لو قُطفت لكِ ورودُ الحدائق

Share this Entry

بقلم الأب فرنسوا عقل

روما، الاثنين 9 مايو 2011 (ZENIT.org). –      كلّ ما في خيال الكون من نجوم وكواكب ومجرّات، يلهج أبداً بتسبيح من تغمره ذراعاكِ، وتناجيه عيناكِ، وتناغيه روحكِ يا أمّ الله…

     كلّ ما في الطّبيعة من جبالٍ وسفوح وسهول وأودية وهضبات يرفع إلى ابنك وإليكِ صلاة دائمة.

     فكلّما تهلّلت أجراس المساء عند الأصيل، وردّدت الأودية السّحيقة رَجْع صلاتها، وترنّمت الأنهار فرحا، وانحنى البيلسان خشوعا، وترنّحت السّواقي طربا، هرع النّاس إلى مزاراتك ينثرون قلوبهم ورودا، ويرفعون نفوسهم عطورا.

     عجبٌ هو ابنك! ثورة حبّ هو! جعل لأمّنا الأرض أُمّاً، تنضح طهراً وترشح حناناً وتدفق نِعَما… 

     فبقدرة روح يسوع، قد استوحاك رُوّادُ الفكر وعمالقة الفلسفة واللاهوت والشّعر والفنّ والإلهام…

     أجمل ما خطّته يراعة أفرام السّريانيّ، ودانتي التّوسكانيّ، ويوحنّا الصّليبيّ… من روعة الشّعر وجمال الوصف ورونق الكلام كان عنكِ يا مريم.

     وها أنت عبر التّاريخ والأجيال ما برحتِ تتنقّلين بين مشارق الأرض ومغاربها بحضورك الأموميّ الدّائم، تحثّيننا على الصّلاة هنا، وتحضّيننا على التّوبة هناك، وتمنحيننا الشّفاء هنالك… لتذكّرينا أنّ كلّ شيء تحت الشّمس باطل، وما من شيء غير ممكن عند الله. 

     فعندما تظلم بصائرالنّاس، ويغشى الخبث قلوبهم، ويضيق بهم صدر الحقّ… بل حينما تشتعل كبرياؤهم حربا نرجسيّة شعواء، ويدفعهم الحسد إلى ممارسة أعمال الظّلم والتّجنّي، وتغطية الباطل، وطمث الحقائق… ساعدينا يا ابنة الآب.

     لمّا تصبح السّلطة تسلّطا فيتآكلها الجهل وتكتنفها محبّة المال والمصالح الشّخصيّة الضّيّقة، ويعميها جنون العظمة، أعينينا يا أمّ يسوع.

     حينما تغدو الإدارة وظيفة مملّة، لا محبّة فيها ولا شفقة… إرحمينا يا عروس الرّوح.

     حين تُقفل المحابس، وتفرغ المعابد، وتحزن الأجراس، وتخفت الصّلاة في الأديار والنّفوس، ويجدّف على اسم الله بسببنا، صلّي عنّا ولأجلنا يا صورة الكنيسة ومثالها.

     لمّا يثور ثائر الطّبيعة وتشقّق الزّلازل الأرض وتحرقها البراكين، وتغرقها فياضنات الأنهر والبحار، أنقذينا يا ملكة السّماء. 

     فلو قُطفت لكِ ورودُ الحدائق قاطبة، ونُثرت أمامك زهور المروج باقة باقة…

     لو لم تبقَ كنيسة إلاّ وشُيّدت على اسمكِ… ولم يرضَ مؤمنٌ إلاّ وعفّر جبينه أيّاماً بتراب مزاراتِك…

     لو ذابت أمام أيقوناتك شموعُ الإكرام عشرات عشرات…

     ولو فاحت على مذابح ابنك نُسَيمات الرّبيع، وشذايا الوِهاد، وعطور الحقول، بخور عبادةٍ له وإكرامٍ لك…

     ولو جعل النّاس لاسمك من كلّ يوم عيدا وعرسا وذكرى…

ورفعوا إلى مقام سكناكِ سبحات السّلام وترانيم المدح والشّكران، وقرعوا الصّدور طلبا وسؤلا وإلحاحا، وأبواب قلوبهم موصدة، أو من دون أن يقتدوا بواحدة من فضائلك أو يتحلّوا برائعة من مزاياكِ، أو يتَّقِدوا بشرارة من محبّتك، فسُدىً تُرفع كلّ صلاة، وعبثا تُنثر أيّة وردة، ومن دون جدوى تُذرف كلّ عبرة. 

     نعمة أبنك تكفينا يا سيّدة الحبّ والقداسة، ومن له أمّ مثلك لا يخاف السّوء! 

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير