جل الديب، الأربعاء 8 ديسمبر 2010 (ZENIT.org). – عقدت ظهر الثلاثاء ندوة صحفية في المركز الكاثوليكي للإعلام بدعوة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام بعنوان : ” “المحكمة الدوليّة والقرار الظني” بحيث تأتي بعد أنعقاد السينودس من أجل الشرق الاوسط، برئاسة رئيس اللجنة، المطران بشارة الراعي، شارك فيها النائب السابق، الأستاذ صلاح حنين، والدكتور انطوان صفير، ومدير المركز الكاثوليكي للإعلام، الخوري عبده أبو كسم، وحضرها أمين سرّ اللجنة، الأب يوسف مونس، المسؤول عن الفرع السمعي البصري في المركز، الأب سامي بو شلهوب، والسفير السابق فؤاد عون، والمحاميان باتريسيا دكاش وكارلوس داود، والدكتور جوزف فاضل، وعدد كبير من المهتمين والإعلاميين، قدّم الندوة وأدارها المحامي وليد غياض.
كلمة المحامي وليد غياض جاء فيها:
لانه من حق الرأي العام على اللجنة الاسقفية لوسائل الاعلام، ان تساعده على قراءة الاحداث وكافة التطورات بشكل موضوعي، ومنها خاصة ما يؤثر عليه وطنياً واجتماعياً وروحياً، نلتقي اليوم في المركز الكاثوليكي للاعلام لنطرح موضوع المحكمة الدولية ولكن ليس لهدف سياسي انما للتعرف أكثر على هذه المحكمة التي انشأت بموجب قرار من مجلس الامن الدولي: على كيفية انشائها وتشكيلها، اهدافها، اختصاصها، طريقة عملها واجراءاتها، ضمانات استقلاليتها، وعلى قراراتها وخاصة ما يتعلّق حالياً بالقرار الظنّي المرتقب صدوره. الى جانب الكثير من الاسئلة التي تشغل حالياً الرأي العام اللبناني.
يسعدنا ان نستمع في هذه الندوة الاعلامية الى سعادة الاستاذ صلاح حنين حول تداعيات صدور القرار الظنّي، والى حضرة الدكتور انطوان صفير عن ماهية، اهداف وقرارات المحكمة الدولية.
ثم رحب المطران بشارة الراعي بالمنتدين والحضور وقال: نداوتنا يوم الثلاثاء تحمل القضايا على المستوى اللبناني والناس تريد أن تعرف الحقيقة الموضوعية. في أطار حياتنا الكنسيّة، ما قيل في رسالة السينودس نداء إلى الأسرة الدولية ودعوة إلى احترام قرارتها، والمحكمة الدولية مرتبطة بها. وأجاب الراعي عن موقف الكنيسة المارونية من المحكمة الدولية قال: الكنيسة المارونية مع العدالة والعدالة ينظرُ بها القضاء، والقضاء يُنظر فيه في المحكمة. أما نحن فضد كل قضاء مُسيس أما قائم على شهود زور شرط اثبات ذلك.
ثم كانت كلمة الأستاذ صلاح حنين عن تداعيات القرار الاتهامي جاء فيها:
كل اغتيال سياسي يحدث في بلد ما فهو ينال من شعب بمجمله، مهما كانت الآراء السياسية داخل البلاد مختلفة او حتى متضاربة. وعندما يطال هذا الاغتيال عدداً واسعا من رجال السياسة والفكر الذين أحرزوا على ثقة شرائح واسعة من المواطنين، فهذا يجعل الجريمة أكثر فظاعة وبشاعة.
أما هذه الشرائح الواسعة من المواطنين القريبين من شهداء الوطن بالفكر أو السياسة أو الصداقة أو بالصلة العائلية، فهم لا يفهمون لماذا شركاء لهم بالمواطنية يسعون لرفض العدالة والحكم بالعدل. فهذا جرح يزداد على حزن من لم يتمكن بعد من لبس ثياب الحداد.
كما ان بالنسبة لهذا النوع من الجرائم الذي يشمل شعب بمجمله، لا نسيان ولا حق اكتساب بمرور الزمن. أما الغفران عند الشعوب المتضررة فهو نتيجة للعدالة. والعدالة هي واجب على اللبنانيين، كل اللبنانيين.
فالشعوب التي لم تتذوق العدالة، يعذبها طعم المرارة. هكذا الشعب الارمني الذي ما زال يمارس حقه بمطالبة تركيا بالاعتراف بذنبها.
وهكذا اللبنانيون الذين ما انفكوا يطالبون بمعرفة مصير الإمام المغيب موسى الصدر، إلى حد إفساد العلاقات الديبلوماسية بين لبنان وليبيا.
لماذا اذا الإنذار والتهديد للوصول إلى محو المصيبة والشقاء، كما للوصول إلى عدم ذكرها واستذكارها، تحت طائلة الفتنة المدمرة؟
ولماذا الممانعة المركزة في ما يتعلق بكشف الحقيقة؟
وما جدوى القول الذي يدعو الى رفض إيقاف مجرم تجنباً لتدمير لبنان… كل هذا يخلق انشقاقا كبيراً عند الشعب الواحد، ومواجهة الشعب لبعضه البعض لا تخدم أي مصلحة لبنانية، بل تخدم مصلحة أعداء لبنان، لا غير.
ان أساس لبنان قام على مبدأ الحرية. فالحرية هي قيمة مشتركة للمواطنين لا بد من ان نورث أبناءنا فضائلها. والحرية هي حجر الزاوية الذي يجعل من مجتمعنا المتعدد مجتمعاً متماسكاً، كما هي تجمع بين مفاصل المجتمع اللبناني، بل أضحت هويته. والحرية هي في خدمة العدالة، وليست نقيضا لها.
فلنوظف حريتنا في اختيار ما هو انسب لبناء وطننا. فقد قيل الكثير الكثير عن رفيق الحريري، منه كلام ايجابي، ومنه سلبي. إنما أية صورة لرفيق الحريري هي الأنفع لبناء الدولة التي لا تزال هشّة، أليست هي صورة رفيق الحريري الذي بلور اغتياله انتماء طائفته لنموذج التعددية اللبنانية؟
فهذا هو الخيار الأساس، وهذه هي القضية الأساس، فلماذا يريد البعض ان يترك المفاعيل السلبية تتجاوز القضية؟
هكذا، لقد بدأت تداعيات القرار الاتهامي الصاخبة قبل صدوره وقبل معرفة فحواه. إنما صدور القرار الاتهامي حتمي، كما هي المحاكمة التي تليه وكما هو الحكم الذي سوف يصدر في ما بعد عن المحكمة الخاصة من أجل لبنان. فكل المحاولات لنسف ذلك المسار باطلة.
وبالرغم من كل ذلك، فقد توصل البعض إلى زرع الشك في وسط جزءٍ من الرأي العام، في ما يتعلق بنتيجة التحقيقا
ت التي سوف يشملها القرار الاتهامي.
إنما الواقع يبقى على ما هو عليه: فلأول مرة منذ اندلاع الحرب اللبنانية، سوف يتعرض لملاحقة العدالة الدولية من دبر ونفذ اغتيالات سياسية في لبنان.
أما الذين يتهمون المحكمة الدولية بأنها أداة للمؤامرة ضدهم، فلا خطر عليهم إطلاقا أن كانوا بعيدين عن الجرائم السياسية المرتكبة في لبنان، إذ يستطيعون أن يحطموا حجرا بعد حجر بناء القرار الاتهامي ان كان مرتجا وغير متماسك، لا سيما وان المحكمة الدولية قد انشأت مكتبا للدفاع لخلق توازن مع الادعاء العام، مما يؤدي إلى شفافية اكبر خاصة وان المحاكمة علنية وخاضعة لأعداد كبيرة من المراقبين المحليين والدوليين من قانونيين وصحافيين ومحققين وسياسيين…
فلماذا العناد على نسف المحكمة الدولية؟
ولماذا، استعمال سلوك متوتر، تهجمي ومخالف للمنطق والعقل؟
إنما يبقى صلب القضية، في موضوع تداعيات القرار الاتهامي، فصل الجريمة عن مجمل الشرائح اللبنانية في حال تورط أحد أبنائها أو أكثر. فمحال تحميل أية شريحة اية مسؤولية محتملة لأي تورط احتمالي لأي حزب أو أي فريق داخل حزب.
كما انه غير صحي لهذه الشريحة ان تعقد مصيرها ومستقبلها كليا بفريق ما مهما كان قادراً.
ان تفسير هذا الحس بالقوة الذي تبحث عنه شريحة ما ربما متعلق باللاشعور الجماعي بالظلم لديها طوال تاريخها المشرب بالكبت في المنطقة كافة.
فولاؤها الكلي لحزب يمنحها القوة والعزة يترافق، لا شعوريا، برغبتها بالثورة والانتفاضة.
وهذا ما علينا جميعا أن نأخذه بعين الاعتبار في إدارة ما بعد صدور القرار الاتهامي.
كما أن على المجتمع المدني والمسؤولين المنفتحين والنيرين أن يطلقوا رؤية مستقبلية ويجرؤوا على التمييز بين صيرورة المجموعة وسياسة حزب ما.
فمصير حزب يبقى مرتبطا بتوازن قوى في نطاق جغرافي سياسي محدد. وهذا مفهوم زائل، يعاد النظر فيه عند أول منعطف أو أي تطور أو تحوّل بالظروف الراهنة.
غير ان القوة الحقيقية للمواطن، أياً كان، والضمانة السليمة للقيام بدوره في المجتمع، لا تجسّد بقدرة حزب بل هي تكمن بالعلاقات الهادئة، الصافية، الصحية، المتوازنة الصادقة مع شركائه بالمواطنية.
فالالتزام الصعب إنما الشجاع بطريق الصحو والوضوح والعدالة، هو الشرط الأساسي لمصالحة فعلية ولبناء المستقبل معا.
ان المسؤولية في هذا الموضوع مشتركة، وهي تتطلب صفات رجال دولة، لا سيما الشجاعة والانفتاح والمثابرة والتخلص من أشباح الماضي.
لذلك، يصح هنا شعار الرومان القدامى:
“أن الحقيقة هي ام العدالة”.
فانطلاقا مما سبق، وفي حال ارتضى الجميع الإنسجام مع متطلبات المحكمة الدولية، فاني أتعهد في حال طلب مني، وخدمة للمصلحة كما للمصالحة الوطنية، بالدفاع عن أي لبناني من دون أي مقابل، التزاما مني بمبدأ الانفتاح والحوار وبغية بناء مستقبل مشعّ لجميع اللبنانيين دون استثناء.
ثم مداخلة المحامي الدكتور انطوان صفير: نظرة قانونية عن ماهية، اهداف وقرارات المحكمة الدولية جاء فيها:
المحكمة ذات الطابع الدولي قد أنشأت بموجب قرار مجلس الأمن الدولي ١٧٥٧ وقد حدد اطارها العام ونظامها الأساسي. وهي محكمة مختلطة، اذ انها تتكوّن من قضاة دوليين اي من جنسيات مختلفة تعينهم الأمم المتحدة ومن قضاة لبنانيين وذلك في كل من غرفتي الدرجة الأولى والإستئناف. ونظامها مزيج من قواعد قانونية لبنانية وانكلوساكسونية و دولية مما يجعلها من نوع المختلطة حتى في بنيتها القانونية اي الأصول المعتمدة فيها.
والمحكمة الدولية التي أنشأت بموجب قرار دولي لا يمكن الغاؤها أو تبديل صلاحياتها او تغيير منطوقها الا بقرار يصدر عن المرجع ذاته اي مجلس الأمن الدولي.
وقد وصلنا الى إقرار المحكمة الدولية بعدما ارسلت الأمم المتحدة لجنة تقصي الحقائق ثم أنشأ مجلس الأمن الدولي لجنة تحقيق دولية تداول على رئاستها الألماني ميليس ثم البلجيكي براميرتس ثم الكندي بلمار الذي أصبح اليوم مدعياً عاماً لدى المحكمة الدولية. وهو سيصدر القرار الإتهامي على ان يقوم قاضي الإجراءات التمهيدية بالمصادقة الاولى إعادته الى المدعي العام او يطلب اعادة الدرس أوالتوسع في التحقيق.ويمكنه قبل انعقاد محكمة الدرجة في حال ورود معطيات جدية او حاسمة يمكن ان تؤثر على مساره او مآله.
لذلك فان مسار المحكمة سيكمل حتى يبلغ خواتيمه. والحكومة اللبنانية ملتزمة مع المحكمة الدولية من خلال مذكرة التفاهم الموقعة بين لبنان والمحكمة. ويمكن للحكومة اللبنانية في حال وجود وفاق سياسي، أن تسحب توقيعها ولكن لهذا الموقف تداعيات جدية تجعل لبنان في مواجهة مع الشرعية الدولية. وفي كل الأحوال هذا لا يوقف عمل المحكمة الدولية. اما مسالة شهود الزور فيجب أن تبدأ من خلال تحديد هؤلاء الشهود في القانون والواقع.
في القانون ان الشاهد بالزور هو من أقسم اليمين أمام مرجع قضائي وأدلى بمعطيات منافية للحقيقة والواقع او اخفى حقيقة ما او ابتكر وقائع مغلوطة بغية الإيقاع بشخص او بعدة اشخاص.
أمّا الذي أتى عفواً الى مرجع قضائي وأدلى من تلقاء نفسه بمعطيات مغلوطة او أخفى حقائق معينة فيلاحق بجرم ابتكار جرائم وليس بجريمة شهادة الزور.
اما الإحالة الى المجلس العدلي فقد سبق لمجلس الوزراء
ان احال ملف اغتيال الرئيس الحريري الى المجلس العدلي ولكن القضاء الللبناني برمته لم يعد صاحب الصلاحية بعدما رفعت يده عن القضية ابتداءً من أول آذار ٢٠٠٩ حين اصبحت المحكمة الدولية صاحبة الصلاحية الحصرية للنظر بهذه القضية .
اما شهود الزور فيمكن ملاحقتهم بعد صدور القرار الإتهامي اذ ننتقل من مبدأ سرية التحقيق الى منطق علانية المحاكمة، حينئذ يمكن الإستحصال من المحكمة الدولية على محاضر رسمية واضحة يمكن ان تشكل مستنداً قانونياً لإقامة دعاوى في حال ثبوت وقائع معينة.
ثم كانت كلمة الخوري عبده أبو كسم جاء فيها:
يكثر الكلام في هذه الأيام عن المحكمة الدوليّة وتداعيات القرار الإتهامي الذي سيصدر عنها في قضية إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ويرافق هذا الكلام، كلام عن تحقيق العدالة ومن المعروف أن لا عدالة من دون قانون، ولا قانون جدير بتحقيق العدالة من دون محكمة ترتكز على الوقائع والبيّنّات، وإفادة الشهود تشكل مادةً لإصدار قرار اتهامي، أو تمهد لحكم من شأنه أن يحقق العدالة ويظهّر الحق وينطق به.
وعليه فإن القضاة يرتكزون في حكمهم على الوقائع والقرائن والبيّنات وإفادات الشهود التي تظهّر لهم الحقيقة وتولّد لديهم يقيناً ليحكّموا ضمائرهم ويلفظوا حكمهم النهائي الذي من شأنه أن يكون عادلاً ويساهم في نشر السلام داخل المجتمع الذي ينتظر حكمهم.
ونحن اليوم في لبنان ننتظر حكم المحكمة الدوليّة، هذه المحكمة التي ارتضاها جميع اللبنانيون ووافقوا عليها من ضمن طاولة الحوار، لكن في الوقت عينه هناك من يقول أن هذه المحكمة أخذت بإفاداتٍ وشهادات كاذبة /زور/ لبعض الشهود، وهذا الأمر أثار توتراً في البلد وعطّل المؤسسات، واصبحت قضية شهود الزور وكأنها أكبر من القضية الاساس التي تشكلت من أجلها المحكمة، وأصبح القرار الاتهامي مشكوك بأمره سلفاً وماذا بعد؟
إن المحكمة الدوليّة لها أنظمتها وقوانينها التي تحكم سير عملها وأدائها، هل يل ترى أن محكمة بهذا الحجم ممكن أن تبني قراراها الاتهامي على إفادات شهود الزور؟
وماذا لو صدر القرار الاتهامي وتبيّن كما يدّعي البعض أنه مرتكز في بعض فصوله وعلى إفادات شهود الزور؟ ألا يصبح هذا القرار بذات الفعل قراراً إتهامياً بحق المحكمة؟
إن ندوتنا اليوم تطرح هذه التساؤلات من باب الوقوف على الحقيقة دون سواها، وليس لنقول أننا مع هذا الفريق أو ذاك، نحن مع الحقيقة التي تؤسّس لعدالةٍ ولسلامٍ دائمٍ في وطننا لبنان. “ألا ألهم الله جميع المسؤولين سواء السبيل”.