تأمل مدير الإرسالية القبطية الكاثوليكية في باريس
روما، الثلاثاء 19 أبريل 2011 (Zenit.org) – قبل أيام قليلة من تطويب يوحنا بولس الثاني، ننشر هذا التأمل الذي أعطي حصرياً لوكالة زينيت من قبل المونسنيور ميشال شفيق، مدير إرسالية باريس القبطية الكاثوليكية – سيدة مصر.
“بالنسبة إلينا نحن الأقباط، يبقى يوحنا بولس الثاني البابا الأول الذي ذهب إلى مصر”، حسبما يقول المونسنيور شفيق خلال عرضه رحلة الحج الموضوعة من قبل البابا البولندي تحت شعار الوحدة. “في زمن الربيع المصري”، “يدوي صدى رسالته الداعية إلى المحبة والتسامح بشكل آني مذهل”، بحسب اعتبار الأسقف القبطي.
ختاماً، يذكر مدير إرسالية باريس القبطية الكاثوليكية مختلف “فصول” الوجود التي انسجم معها يوحنا بولس الثاني “بطريقة رائعة”. من “شاب نشيط متلهف لتغيير العالم” إلى “رياضي الماضي الذي أصبح ضعيفاً”، يتحدث المونسنيور شفيق عن ولادة جديدة: ولادة قديس.
***
“أعلنوه قديساً على الفور!” كانت تهتف الحشود المجتمعة في ساحة القديس بطرس. حشود مختلفة ومتنوعة على مثال الكنيسة الجامعة؛ حشود يتيمة كانت قد فقدت حبرها الأعظم، الحبيب يوحنا بولس الثاني.
في سبيل الاعتراف به كقديس، تقتضي الإجراءات بأن تُؤكد معجزة. في ذلك اليوم، حصلت المعجزة فعلاً: اتفقت الكنيسة مع تلهف الناس بحيث تم اليوم إعلان يوحنا بولس الثاني طوباوياً، بعد مرور ست سنوات على رحيله.
عندما كان خليفة بطرس يسير على خطى مرقس
لكل فرد يوحنا بولس الثاني الخاص به. إنه أخ جميع البولنديين، أب الجيل الذي يحمل اسمه. بالنسبة إلينا نحن الأقباط، يبقى البابا الأول الذي ذهب إلى مصر. وخلال هذه الرحلة التي حصلت من 24 ولغاية 26 فبراير من عام 2000، حيا أرضنا التي “شهدت بداية وتحقق تاريخ الخلاص” مع الوحي لموسى، وهرب العائلة المقدسة ونشأة التقليد الرهباني.
رحلة تحت شعار الوحدة
إن رحلة الحج هذه التي حصلت على خطى مرقس وضعها الحبر الأعظم تحت شعار الوحدة.
– الوحدة بين المسيحيين أولاً
خلال اللقاء المسكوني الذي عقد في القاهرة في كاتدرائية سيدة مصر بمدينة نصر، دعا يوحنا بولس الثاني المسيحيين إلى تشكيل “جسد واحد، صورة العالم المستقبلي”. والقبلة التي تبادلها رأس الكنيسة الكاثوليكية مع البابا شنودة الثالث، رأس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والدكتور صفوت البياضي، رأس الكنيسة الإنجيلية، والأسقف غياث عبد الملك، رأس الكنيسة الأسقفية، كانت دليلاً مؤثراً على هذا التوق المشترك إلى الشركة التامة.
كذلك حث يوحنا بولس الثاني الكاثوليك من مختلف المذاهب الممثلة في مصر (الروم الكاثوليك، السريان الكاثوليك، اللاتين، الأرمن الكاثوليك والموارنة) على تنمية وحدتهم بشكل أكبر.
– من ثم الوحدة بين المؤمنين من مختلف الديانات
في هذا البلد الذي تهيمن فيه الديانة المسلمة بشدة، أراد البابا التحاور أيضاً مع الإسلام. فاللقاء الذي جرى بين يوحنا بولس الثاني ورئيس إحدى أكبر وأقدم المؤسسات الإسلامية، الشيخ محمد سيد طنطاوي، إمام الأزهر، شكل حدثاً تاريخياً لم يسبق له مثيل. وكان يعبر عن اهتمام الكرسي الرسولي بالإسلام، وعن رغبته في مد جسور من التفاهم والحوار مع الإسلام.
شدد البابا على الدور الإيجابي الذي تؤديه في هذا المجال الكنيسة القبطية الكاثوليكية التي كانت تسير آنذاك بإرشاد غبطة البطريرك اسطفانوس الثاني غطاس. وسُر بالتزام البطريركية في إقامة علاقات ودية مع المسلمين “لكي يسعى أفراد الجماعتين بصدق إلى التفاهم المتبادل، ووضع طاقاتهم في خدمة البلاد”.
في زمن الربيع المصري، يدوي صدى رسالة المحبة والتسامح بشكل آني مذهل.
توقف عند الصورة
تظهر أفلام من الأرشيف يوحنا بولس الثاني المحني الظهر الذي يسير ببطء شديد. عشية أعوامه الثمانين كان وضعه الصحي يتدهور بشكل نهائي. إلا أن هذا الواقع لم يخفف من حماسة الحشد، وهتافات الفرح وأناشيد الترحيب التي رافقته طوال مسيرته.
إن كانت حماسة الأقباط الكاثوليك واضحة، وإن كانت حماسة الأقباط من المذاهب الأخرى متوقعة، فإن تلك التي عبر عنها المسلمون كانت تثير الدهشة. فقد كان أحد جوانب يوحنا بولس الثاني متناغماً مع جانب فيهم: إيمانه المطلق بالله، هذه الطريقة التي كان ينحني بها إلى الأسفل أمام العلي.
على درب التقديس
كيف تُفسر المحبة التي كان يوحنا بولس الثاني يثيرها أينما مر؟
رجل الموقف
عنه، يتم التحدث عن هبة لدنية، أي عن نعمة وسحر أو ببساطة أكثر، عن إنسانية. إنها إنسانية الرجل الملتزم، رجل الموقف الذي بعد مكافحته للنازية، واجه الشيوعية من ثم النسبوية وما بعد الحداثة التي كانت تريد التخلص من المسيحية.
إضافة إلى تعاليمه، تأثرت الحشود بشهادة حياته. إنها حياة لم تخل من المحن. على الرغم من تيتمه بعمر الصبا، وعيشه في بلد محطم بفعل نظامين شموليين، ووقوعه ضحية محاولة اغتيال والعديد من الاعتداءات والاتهامات الباطلة، لم يتراجع تألقه.
لقد حظيت بنعمة لقاء يوحنا بولس الثاني، وتبادل بعض الكلمات معه. وتأثرت بإنسانيته المتألقة، وبتكريمه للحياة، وافتتانها بها.
قديس
القديس هو الذي تسكنه محبة الآب فيصبح بشرياً كلياً وعلى أكمل وجه، بحيث يعكس النور الإلهي.
لقد شهدنا عبور يوحنا بولس الثاني للوجود، وانسجامه بشكل رائع مع كل فصل من فصوله.
لقد كان شاباً متحمساً متلهفاً
لتغيير العالم بإعلان البشرى السارة.
وفي مرحلة الكهولة، في منتصف حياته، انتخب حبراً أعظم. وأصبح المدافع عن الله، المحارب الذي كان يريد إزالة الجدران. في كل الجدران، الجدران الحجرية والجدران الجسدية، كان يجد ثغرة ويفسح مجالاً للعبور.
ختاماً، وفي شيخوخته، أوكلت إليه رسالة جديدة: أن يكون رسول الضعف. رياضي الأمس أصبح ضعيفاً، أضعف من بريق البلور. وبكل جوارحه، رضي بهذا التراجع.
رأيناه يشيخ. فتكوم جسده وكان يبدو أنه لم يعد يحتويه. حتى ذلك اليوم الذي تمزق فيه الغطاء في ظل عمل ولادة جديدة: ولادة قديس.
“أعلنوه قديساً على الفور!”
المونسنيور ميشال شفيق
مدير إرسالية باريس القبطية الكاثوليكية
سيدة مصر
باريس، أبريل 2011