بكركي، الخميس 23 ديسمبر 2010 (ZENIT.org). – ننشر في ما يلي رسالة الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير بمناسبة عيد الميلاد المجيد.
* * *
فقال لهم الملاك: "لاتخافوا! ها أنا أبشّركم بخبر عظيم يفرح له الشعب".
إنّ عيد ميلاد السيّد المسيح بالحسد هو مجلبة فرح وسعادة للمؤمنين. لقد وُلد كما يولد جميع الناس، وعاش كما يعشون في دنياهم، ما عدا الخطيئة، لكنّه مات على الصليب تكفيرًا عن خطايا الناس أجمعين. وجاء ليعلّمنا كيف نعيش مع بعضنا بالتضامن والمحبّة والتآزر. وهو لا يزال ينادي منذ أكثر من ألفي سنة: "أحبّوا بعضكم بعضًا كما أنا أحببتكم"(يو13: 34). وقد كلّفته محبّته إيّانا سفك دمه على الصليب.
وأعطانا أمثولة لا تنتسى في التواضع عندما غسل أقدام تلاميذه (يو 13: 5). وقال: "إن كنت أنا الربّ والمعلّم قد غسلت أرجلكم، فيجب عليكم أن تغسلوا أرجل بعضكم بعضًا. قد أعطيتكم قدوة حتّى إنّكم كما صنعت أنا بكم تصنعون أنتم أيضًا. (يو 5: 13).
وذهب في تضحياته إلى آخر المطاف، فارتضى أن يعلّق على الصليب، كأحد المجرمين حبًّا بنا. وهو كلّي البراءة. وقد كلّفته محبّته إيّانا آخر نقطة من دمه المسفوك على الصليب.
وإنّ عيد ميلاده مجلبة فرح لنا كما قال الملائكة للرعاة: "إنّي أبشّركم بفرح عظيم، لقد ولد لكم اليوم في مدينة داود المخلّص، هو المسيح الربّ. وإليكم هذه العلامة: تجدون طفلاً مقمّطًا، مضجعًا في مذود" (لو 2: 12).
أيّها الأخوة والأبناء الأعزاء،
من شأن العيد أن يدخل الفرح إلى قلوب المؤمنين. ولكنّ العيد هذه السنة، مثله في السنوات الفائتة، وإن كان مدعاة فرح، فهو لا ينفي عن المؤمنين ما يشعرون به من قلق على وطنهم ومصيرهم. وقد انقسموا على ذواتهم وفيما بينهم. فمنهم من يدين بالولاء لشرق، ،منهم من يدين بالولاء لغرب، وهذا من شأنه أن يباعد فيما بينهم، بينما أن يجمعهم حبّهم لوطنهم وتضحياتهم في سبيله. والأوطان لا تقوم وتنهض إلاّ بتضحيات أبنائها.
وكلّ منّا يريد أن يكوّن وطنًا على قياسه، وأن يتولّى شؤونه دون سواه من المواطنين، إلاّ إذا كانوا على مذهبه السياسيّ وهذا خطأ كبير. فالوطن يتسع لجميع أبنائه على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم، شرط أن يخلصوا له الولاء وحده دون سواه. ولا شراكة في الولاء للوطن. وإن كان هناك صداقات ومصالح، مع أوطان ودول خارجيّة، لكنّها تبقى على مسافة شاسعة من الوطن في ما خصّ الإخلاص له. ولا شراكة في الإخلاص الوطنيّ.
وقد أعطانا الله وطنًا جميلاً، فيه جميع المناخات على صغره، وهو عريق في التاريخ، وحسبه أن يكون موطنًا للأنبياء والقدّيسين. وهذا وحده كاف لكي يحفّزنا على محبّته، والتضحية في سبيله، وإعلاء شأنه.
وإنّا، إذ نهنّئكم جميعًا بهذا العيد سائلين الله تعالى أن يكون بالنسبة إلى كلّ منكم مجلبة فرح وسعادة، نسأله تعالى أن يحفظ لبنان وأبناءه على خير وعافية، ويعيد عليكم أعيادًا عديدة ملؤها الخير والبركة.
بكركي في 24 كانون الأوّل سنة 2010
الكردينال نصر الله بطرس صفير
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق