مصر، الثلاثاء 21 ديسمبر 2010 (ZENIT.org). – ننشر في ما يلي رسالة المطران عادل زكي، مطران اللاتين في مصر بمناسبة عيد الميلاد المجيد.
* * *
عيد الميلاد من أكثر الأعياد إنتشاراً وشعبية في العالم ، حتى ولو البعض لا يحتفل به في نفس اليوم. هو الموسم الذي نتنافس فيه لتقديم الهدايا وإعداد وجبات شهية مع العائلة والأصدقاء . المحلات التجارية مكتظة بالبضائع، والشوارع صاخبة ومزدحمة. وخلال بضعة أيام نتوهم بأن الوقت قد توقف، إنها هدنة عيد الميلاد.
كل عام ، نحن نحيي سر الميلاد ، بتعجب وانبهار، وفي الوقت ذاته، علينا أن نكتشف كيف أن قوة الحب المنبعثة من هذا الحدث تغمرنا. ربما علينا أن نحاول الدخول بعمق في سر الحب الإلهي. إذا كنت لا تعرف كيفية الاقتراب من هذا الطفل – الله الذي يمد لك يده – عد واقرأ إنجيل الميلاد ستجد فيه العديد من الأفكار الروحية العميقة، أولها حينما وضعت مريم مولودها في مذود. هذا يعلمنا أن ابن الله يحتاج أولاً الى الترحيب والمكان. وذلك على غرار ترحيب مريم التي استقبلته أولاً في رحمها ثم أودعته مذوداً حقيراً. هذا المذود يرمز لقلب الإنسان الذي يستقبل مخلصه.
فعيد الميلاد يبدأ بترحيب كل منا بيسوع وتحول قلبنا لمذود. إنها دعوة إلى إفساح مكان فينا وبيننا لاستقبال كلمة الله. نتساءل: ما هي المساحة التي أوفرها لاستقبال المخلص؟
ثانياً الانصات والصمت للعائلة المقدسة بعد الولادة. مريم لما تتكلم، يوسف لم يتكلم،فالصمت تمهيد لتجلي الله. عيد الميلاد دعوة لكل منا للدخول في الصمت لكي نصغي لما يريده الله منا. دعوة للصمت لكي نحسن استقبال كلمة الله الحي الذي صار إنساناً. إنها الرغبة في التحرر من الضوضاء التي نسببها لأنفسنا. إنها الموافقة على التوقف والانسحاب للصلاة ، والسماح للكلمة الحقيقية أن ينظُر إلينا.
هذا هو النداء الثاني الهام الذي يريده الله منا في هذا العيد: تعالوا لمقابلته في أعماق نفوسنا، لأن الله لن يأتي لمقابلتنا خارج أنفسنا بل في داخلنا. هذا هو الاكتشاف العظيم الذي قال عنه القديس أوغسطينوس:“أنت كنتَ في داخلي وأنا الذي كنتُ في الخارج. وفي الخارج كنتُ أبحث عنكَ أنت كنتَ معي بينما أنا لم أكن معك. “
ثالثاً الذي يمكن أن يساعدنا على الدخول في سر الميلاد حقيقة الفقر الذي اختاره الله ليشاركنا في إنسانيتنا. قال القديس بولس الرسول في رسالته إلى أهل فيلبي عن يسوع، الأقنوم الثاني من الثالوث : “هو الذي في صورة الله لم يعدّ مساواته لله غنيمة بل تجرد من ذاته متخذا صورة العبد وصار على مثال البشر وظهر في هيئة إنسان“ إلهنا هو الإله الذي يتنازل لعطاءٍ دائم. الذي يعوقنا من الدخول في سر الحب هو “الأنا القديمة” التي ترفض التنازل والخدمة. لابد من إماتة “الإنسان العتيق” حتى يولد فينا من جديد الله الطفل ، وهذا هو النداء الثالث المهم الذي يرسله الله لنا في هذا الوقت: معرفة الله الفقير، ومحبة الفقراء كأصدقاء الله، واتخاذ المكان الأخير أي مكان الخادم مثل يسوع، وجعل حياتنا استجابة فورية للمحبة، للذي جاء ليعطينا حياته.
وأخيرا ، هناك فضيلة لاتذكر لها قيمة في عالمنا اليوم ، ولكنها سر الأسرار الذي يوصل إلى سر الحب لعيد الميلاد. هذه الفضيلة التي تفتح أبواب القلوب، هي التواضع : تواضع مريم ويوسف اللذين لم يتوقفا عن تمجيد الله في قلبيهما، وتواضع الملائكة الذين يمجدون لله، وأيضاً تواضع الرعاة الفقراء الذين كانوا أول من تلقوا بشارة الميلاد.لقبول سلام الله الذي أرسله لنا، علينا التحلي بالتواضع، بتواضع من يحتاج إلى الخلاص.
كيف نستطيع الحصول على الغفران ونحن لا نملك التواضع أي الإقرار بخطايانا؟ كيف نبني علاقة حب حقيقي بدون التحلي بالتواضع ونكران الذات لإفساح مكان للآخر؟
هذه بعض الأفكار التي تساعدنا على فهم سر الحب الذي أعلنه لنا الرب من خلال ميلاده.