روما، الاثنين 23 مايو 2011 (zenit.org). ننشرُ فيما يلي كلمات البابا بندكتس السادس عشر التي ألقاها ظهرَ هذا الأحد من على شرفة مكتبة الخاصّ في القصر الرسولي في الفاتيكان لتلاوة صلاة ملكة السماء مع المؤمنين والحجّاج المجتمعين في ساحة مار بطرس.
* * *
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء !
يقدّمُ إنجيلُ هذا الأحد، الخامس من القيامة، وصيةً مزدوجة حول الإيمان: الإيمان بالله والإيمان بيسوع. فيقولُ الربُّ لتلاميذه: “إنّكم تؤمنون بِالله فآمنوا بي أيضًا” (يوحنا 14، 1). ليسا بالحقيقة فعلين منفصلين، بل فعل إيمانٍ واحد يكمنُ في الاتّحاد الكامل بالخلاص الذي أتمّه اللهُ الآب من خلال ابنه الوحيد. وضعَ العهدُ الجديد نهايةُ لله اللامنظور، فقد كشفَ اللهُ عن وجهه، كما تؤكدُ إجابةُ يسوع للرسول فيلبس: “مَن رآني رأى الآب” (يوحنا 14، 9). فقد حررّنا ابنُ الله بتجسّده وموته وقيامته، من عبودية الخطيئة ليمنحنا حرّية أبناء الله، وعرّفنا وجهَ الله الذي هو الحبّ. إذ يمكنُ أن يُرى الله، فهو منظورٌ في المسيح. تكتبُ القدّيسة تريزا الافيلية: “ليس علينا الابتعاد عن ذلك الذي يشكّلُ كلّ خيرنا ودوائنا، أي عن الإنسانية القدّوسة لربّنا يسوع المسيح” (الحصن الداخلي، 7، 6: الأعمال الكاملة، ميلانو، 1998، 1001). فبالإيمان بالمسيح وبالبقاء متّحدين معه فقط، يقدرُ التلاميذ، وبضمنهم نحنُ، الاستمرارَ بعملهم الدائم في التأريخ. يقولُ الربّ: “الحقّ الحقّ أقولُ لكم: مَن آمَنَ بي يعملُ هو أيضًا الأعمالَ التي أعملها أَنا” (يوحنا 14، 12).
يتضمّن الإيمان بالمسيح اتّباعه في الحياة اليوميّة، في الأعمال البسيطة التي يتكوّنُ منها نهارُنا. “إنّه تمامًا سرّه، بأن يسلك الله بتواضع، وكتبَ تدريجيًا تأريخه في تأريخ الإنسانية الكبير. أصبحَ إنسانًا، ولكن بطريقةٍ جعلته مجهولاً عن معاصريه، عن السلطات الزمنية. تألّمَ ومات، وأرادَ بقيامته أن يصلَ إلى الإنسانية من خلال إيمان تلاميذه الذين أظهر نفسه لهم. ثمّ يطرقُ بتواضع أبوابَ قلوبنا، فإذا فتحنا له، يجعلنا على مهل قادرين على أن “نرى”” (يسوع الناصري، الجزء الثاني، 2011، 306). يؤكدُ القديس أوغسطينس أنّه “كان من الضروري أن يقول يسوع: “أنا هو الطريق والحقّ والحياة” (يوحنا 14، 6)، لأنّه عندما يُعرفُ الطريق، يبقى فقط أن يُعرف الهدف” (Tractatus in Ioh., 69, 2: CCL 36, 500)، والهدفُ هو الآب. بالنسبة للمسيحيين، لكلّ واحدٍ منّا، الطريقُ إلى الآب هو أن نترك يسوع وكلمة الحقيقة النابعة منه يقوداننا، وأن نتقبّل نعمة حياته. فلنطبّق دعوة القديس بونافنتورة: “افتح عينيك، وأمل أذنك الروحية، افتح شفتيكَ وأعدد قلبك، لكي تستطيع في كل الخلائق أن ترى وتسمع وتحمد وتحبّ وتكرم وتمجّد وتوقّر إلهكَ” (رحلة العقل في الله، الجزء الأول، 15).
أيّها الأصدقاء الأعزاء، واجبُ إعلان يسوع المسيح “الطريق والحقّ والحياة” (يوحنا 14، 6)، يقعُ على عاتق الكنيسة بصورةٍ رئيسية. فلنتضرّع إلى العذراء مريم لكي تسندَ الرعاة وجميع من يعلنون، بمختلف درجاتهم، البشرى السارّة للخلاص لكي تنتشر كلمة الله ويتضاعف عدد الرسل (راجع أعمال الرسل 6، 7).