رسالة الميلاد للمطران عصام يوحنا درويش

Share this Entry

سيدني، الجمعة 17 ديسمبر 2010 (ZENIT.org). – ننشر في ما يلي رسالة الميلاد للمطران عصام يوحنا درويش راعي أبرشية الكنيسة الملكية الكاثوليكية في أستراليا ونيوزيلندا.

* * *

المطران عصام يوحنا درويش

بنعمة الله

راعي أبرشية الكنيسة الملكية الكاثوليكية

في أستراليا ونيوزيلندا

إلى الكهنة والشمامسة والمؤمنين والمؤمنات 

المسيح ولد!.. فمجدوه 

“هوذا حبيبي مقبل، وهو يطفر على الجبال ويقفز على التلال.

حبيبي يشبه ظبيا أو أيّلا صغيرا واقف وراء حائطنا يتطلع من النوافذ ويترصد من الشبابيك.

قد ظهرت الزهور في الأرض ووافى أوان الأغاني. 

حبيبي لي وأنا له ” (نش 2/8-16)  

تُعبّر هذه الكلمات المأخوذة من نشيد الأناشيد، وهي قصائد كتبها سليمان الحكيم في العهد القديم، عن مشاعري في هذه الأيام الخلاصية وعن مشاعر كل إنسان ينتظر مجيء الرب  من السماء فالله أراد أن يأتي إلينا ويسكن فينا وفي ما بيننا، فكان الميلاد. تجسد كلمة الله في أحشاء العذراء مريم بنعمة الروح القدس وصار واحدا من الجبلة التي خلق، صار إنسانا مثلنا وشابهنا بكل شيء عدا الخطيئة. لم يسكن في الأرض لمدة طويلة من الزمن بل بما أنه ملء الزمن صار منذ ميلاده في مغارة بيت لحم، يسكن قلوب البشر مثلما سكن في أحشاء أمه مريم العذراء. إن حبيبي مقبل إليّ، إنه لي، لنا جميعا ونحن له، “نحن شعبه وغنم مرعاه” (مز 100/3). 

سمعنا مرارا إنجيل الميلاد وبتنا نعرف أحداثه غيبا: دعوة أغسطس للإحصاء، سفر العذراء من الجليل إلى بيت لحم، مغارة بيت لحم، الولادة العجيبة، الملائكة، الرعاة وبعدها قدوم المجوس من بلاد فارس. إنها كلمات بسيطة وسهلة الفهم تصف حدث الميلاد لكنها كلمات عميقة لأنها تحدثنا عن سر عظيم يفوق إدراك البشر، عن تنازل الله من العلاء ليصير قريبا منا فقد اختار أن يولد من امرأة ومن الروح القدس، صار إنسانا مثلنا، أخضع جسده للألم وللموت لكنه أيضا ظهر إلها فصنع العجائب وأشبع الجياع وأقام الأموات وبعد ما صلب قام منتصرا على الموت.  

يحاول بعض البشر أن يفتشوا عن الله بعيدا عن ذواتهم فيتخيلونه ساكنا وراء الغيوم، إلها متعاليا، ديانا، يحرك البشر كالدمى ولا قدرة لأحد أن يصل إليه، يختار عنهم ويكتب قدرهم. لكن المسيحي الذي تعمد بالروح توقف عن هذا التخيل ولم يعد يراه في منامه ولا يصوره وفق رغباته ولا يصنعه كما يريد، ففي الميلاد أتى الله إلينا بطريقة غير مسبوقة وفيها لمسناه، قاربناه، تحدثنا إليه، حرر إرادتنا، تأملنا وجهه، لم يعد غريبا عنا، صرنا نتمتع به وقد ملأنا من نعمه: “النعمة والحق فقد أتيا عن يد يسوع المسيح. (يو 1/17) 

لن ننتهي أبدا من التأمل بعظائم هذا الحدث  ومن اكتشاف حب الله لنا، إنه حب عظيم ومجاني ولا حدود له. والكتاب المقدس في عهديه القديم والجديد، يروي لنا كيف قدم يسوع نفسه مخلصا، فهو لم يأت إلينا إلا ليعطينا ذاته ويشترينا بدمه الكريم وينقذنا من العدم وبخاصة من الخطيئة. لكن مشروع الله لم يتوقف عند هذا الحد فقد أراد بتجسده أن يؤلهنا ونبلغ به إلى الله الآب في شركة روحية معه كما علمنا القديس أتناسيوس الإسكندري “الله صار إنسانا ليصير الإنسان إلها”.  

في هذا الموضوع كتب القديس بولس موضحا بأن الله هو أبونا ونحن أولاده وورثته بيسوع المسيح:  “لما بلغ ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولودا من امرأة، مولودا تحت الناموس، ليفتدي الذين تحت الناموس، وننال التبني. والدليل على كونكم أبناء، أن الله أرسل إلى قلوبنا روح ابنه، الروح الذي ينادي: ((أبّا))، ((يا أبت))! فأنت إذن، لست بعد عبدا، بل أنت ابن؛ وإذا كنت ابنا فأنت أيضا وارث ((بنعمة)) الله” (غلا 4/4-7). 

الروح القدس الذي ظلّل مريم وأنعم عليها بأن تلد يسوع بدون مباشرة رجل، هو الذي يُنعم علينا أيضا  ويعطينا حياة جديدة ويجعلنا شركاء لطبيعته الإلهية، إنه يعكس فينا نور المسيح ويجعلنا نرث عدم الفساد. إنه القوة التي تقدسنا وتوحدنا بالمسيح وتجعلنا نتجدد ونتقدس ونولد من جديد. إن زمن الميلاد هو دعوة بامتياز  لنلاقي المسيح المخلص ونستقبله في حياتنا، وأن نتجدد به ونتطهر، فلنفتح له باب حياتنا ولنترك نعمته تحررنا من كل عائق يوصلنا إلى علاقة حميمة مع الآب السماوي.  

أيها الأحباء

في هذا الوقت المقدس أريد أن أُذكّر أهلنا بأن يولوا اهتماما كبيرا في تربية أولادهم تربية مسيحية، فأولادكم وشبابكم متعطشون لكلمة الرب التي دونها الإنجيليون بإلهام الروح القدس. إننا نلاحظ قصورا لدى كثيرين من العائلات في معرفة الإنجيل وتقديمه وشرحه وزرعه في قلوب أولادهم.

لذا أحثكم على المثابرة في قراءة الكتاب المقدس لأن كلمة الله هي مصدر الأخلاق والحياة الروحية وهي وحدها تنير دروبنا وتخط مستقبلنا وتساعدنا لنجابه تحديات الحياة، أننا نؤمن بأن كلمة الله هي المرجع الوحيد لحياة العائلة.

كما أطلب منكم أن تشجعوا أولادكم في الانخراط في حركات شبيبة كنيستنا فالاجتماعات التي تعقد في الرعايا تهدف، من خلال النشاطات الروحية والاجتماعية التي يقومون بها، إلى المساهمة معكم في نقل الإيمان لأولادكم وإلى الاحتفال معهم، ضمن جماعات صغيرة ومتجانسة، بحضور الله في قلوبهم وبأن يكونوا شهودا للإنجيل ورسل محبة وتفاهم في مجتمعهم.

في زمن الميلاد، نرفع معكم الشكر من أعماق قلبنا، ليسوع المخلص الذي أراد أن يأتي إلينا ليخلصنا ويكون معنا ويرافقنا في أيام حيات
نا. فللمولود في مغارة بيت لحم المجد والعزة والإكرام والسجود إلى دهر الداهرين.  

25 ديسمبر 2010 عيد ميلاد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير