صلاة المخدع

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

بقلم الأب جان بول خوري

روما، الخميس 2 ديسمبر 2010 (ZENIT.org). – نتابع سلسلة حلقات  الحقيقة الصعبة حول موضوع الرياء في الكتاب المقدس، واليوم سنتكلم عن صلاة المخدع الواردة بحسب إنجيل القديس متى. ما هو المخدع؟

   إن كلمة المخدع في اللغة اليونانية تدل على مكان منعزل وسرّي داخلي داخل أرجاء المنزل، إنها  بالتحديد غرفة المونة . حيث توضع فيها بركات السنة وخصب الأثمار.  مكان آمن في المنزل يتطلب النظافة والترتيب، لكي لا تأتي الحشرات تعشش فيه فتفسد الخيرات. فالأم والأب يجمعان  في مواسم الخير ما حصدتهما أيديهما من تعب بهدف تخزينه في المخدع، ليستعمل في أوقات الضيق والشّدة، ولاسيما أثناء البرد القارس، خوفاً من أن تصاب العائلة- الأولاد بمشكلة الجوع والعوز. عندها تكون المشكلة كبيرة ومؤلمة إذا ما كان المخدع فارغاً ومليئاً بالأوساخ ورائحة العطنة. وأما إذا توفرة المواد الغذائية تنام الأم ويرتاح بال الأب، لأنه هناك مصدر الطاقة مؤمن للأولاد، فلا يعوزهم شيء.

 الصورة المجازية التي تكلم عنها يسوع تكمن أهميتها في معنى المخدع، المكان السري، بمعنى آخر مخدع القلب حيث هناك مركز الحياة. فبإمكان القلب إذا ماكان نقياً أن يرى الله ” طوبى لأطهار القلوب فإنهم يشاهدون الله”(متى5: 8). وبإمكانه أن يصاب ويتعرّض للتلوث فيصبح مكان الخطيئة ” سمعتم أنه قيل: “لاتزن”. أما أنا فأقول لكم: من نظر الى امرأة بشهوة، زنى في قلبه”(متى5: 27)؛ وحيث كثافة حضور وفعالية الإنسان وانشغالاته واهتماماته وتعلّقه، وشغفه هناك يكون قلبه ” فحيث يكون كنزك يكون قلبك”(متى6: 21). والإفكار المسبقة الشريرة، تحجب رؤية عظائم الله  ” فعلم يسوع أفكارهم فقال:” لماذا تفكرون السوء في قلوبكم؟ فأيما أيسر؟ أن يقال: غفرت لك خطاياك، أم أن يقال: قم فامش؟…” (متى9: 4). لذا ليكون القلب مركز صلاة دائمة، عليه أن يتتلمذ. فالتلمذة هي الحالة والإمكانية التي تجعل من قلب الإنسان في النعمة عندما  يتبنى مشاعر وحنان وقوة محبة وحقيقة يسوع، ” احلموا نيري وتتلمذوا لي فإني وديع متواضع القلب، تجد الراحة لنفوسكم، لأن نيري لطيف وحملي خفيف”(متى11: 29- 30). فالقلب المستنير بنور تلمذة قلب يسوع، يكتشف فعلياً النفاق والكذب المخبىء في مخدع الإنسان، من خلال مبدأ الكلام. فإن كان سيئاً ويحمل النفاق، او يحمل البركة سببه القوة الكامنة  في القلب إن كانت قوة شريرة أو قوّة مقدسة ” … فمن فيض القلب ينطق اللسان. الإنسان الطيّب من كنزه الطيّب يخرج الطيّب. والإنسان الخبيث من كنزة الخبيث يخرج الخبيث”( متى12: 34- 35). فيسوع يعلّم المؤمن لماذا واجه حالة التمرّد والرفض المتمادي والبغض، والتهميش، سببه يكمن في غلاظة القلب” فقد غلظ قلب هذا الشعب وأصموا آذانهم وأغمضوا عيونهم لئلا يبصروا بعيونهم ويسمعوا بآذانهم ويفهوا بقلوبهم ويرجعوا أفأشفيهم؟” (متى 13: 15). فإن سبب فراغ القلب من حالة النعمة سببه الرفض لكلمة الله، وعندها يتحول القلب الى مرتع للشرير ” كل من سمع كلمة الملكوت ولم يفهمها يأتي لشرير ويخطف ما زرع في قلبه…” (متى13: 18). فالرب يسوع قد سئم من عبادة فارغة من الحب والإستسلام سئم  من قلب يدّعي الصلاة وبعيد عنه ” هذا الشعب يكرّمني بشفتيه وأما قلبه فبعيد عني إنهم بالباطل يعبدونني فليس ما يُعلّمون من المذاهب سوى أحكام بشرية” (متى14: 8- 9). ليس بالسهل أن تحب شخصاً وتكون اميناً له وتبذل كل ما في وسعك لتحبه، وكتشف للحظة أنه ينافق عليك، وتعرف أن قلبه كان  بعيداً عنك طوال المدة التي أحببته فيها. لذا ضع نفسك للحظة مكان يسوع يا ترى ما ستكون حالتك؟ وكيف إذاً يسوع؟ أتستعمل القسوة أم قوة النعمة ” المغفرة”؟ ” فهكذا يفعل بكم أبي السماوي إن لم تغفروا كل واحد منكم لأخيه من صميم قلبه”(متى18: 35) إن طلب السماح!!! وإذا صل له!!!

فقساوة القلب تجعل من مواقف الإنسان أكثر مزاجية ومنفعية، لأنه تتحكم فيه أهواء الحقد والبغض والشراهة. لأنه ينظر الى الآخر نظرة دونية وكيف بالحري موضوع الزواج والطلاق؟ ” فلماذا أمر موسى أن تعطى كتاب طلاق وتسرّح؟ قال لهم: ” من أجل قساوة قلوبكم رخّص لكم موسى في طلاق نسائكم، ولم يكن الأمر منذ البدء هكذا.” (متى19: 8). فلكي تتحول الصلاة في المخدع الى معنى وقوة لا تقهر على الإنسان أن يجمّع طاقاته ويحشدها نحو الهدف الأسمى أن يحب الإنسان الله والآخر ” فقال له:” أحبب الرب إلهك بكل قلبك وكل نفسك وكل ذهنك. تلك الوصية الكبرى والأولى. والثانية مثلها: أحبب قريبك حبك لنفسك. بهاتين الوصيتين ترتبط الشريعة كلّها والأنبياء”( متى22: 37- 40). فعندما يحب الإنسان يفهم لغة الله التي هي لغة الحب الحقة. لأن لغة الحب الإلهية ليست معقّدة، بل بسيطة وسهلة النفاذ الى القلب، المشكلة تكمن في الإنسان لأنه يعقّد الحب ويشوهه ويحرفه عن مساره الصحيح. لذلك وجب أن يعرف كيف يحب الله وكيف يحب الآخر، من خلال طريقة يسوع. وما طريقة يسوع سوى أن يحب ويبذل ذاته من أجل أحبائه.

أن تصلي الى الرب، عليك أن تنظّف مخدعك، لئلا تفسد الخيرات السماوية والأرضية على حد سواء، فنظافة القلب تكمن في عيش دائم للتوبة، فعندها إذا صليت ترى الله الساكن فيك. فقلب طاهر مرآة سماوية للبشر، بها نرى الله المحبة، وندرك مدى جمالية وروعة الحب الإلهي. لذا المعركة الروحية تبدأ بمحاربة الأفكار الشريرة، والتحرر من الرياء في الصلاة، وأن يكون القلب ملتصق بالرب، وأن نبقى في حالة تتلمذ دائم ومتواصلة. فبدون المعرفة والحب تنعدم الصحة الروحية، وبالتالي
يتدنى النضوج الى مستويات خطيرةفانتقاص أحد العنصرين، لدليل على الإنحراف الخطر. ومن هنا نفهم بروز الأفكار الشريرة التي تضرب الإيمان والبدع والشكوك، والشهادات السيئة للبعض.

أعطنا يا رب قلباً طاهراً مصلياً ممتلئاً حكمة وحباً، لنفهم وندرك مشيئتك الإلهية. وفنوزع عطاياك اللامتناهية الى من هم بحاجة إليك. آمين.

الى اللقاء في الحلقة المقبلة.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير