مشهد التواصل بين دول المتوسط (الواقع المتعثر والآمال المعقودة)

بقلم: حبيب محمد هادي الصدر

Share this Entry

سفير جمهورية العراق لدى الفاتيكان

روما، الجمعة 27 مايو 2011 (Zenit.org). –     يبدو أن وشائج التاريخ والجغرافيا لم تفعل فعلها في خلق المقاربة المطلوبة بين دول حوض البحر الأبيض المتوسط حيث ظلت الهوة السياسية والاقتصادية والثقافية والبيئية بين ضفتيه عميقة وقائمة فيما الضفة الأوربية تنعم بالرفاهية والأمن والديمقراطية وحقوق الانسان والتطور المتسارع. ترزح الضفتين الجنوبية والشرق اوسطية العربية الاسلامية حتى الوقت الراهن في أغلبها تحت نير الدكتاتوريات الشمولية والتنظيمات الراديكالية والصراعات المسلحة والأزمات الاقتصادية الخانقة وما تترشح عنها من تفشي الفقر والأمية والمرض والبطالة والنظرة اليائسة للمستقبل. وهي كلها مناخات ملائمة لنمو أفكار التطرف والعنف وتقليص فرص الحوار والتواصل.

   والحق أن الرئيس الفرنسي (ساركوزي) في مقدمة القادة الذين كان يقلقهم إتساع هذه الفجوة وإنعكاساتها السلبية على أمن واستقرار أوربا عامة وفرنسا خاصة بوصفها تضم أكبر جالية أوربية من أصول إسلامية لم تنجح الى الآن في دمجها بالمجتمع الفرنسي. وأنه كان  يرى أن إيقاف نزيف الهجرة غير الشرعية من الضفة الافريقية لا يأتي إلا بتوفير فرص عمل عبر الاستثمارات الاوربية والمساعدات الاقتصادية وتنشيط كل أشكال التعاون الاقتصادي والتعليمي والبيئي والأمني والحوار الثقافي الأمر الذي يفضي الى تعزيز النفوذ الفرنسي في المتوسط في سياق التنافس مع النفوذ الامريكي المتنامي في عموم المنطقة. وقد قادته هذه الافكار والهواجس الى اطلاق مشروع (الاتحاد من أجل المتوسط) الذي أبصر النور فعلاً في باريس يوم ( 13/ يوليو 2008 ) وأنضوت تحت عضويته (43) دولة ثمان منها عربية الى جانب تركيا ودول الاتحاد الاوربي وكذلك إسرائيل التي أراد (ساركوزي) أن يجعل من هذا الاتحاد وسيلة للتطبيع معها قبل إنهاء الاحتلال. فيما كان ضم سوريا الى الاتحاد كتمهيد لفك إرتباطها مع إيران وتسريع إنخراطها في عملية السلام والتطبيع.

      بيد أن الآمال المعلقة على تفعيل هذا الاتحاد ذهبت أدراج الرياح حيث فشلت الجهود لعقد قمته الثانية وذلك بسبب إستفحال الخلافات بين دول الاتحاد الاوربي حول جدوى هذا الاتحاد وخاصة (المانيا) وتعثر مفاوضات السلام الفلسطينية الاسرائيلية بسبب الأصرار الأسرائيلي على الاستيطان ثم تفاقم الأزمة المالية العالمية وتأثيراتها الضاغطة على دول الاتحاد الاوربي وعلى الاخص اليونان وإيرلندا الأمر الذي عوّق تقديم الاوربيين للمساعدات والميزانيات المقترحة الى بلدان الحوض الأخرى حيث فضلوا تحويلها الى دول الاتحاد الاوربي الشرقية بهدف المساعدة على الاستيعاب في منظومة الاتحاد. وبذلك بقيت الاوضاع الشاذة في حوض المتوسط مستمرة من غير محاولات جادة لمعالجات جذرية.

    وبناءاً على ذلك فإن فكرة إنعاش الأتحاد من أجل المتوسط سوف تبقى بعيدة المنال ما لم يتم تسوية الأسباب التي ادت الى تعثرها وأولها إحراز تقدم ملموس في إيجاد حل سياسي عادل وشامل للصراع العربي والاسرائيلي وثانيهما مناصرة أوربا لشعوب المنطقة في توقها الى الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان والوقوف معها في حركاتها الاحتجاجية للتخلص من ظلم وإمتهان الانظمة الشمولية وفسادها وإهدارها للثروات كي يكون بمقدورها تذوق نكهة الحرية وتنفس الاستقرار والرخاء الاقتصادي والاجتماعي وكذلك تقديم الدعم اللازم للانظمة الجديدة في المنطقة كمصر وتونس بالمزيد من الاستثمارات والمساعدات الاقتصادية وإطفاء الديون المترتبة عليها، فضلاً عن الكف عن التعاطي مع القضايا العربية والاسلامية بمعايير مزدوجة واعتماد المواقف الحكيمة المتوازنة إزاءها.

   كل هذه العوامل ستوفر فرصاً مواتية للتحول في دول الحوض وتساعد على تحقيق القدر المطلوب من الانسجام والتنمية المستدامة والحوار والتواصل بين الحضارات والأديان ويحد كثيراً من شبح الهجرة غير الشرعية والافكار المتطرفة وأعمال العنف المسلح. وصولاً الى رؤية جماعية (حوض وسطية) للتحديات المشتركة المعاصرة كالكفر والالحاد والفقر والمرض والأمية والتشتت الاسري والتحلل الاخلاقي والانتحار والتلوث البيئي وغيرها.      

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير