روما، الثلاثاء 19 أبريل 2011 (ZENIT.org). – يا لجمال قدّاسك الأوّل أيّها الحبر السّماويّ!
شئته في صهيون حيث سكنى إله إبراهيم وإسحق ويعقوب.
أردته في علّيّة صغيرة، حيث الهدوء والسّكينة تعانقا.
فكنت الكاهن والذّبيحة!
يومها ضاء الإيمان شموعا، وفاح الحبّ عطرا، وتعالت أناشيد الملائكة في الأعالي.
يومها حملتَ ذاتك بيديك المقدّستين وقدّمتها للبشريّة قائلا: “هذا هو جسدي”.
يومها لم تُرد أن تعظ وتعلّم بل أن تُكسر وتُأكل.
يومها لم تكتفِ بأن ترفع القرابين تكفيرا، بل أن تُقرَّب أنت نفسك قربانا.
يومها لم تُبقِ على محرقات اللاويّين وتقدماتهم، بل خلقت الكاهن الجديد على صورتك ومثالك.
ففي البدء كان “الكلمة”، ويومها صار “الكلمة” خبزا، وسُكب الحبّ خمرا؛ بل يومها، تحوّل الخبز لحما وتدفّق الخمر دما ففرغت أجاجين الخمرة العتيقة…
لا، لن ينفد الخمر بعد اليوم يا سيّد! فأجاجين الكنائس مملؤة حتّى الثّمالة، والظّامئون كثيرون، لكنّ المستقين قليلون.
مِن قبلُ، أشبعت الآلاف خبزا، ويومها أضحى الخبز جسدك الأقدس؛ وكأنّك تردّد ما قلته لبطرس: “إنّ ما أفعله لا تفهمه الآن، ولكنّك ستفهمه فيما بعد”.
خبزٌ جسد؛ وخمرٌ دم. سرّ بعيد الأغوار! نَفَدَ الفكرُ يا سيّد، فأجاجين الفلسفة الحقّة فارغة، أمّا جرار الفلسفات الفارغة ففائضة.
وحده الإيمان بك، يمكنه أن يحوّل حقائق الأسرار العميقة إلى وقائع مرئيّة ومحسوسة.
قدّاسك الأوّل يا كاهن العهد الجديد، ذبيحة حبّ طويلة ما انفكّت تتجدّد على مرّ الأجيال والأيّام. حدث إلهيّ مهيب، له امتداد زمنيّ نهيويّ!
قدّاسك يا سيّد، هو سرّ حضورك الدّائم واقعا وفعلا وجوهرا، بجسدك ودمك الأقدسين تحت شكلي الخبز والخمر من أجل الخلاص. تُقرَّب للآب بصورة غير دمويّة، وتُكسَر للنّاس قوتا وغذاء لنفوسهم.
يا لَجمالِ قدّاسك الأوّل يا يسوع المسيح، أيّها القربانة الأولى.
فمن أجل الأرض التي ارتوت من دم فدائك، والإنسان الذي صهرت فيه بصليبك الظّافر صورتك، نصلّي لك اليوم.
من أجل الشّعوب برمّتها التّواقة إلى خلاصك الدّائم، ولو دعتك تارة بالسّعادة، ونعتتك طورا بالحرّيّة بحسب مفاهيمها الخاصّة بها، وغضّت الطّرف عن اسمك الحقيقيّ الذي سوف تجثو له كلّ ركبة في السّماء وعلى الأرض، نصلّي.
من أجل سفينة كنيستك المُبحِرة في يمّ هذا العالم الغاضب، كي لا تقوى عليها رياح الرّياء المتعدّدة، والتّيارات الفكريّة المنحرفة، والإديولجيّات الاستهلاكيّة المعاصرة، نهرع إليك ونصلّي.
في سكون المساء، وهدأة بيتك الخاشع… بعيدا عن ضوضاء المدينة، وضجيج الأزقّة، وصخب الشّوارع، تحلو الصّلاة لك، ويطيب الدّعاء عند أقدام صليبك الصّامت!
يا أيّها الحبّ الدّافئ في حنايا نفوسنا، والنّسمة المحيية في عمق أعماقنا! أيّها الجمال المختبئ في وهاد قلوبنا! قد صُلبتَ على خشبة الضّعف والهوان وأنت القدرة المطلقة الكامنة ما وراء المكان والزّمان!
أمّا نحن الذين لم نستطع مشاركتك قدّاسك الأوّل في علّيّة صهيون وعلى مذبح الجلجلة، فهلاّ أشركتنا في قدّاسك النّهيويّ في علّيّة السّماء، يا إله الحبّ والفداء والرّجاء!