الأب الدكتور سميح رعد
بروكسل، الأحد 24 أبريل 2011 (Zenit.org). – جدار المستحيل يمكن كسره! هذه هي قصة البشرية جمعاء منذ نشأتها الأولى، منذ اكتشاف النار، منذ الوعد الأول بالحب، إلى اليوم، حيث يمكننا زراعة قلب بشري، حيث الشرعة العالمية لحقوق الإنسان... هي قصة البشرية، قصة كل الأجيال، قصة اقتحام المجهول وتحقيق المستحيل.
كثيرٌ من الرجال والنساء راهنوا بحياتهم من أجل النهوض بالعلم والعدل والقانون، دون أن يروا نجاح جهودهم، وأحيانًا لقرون عدَّة جاهد رجال ونساء كثيرون دون أن يفقدوا الأمل، ودون أن ييأسوا ...قلب الإنسان مصنوع من طعم المستحيل!
لماذا الحديث عن المستحيل في هذا الزمن الذي نعيش فيه؟
أعلن المسيح عن حياة جديدة في مدن الجليل، على حدود بحيرة طبرية، في شوارع القدس وأروقتها... في أحياء صيدا وصور...
منح الفقراء والودعاء والمضطهدين سعادة جديدة. الأشرار والخطأة والمستبعدون، بدأوا يشعرون أن لهم مكانة في عالم المسيح الجديد. شفى المريض، سقى العطشان... حرَّر المأسور...أخذ الإنسان يتمتع بإنسانية جديدة... الله نصب خيمته بين البشر.
اليوم الذي ألقى فيه فتية أورشليم أغصان الزيتون وسعف النخيل وثيابهم تحت أقدام السيد... كانوا يتوقَّعون منه أمرًا أكيدًا، أنه سيغيِّر وجه البشرية، سيكون لها مستقبل مختلف. المستحيل في وجهه، في عينيه، في نظرته، في صوته...
فجأة، كراهية أصحاب السلطة والمال، تفاهة أشباه الرجال، أولئك أخذوا يوقِّعون على صكوك القبض على هذا المستحيل الذي يسمَّى المسيح... وكما اشتهوا: قبضوا عليه، حاكموه، عذبوه، قتلوه... ومات المسيح على خشبة الصليب.
الموت أمامنا، جسد هامد، دفن بسيط خارج الأسوار... دفن مليء بالخوف وربما بالرهبة...
نهاية حلم مجنون... ولكن المستحيل أصبح واقعًا، يشبه حجر القبر، والحياة كأنها استعادت طعم الموت... الليل هبط مسرعًا، في تلك الليلة على أبواب أورشليم.
ولكن التلاميذ سرعان ما غيروا رأيهم اليقين بــــالمستحيل. بعض منهم قال: "الله سيقيمه"، بعضهم الآخر قال: "سيجلسه الله عن يمينه..." كتب الرسول بولس إلى أهل كورنثوس: "سيحيا بقوة الله."
هكذا أخذ أصحب المستحيل يخبروننا بطرق عدَّة عن تلك القيامة، عن ظهورات المسيح في أورشليم... في الجليل... قناعة واحدة ثابتة حملها كل هؤلاء: "يسوع الناصريِّ حي."
بدا لقوى الشر أنَّه بإمكانها أن تنتصر. ولكن المستحيل كان قد بذر الأفكار الخصبة في الأرض الطيبة. بعد أن كافح جاهدًا ضد أفكار الموت في قلب الإنسان وفي حياة شعبه... فكسر حتمية الموت.
عندما بدا أن كل شيء انتهى بدأت عدوى حياته بالتوسع في أمداء المكان والزمان.
الآن، الشوق إلى الوصول إلى طعم المستحيل لن يتوقف وخاصةً أمام الموت. كثير من الناس سيعيشون ويموتون مع المسيح برجاء أكيد في أن يكونوا بالفعل قائمين معه.
"لا أمل!"، يقول بعضهم. وبعض الآخر يفتِّشون عن أدلة. ولكن الأدلة تنهك الحقيقة، تتعبها وتخنقها. هل يبقى الإنسان إنسانًا، إذا كان الله يفرض أدلته وبراهينه؟ عندما يبذل الإنسان حياته يجد طريقه. من المفارقات، أنه عندما نغامر نكتشف ونتلقى الحقائق الأسمى. "رأى وآمن"، كما يقول الإنجيل... ولكن ماذا رأى؟ بعض الأكفان مطوية... وقبرًا فارغًا. ولكن معظم الدلائل بدت واهية... المحبَّة تكفي، واليقين الشفاف لا يُدعم بالبرهان: شعَّ ضياء المسيح القائم في هبة الحياة.
كل الذين شاركوا المسيح طريقه، في رؤيته الجديدة، وفي كلامه الطيب، وفي أفعاله المحيية يحيون من هذه الحياة المنتصرة على الموت. هذه الحياة لا يمكن أن نحياها بطريق العقل، لأنَّها مشاركة دائمة بحياة المسيح. لا يمكن فصل موت المسيح عن قيامته، ولا عن حياته وتعاليمه وأفعاله الخلاصية...
القيامة هي جزء من تجلِّي الله... من حبه... نلتحق بيسوع القائم وهو يقول لنا اليوم: "ليس هناك حب أعظم من هذا أن يبذل الإنسان نفسه فداءً عن أحبائه."
ويتهيَّأ لنا أن الله يدعونا إلى السير نحوه في الظِلال، فنمضي معه بمشاعر هشَّة وبإيمانٍ ضعيف، كما سار تلميذا عمَّاوس. نؤمن من جديد فنحقِّق ما لا يمكن أن يتحقَّق.
إله لا يطلب شيئًا، أعطى الإنسان أن يبدع مما منحه إياه، أعطاه أن يبتكر من الظِلال ضياءً يفيض من هذا العالم.
اليقين الأكيد، الذي بدا لنا بعيوننا هشًا، يتألَّق كما يتألَّق النور في بلورة صافية...
بالمقابل إذا نخر الشكُّ هذا اليقين الراسخ في الوجود، فلن يكون إلا محاولة لحبس النور المنبعث في الديجور، فاليد التي تريد سجن الفراشة ستقتلها.
علينا أن نستقبل فصح المسيح بأن نعيشه. المسيح لا يحبُّ أن نقف عند القبر، أو أن ننظر كثيرًا إلى السماء: "هو يسبقكم إلى الجليل... كما أرسلني الآب، أرسلكم أنا أيضًا... لماذا تنظرون إلى السماء؟"
في بلاد البشر علينا أن نقيم الحياة من بين الأموات، ونطبع وجه الله في وجه الإنسان، في الحجر الخام الذي يسميه الناس المستحيل.
"الإنسان هو الممكن". نعم، الإنسان حفنة من أحلام تبدو مستحيلة... ولكنها ليست مستحيلة لأن فيها شيئًا من الله، شيئًا من المسيح القائم.
لا يوجد شيء اسمه المستحيل: لا يمكن أن يُحْكَمَ على الإنسان بالموت الدائم... لأن الرجاء فعل حيٌّ بحياةٍ دائمة تفوق رؤيتنا لهذه الحياة...
قلب المسيحيّ مجبول بالرجاء... والنعمة لا تكون إلاَّ بالإيمان والرجاء المحقَّق بالمحبة.
صمت يوم الجمعة العظيمة ما هو إلا وجوم يوم واحد، وإن كان قاسيًا جدًّا... فبهجة القيامة عيدٌ متواصل لخمسين يومًا... يتخلَّله الصعود ويختتم بعنصرة الروح في قلوبنا... وعقولنا.
قلبي مجبول بالرجاء والمحبة... قلبي تغمره بهجة القيامة...
المسيح قام... حقًا قام