روما، الخميس 9 ديسمبر 2010 (ZENIT.org).- ننشرُ فيما يلي كلمة قداسة البابا بندكتس السادس عشر التي ألقاها ظهرَ الأربعاء بمناسبة تكريم العذراء المحبول بها بلا دنس في روما، في ساحة اسبانيا.
أيها الإخوة والأخوات
يتجددُ موعدنا هذه السنة، هنا أيضًا في ساحة اسبانيا، لإكرام العذراء المحبول بها بلا دنس بمناسبة يوم عيدها. أحييكم جميعًا بحرارة، أنتم الحاضرين على كثرتكم، وجميعَ من يشاركون في هذا الحدث من خلال محطات الأذاعة والتلفاز. اجتمعنا حول هذا النصب التاريخي المُحاط اليوم بالزهور، علامة حبِّ وتعبّد شعب روما لأمّ يسوع. لكنّ أجمل هبةٍ نقدّمها لأمّنا، وهي تستحقها، هي صلاتنا التي نحملها في القلب ونوكلها إلى شفاعتها. إنها أفعالُ شكرٍ وتضرّع: شكر من أجل نعمة الإيمان ومن أجل كلّ النعم اليومية التي نتلقاها من الله، وتضرّع من أجل مختلف الحاجات، من أجل العائلة والصحّة والعمل ومن أجل كلّ صعوبةٍ تضعُها الحياةُ في طريقنا.
ولكن عندما نأتي إلى هنا، وخاصةً في عيد 8 ديسمبر، يكتسبُ أهميةً كبيرة ذلك الذي نتلقّاه من مريم مقارنةً بذلك الذي نقدّمه لها. فهي تمنحنا رسالةً وتوجّهها لكلّ واحدٍ منّا ولمدينة روما والعالم كلّه. وحتّى أنا، أسقفُ هذه المدينة، أجيءُ لأصغي ليس لأجلي فقط، بل من أجل الجميع. وماذا تقولُ لنا مريم؟ إنّها تكلّمنا بكلمة الله التي صارتْ جسدًا في رحمها. إذ ليست “رسالتُها” سوى يسوع ذاته، حياتها بأكمله، الذي به ومن خلاله أصبحتْ بلا دنس. وكما أصبح ابنُ الله إنسانًا من أجلنا، هكذا أيضًا أمّه؛ إذ حُفِظت من الخطيئة من أجلنا جميعًا كاستباقٍ لخلاص الله لكلّ إنسان. فمريم تقولُ لنا بأننا مدعوون جميعًا لننفتح على عمل الروح القدس لنصبحَ في النهاية بلا دنس، محررين بصورةٍ كاملة ونهائية من الشر. وهذا ما تقوله لنا بقداستها ذاتها، بنظرةٍ مليئةٍ بالرجاء والعطف، والتي منها تنبعُ كلماتٍ مثل هذه: “لا تخفْ، يا بنيّ، فاللهُ يحبّكَ، يحبّك شخصيًا. أرادكَ قبل أن تجيءَ إلى العالم ودعاك إلى الوجود ليملأك بالحبّ والحياة. ولذلك جاءَ للقائكَ وصارَ إنسانًا مثلك فأصبحَ يسوع، الله الإنسان، الذي يشبهُك في كلّ شيء ما عدا الخطيئة، وأعطى ذاته لأجلك حتى الموت على الصليب، وهكذا منحكَ حياةً جديدة، حرّةً وقدوسة وبلا دنس” (راجع أفسس 1، 3-5).
هذه هي الرسالةُ التي تمنحها مريمُ لنا. وعندما أجيء إلى هنا في هذا العيد، فإنّها تلمسني لأنني أشعرُ أنّها موجّهة إلى المدينة كلّها، إلى جميع الرجال والنساء الذين يعيشون في روما: حتى اولئك الذين لم يفكروا بذلك، وحتّى اولئك الذي لم يذكروا اليوم عيدَ المحبول بها بلا دنس، واولئك الذين يشعرون بالوحدة والترك. نظرةُ مريم هي نظرةُ الله لكلّ واحد، فهي تنظرُ إلينا بحبّ الآب ذاته وتباركنا، وتعملُ كـ”محامية” لنا، وهكذا نسمّيها في صلاة السلام عليكِ أيتها الملكة: “محاميتنا”. وحتّى إذا تكلّم الجميعُ بالسوء عنّا، فهي، الأمّ، تتكلمُ بالخير لأنّ قلبها غير المدنس يتوافقُ مع رحمةِ الله. وهكذا ترى المدينة: ليس ككتلةٍ مجهولة بل ككوكبةٍ يعرفُ فيها اللهُ الجميعَ شخصيًا باسمائهم، واحدًا فواحدًا، ويدعوهم أن يتألقوا بنوره. فالأولون في عيني العالم هم آخرون في عيني الله، والصغار هم كبارٌ لدى الله. مريمُ تنظرُ إلينا كما نظرَ الله إليها، شابة الناصرة المتواضعة، عديمة المعنى في نظر العالم، ولكنها مختارة وثمينة عند الله. وهي ترى في كلّ واحد مثالَ ابنها يسوع، وإن كنّا مختلفين! ولكن، مَن أكثر منها اختبرَ قدرة النعمة الإلهية؟ مَن أفضل منها يعرفُ أن ليس هناك أمرٌ مستحيل عند الله، لا بل إنه القادر على استخراج الخير من الشر؟
هذه هي إذًا، أيها الإخوة والأخوات، الرسالةُ التي نتلقّاها اليوم عند قدمي المحبول بها بلا دنس. إنها رسالة ثقة موجّهة لكل شخصٍ في هذه المدينة وفي العالم كلّه؛ رسالة رجاء مكتوبة ليس بكلمات بل بقصّتها ذاتها التي تروي عن امرأةٍ من نسلنا، أعطت ابنَ الله للنور وشاركت وجودها بأكمله معه! واليوم تقولُ لنا: هذا هو مصيرك، مصيركم، مصير الجميع، أن نكون قديسين كأبانا السماوي، وبلا دنس كأخانا يسوع المسيح، وأبناء محبوبين مُتّخذين لنكوّن عائلةً واحدة بدون حدودِ الجنس أو اللون أو اللغة، لأن الله واحدٌ وهو أبُ كلّ إنسان.
شكرًا لكِ يا مريم المحبول بها بلا دنس، لأنّكِ دومًا معنا وعينكِ مفتوحة دومًا على مدينتنا. عزّي المرضى، شجّعي الشباب، اسندي العوائل، امنحينا القوة لنرفض الشر بكل أشكاله ونختار الخير حتّى لو كلفنا وأجبرنا على السير عكس التيار. أمنحينا الفرح بأننا محبوبون من الله ومبارَكون منه ومختارون مسبقًا لنكون أبناءه.