للاب هاني باخوم

سكرتير غبطة بطريرك الأقباط الكاثوليك

روما، الخميس 12 مايو 2011 (ZENIT.org). - "قلبنا إمتلأ فرحاً ولساننا تهليلا لاننا تناولنا من أسرارك غير المائتة يا رب". بهذه الصلاة، صلاة الأوشية بعد التناول، حسب القداس الباسيلي، يعلن المؤمنون حالتهم الوجودية بعد التناول من جسد ودم الرب فيقولون: قلبنا إمتلأ فرحا، ولذا يُهلل لساننا، ويُبارك. يُبارك الرب على كل ما صنع ويصنع في حياتنا، فالقداس هو صلاة شكر، تقدمة شكر، كما تُعبّر عنه الكلمة في اللغة اليونانية "إفخارستيا" ، أي فعل شكر.

هذا هو القداس، سر مقدس، يستطيع ان يجعل المؤمن يَعبُر من حزنه وآلامه الى الفرح والتهليل. هو سر مقدس قادر على تحقيق ذلك الحدث الاساسي في حياة المسيحي، فيجعله يقوم من موته واحزانه وإحباطاته اليوميّة فيشارك الرب في قيامته وإنتصاره على الموت وبالتالي في طبيعته الالهية. هذا هو القداس او بالاحرى احدى معانيه، احدى ابعاده. لذا شعرت انه من المهم الرجوع الى ينابيع القداس القبطي الاولى وعرضها بطريقة مُبسّطة ومختصرة؛ فكيف أُحتفلَ به في العصور الاولى؟ كيف وصل الينا؟ كيف تكونت هذه الصلوات التي هي الآن بين أيدينا؟

ولا أسعى هنا الى تقديم دراسة علمية مفسرة لتاريخ وأصول القداس القبطي، فهناك العديد من تلك الدراسات القيِّمة والتي انجزت هذا العمل. لكن كل ما اسعى له هو تقديم ثمار تلك الابحاث. فهناك من زرع وروى وانا احصد ما تعبوا هم فيه وأعرضه.

الأب متى المسكين، والذي سوف اتبع بشكل كبير دراسته للقداس القبطي، يشبّه القداس وجماعة المسيحيين المشتركين فيه برحلة الى السماء، رحلة الى خارج العالم، صعبة لذلك تحتاج لقائد ومرشد قدير وهو الروح القدس: والذي يأتي ليس فقط كي يُقدّس القرابين ويحولها بل يأتي اولا ليحل على المؤمنين، ويجعلهم قادرين أن يتعرفوا في هذه القرابين على الرب القائم.  ففي القداس يتلاقى المؤمن مع المسيح القائم، فيتحول حزنه الى فرح، كما تحول خوف التلاميذ الى فرح وشجاعة بعد ملاقاة المسيح القائم، فانطلقوا كي يبشروا ويعلنوا قيامته في كل مكان بعد ان كانوا منغلقين في العليّة، خائفين من الآخرين.

قبل التناول، يقول الكاهن في القداس الباسيلي: "اجعلنا كلنا مستحقين يا سيدنا أن نتناول من المقدسات طهارة لانفسنا وأجسادنا وأرواحنا، لكي نكون جسدًا واحدًا وروحًا واحداً ونجد نصيبًا وميراثا مع جميع القديسين". فالتناول يجعلنا بالفعل مشاركين الآن في ميراث القديسين، في هذه الطبيعة الالهية، الآن. وهذا هو السر الكبير، السر العظيم، سر الافخارستيا وقدرته، فهو ليس علامة فقط لما سيكون، ليس تشبيه او رمز لواقع سيحدث، هو اعلان لواقع سري حاضر الآن لمن يدخل في هذه الرحلة السماوية. واقع الحصول على الحياة الابدية من الآن. فكيف دخل الآباء فيها؟ وكيف عبّروا عن هذه القيامة؟ هذا الفرح؟ هذه الحياة الابدية؟

القداس، او الافخارستيا، دخلت مع الرسل في كل الاماكن التي ذهبوا كي يبشروا فيها. دخلت قبل كتابة الاناجيل او الرسائل فكانت هي أساس الصلاة والشركة بين من يستمع الى الخبر المفرح ويؤمن به. في البداية كان الرسل يعلنون سر الخلاص من خلال التبشير، وبهذا الاعلان كان يولد الايمان في من كان يستمع اليهم ويصدق اقوالهم. وكان يتبع الاعلان وقت للموعوظية فيه الموعوظ يُنشأ على الايمان، عن طريق سماع كلمة الله ولمس قدرتها الفعلية في حياته اليومية. وبعد الايمان تأتي المعمودية وبعدها تجتمع الجماعة لإقامة الافخارستيا.

هناك العديد من الشهادات حول الطريقة التي كان يُحتفل بها الافخارستيا في القرون الاولى، واولها من اقليمنضوس الإسكندري (153 – 217م). فماذا يقول؟.......

الى المرة القادمة.