حبيب رئيس الطائفة الإنجيلية السابق في مصر وهذا لم يمنعه أبدا من ان يكون صديقا ومفكرا مقربا من الدوائر الفكرية الإسلامية المختلفة وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين ولها ربما كان أفضل من يفك خيوط الاشتباك الذهني والعقلي للذي جرى في الأيام القليلة الماضية في مصر بين بعض من شباب الأقباط الغاضب ورجالات الأمن المصري … والى نص القسم الأول من الحوار :
**
بداية وقبل كل شيء كيف تقرا حال العلاقة الراهنة بين الأقباط والمسلمين في مصر والى أين تمضي ؟
تمضي الى مرحلة أزمة أكثر عمقا والأزمة بدأت منذ السنوات الاخيرة في القرن الماضي عبر حادثتي الكشح الأولى والثانية ومستمرة في منحى تصاعدي ديني وطائفي ، حجم العنف مرتفع ، حجم تلاحق الأحداث سريع ، إذن نحن نمضي الى لحظة الذروة في هذه الازمة .
** ألاما تعزي هذا الاحتقان الخطير في الأعوام الاخيرة ؟
هناك في واقع الأمر عدة أسباب منها ضعف تمثيل الدولة للانتماء العام فمنذ سبعينات القرن الماضي استطيع ان أقول ان هناك أزمة مجتمعية طرحت نفسها بعد هزيمة عام 1967 ، وبات المجتمع المصري يعيد بناء نفسه على أسس هويات دينية دون ان تعبر الدولة عن هوية واحدة جامعة مانعة داخل إطارها الأوسع ، هناك كذلك أزمات اجتماعية و واقتصادية أدت الى زيادة التعصب والاحتقان ، هذه العوامل مجتمعة شكلت أزمة مجتمعية شاملة أثرت على قيم الإنسان المصري وهويته ولذا ظهرت فيه درجة عالية من التعصب وأنتجت حالة احتقان ونزاع ديني .
** لكن ألا ترى معي ان مصادمات الجيزة الاخيرة بين بعض الأقباط والأمن مشهد نوعي غير مسبوق يتمثل في لجوء أولئك للعنف ؟
هي لحظة جديدة في مسالة النزاع الديني بلا شك وقد سبق ذلك مرة واحدة في مظاهرة سابقة في الكاتدرائية المرقصية واحدث المتظاهرون بعض الإصابات في عدد من الضباط وجنود الأمن المركزي ، ويمكن القول ان الخروج بالتظاهرات والاعتراضات منذ حادثة الكشح ينمو تدريجيا والآن انكسر حاجز الخوف لدى الأقباط كما حدث لدى فئات كثيرة في الشارع المصري مما شجع الأقباط على الدخول في مواجهات مباشرة مع الدولة .
** هل تخشى من ان يكون هذا النموذج مرشح للتصاعد عند اقرب مواجهة فكرية تالية ؟
أتصور انه مرشح للتصاعد والتكرار عند أي أزمة تحدث لافتقاد إستراتيجية حقيقية ناجعة لمواجهة مثل تلك المشكلات منذ سبعينات القرن العشرين أي منذ أربعة عقود ولابد من إجماع العقلاء والحكماء في مصر على إيجاد مثل هذه الإستراتيجية .
** هل كانت قضية بناء دور العبادة هي في حقيقة الأمر المنطلق الرئيس لهذه الصدامات ام ان هناك جذور أكثر عمقا للازمة ؟
مواقف الأقباط الاخيرة لا يمكن ان نعزوها فقط الى تأخر صدور قانون العبادة الموحد ولكن يجب ان نعزوها الى عدة أشياء في وقت واحد منها عل سبيل المثال القول ان الجماعة القبطية أصبحت جماعة نشطة في إطار طائفي سياسي داخل إطار الكنيسة وان لديها رؤى ومشروع لأنها عندما خرجت في حادثة وفاء قسطنطين لم يكن معها الحق ان تخرج لأنها خرجت ضد حرية الاعتقاد ، وهذا يعني ان تلك الجماعة تخرج أحيانا في شكل رد فعل واحي في شكل فعل بالتالي لا يمكن ان نعزو الأمر لإشكالية بناء دور العبادة فقط .
أما مسالة قانون دور العبادة الموحد فقد طالب به مسلمون كثر بجانب المسيحيين لإنهاء تلك الصدامات لكن اعتقد ان الدولة تريد الاحتفاظ بهذا الحق كنوع من أنواع السيطرة على الكنيسة ، كما أنها أحيانا كثيرة تتجنب فتح ملفات كثيرة لا تعرف كيف تديرها على المستوى الاجتماعي مثل قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين .
** هناك جدال جرى في مصر بين بعض الرموز المسيحية والإسلامية حول هوية مصر ومن هو صاحب البلد الأصيل ومن الضيف .. هل تعتقد ان مثل هذا الجدل العقيم أشعل المواجهات ؟
جوهر التصريحات التي صدرت عن الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس للكنيسة الأرثوذكسية المصرية عن ان الأقباط هم أصحاب مصر الاصطلاء وان المسلمين ضيوف تعبر عن رؤية ذات بعد قومي سياسي وتتناول الحديث عن مصر المصرية الخالصة التي ليست لها أي روابط بهوية العالم العربي أو الإسلامي ، هذه الرؤية ظهرت عدة مرات من ممثلي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في عدة محاضرات سابقة كما في محاضرة الأنبا توماس في الولايات المتحدة الامريكية ، هذه رؤية سياسية قومية بدأت تنتشر لدى الجماعة القبطية وهي ليست جديدة، الجديد هو التصريحات التي أظهرتها .
وتفاعل الدكتور محمد سليم العوا المفكر الإسلامي فتح باب المواجهة للرأي الأخر ، وتصوري ان طرح الحديث عن هوية مصر يجب ان يكون قضية مفتوحة للحوار وان يحدث عليها حوار وحدوث الحوار حتى ولو كان له آثار سلبية ليس خطرا ، لان بقاء رؤية معينة لدى ال
أقباط عن هويتهم ورؤية للمسلمين عن هويتهم وبقاء الرؤيتين معناه أننا تحولنا الى شعبين ولم نعد شعبا واحدا وهذه هي الخطورة الشديدة ولذا علينا ان نناقش هذه القضية بموضوعية .
أما القول بان الكنائس والأديرة مليئة بالسلاح فهذا حديث كان يجب التحقق منه أولا بشكل موضوعي وفي قناعتي ان الأقباط لا يلجئون ولن يلجئوا الى حمل السلاح في مواجهة الدولة أو المسلمين لأنهم عقليا الطرف الأقل عددا وبالتالي السلاح خطر عليهم قبل ان يكون خطر على الآخرين .
** ما الذي جرى للتعايش الإسلامي المسيحي المشترك عبر أربعة عشر قرنا في مصر ؟
عبر أربعة عشر قرنا كان هناك عيش واحد إسلامي مسيحي ، نعم حدثت نزاعات دينية بين المسلمين والمسيحيين في بعض الفترات المتفرقة لكنه لم يحدث ان استمر أربعة قرون كما الحال مؤخرا ، كان يستمر أسابيع أو أشهر على أقصى تقدير وينتهي .
كان النزع الديني وقتها يرجع إما الى أزمات العصر ، مثل المجاعات أو استغلال الحكام الطغاة لمناصبهم ولهذا لم يكن النزاع يتمحور حول القيم والهوية، الآن التنازع حول الهوية الدينية ولعل ما عمق الازمة انه في الماضي كان المجتمع قويا برجاله ومؤسساته وتكويناته الاجتماعية وقياداته المجتمعية القادرة على حل أي أزمة لكن هذا النموذج ضعف لصالح سيطرة الدولة وبالتالي لم تعد هذه الرموز حاضرة مما اضعف كيان المجتمع المصري وسهل ظهور تلك النزاعات .
** قبل عدة عقود لم تكن الكنيسة إلا موقعا وموضعا للعبادة .. ما لاذي تغير على صعيد هذ الدور في تقديرك ؟
حقيق انه لأول مرة في التاريخ المصري يتغير الدور الأصلي المنوط بالكنيسة القبطية وبدا وكأنها تطرح نفسها ممثلا سياسيا وتظهر الكنيسة بهذا الشكل في العمل السياسي لتكون ضمن القوى المؤيدة مباشرة للحزب الحاكم وبالتالي نحن أمام متغيرات جديدة جعلت أزمة المجتمع مختلفة وخطيرة في نفس الوقت .
* * *
سنقوم بنشر القسم الثاني من المقابلة نهار الخميس 2 ديسمبر 2010