اليوم العالمي للشبيبة: "نحنُ عائلة واحدة"

موضوعُ اللقاء الرئيسي كان البحث عن الحقيقة

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

رافاييل نافارو فالس

مدريد، الجمعة 2 سبتبمر 2011 (ZENIT.org).- أتّخذ اليومُ العالمي للشبيبة الذي انتهى للتوّ ويتطلّع من الآن إلى اللقاء القادم في ريو دي جانيرو عام 2013، بطلاً له كلمةً بسيطة قسمت البشرية على مدى الأجيال: “الحقيقة”. في كلّ حديث للبابا بندكتس السادس عشر كانت هذه الكلمة حاضرة، بطريقةٍ أو بأخرى.

يكفي أن نذكر أنّ احتقار الحقيقة هو مَن وضعَ المسيح على الصليب، ذلك الصليب الذي حمله الشباب في درب الصليب في فيا كاستيلانا في مدريد. أمام سؤال بيلاطس: “ما هي الحقيقة؟”، يذكرُ بندكتس السادس عشر في كتابه “يسوع الناصري” أنّ الامبراطور الروماني لم يكن “الوحيد الذي همّش هذه القضية معتبرًا أياها غير قابلة للحل، كما اعتبرها لأهدافه الخاصّة غير قابلة للتطبيق أيضًا. واليوم أيضًا، تُعتبر الحقيقةُ مُتعِبة في الحياة السياسية والنقاش حول تشكيل القانون”.

في اليوم العالمي للشبيبة الذي انتهى قبل أيام في مدريد، لم يكن تعبيرُ بيلاطس في حواره مع يسوع نقطةً ورأس سطر، بل نقطة ويتبع؛ أي لم تكن نهاية القضية بل بدايتها. فالموضوعُ الرئيسي الذي يكمنُ وراء حماس وفرح مئات الآلاف من الشباب كان البحث عن مفهوم الحقيقة.

في البداية كان موضوعًا فلسفيًا، إلاّ أنّه كشف عن كونه لقاءً ليس مع شيء، بل مع شخص وهو المسيح. عن ذلك الشخص طلبَ البابا، على سبيل المثال، “التألّم من أجل حبّ الحقيقة”. وعن انتشار الحقيقة على أنّها رسالةُ المكرّسين، ركّز بندكتس السادس عشر بكثافةِ شعاع الليزر. وفي النهاية ذكر البابا، كمفكرٍ عبقري، جملة أفلاطون الشهيرة: “ابحث عن الحقيقة وأنت شاب، لأنّك إن لم تفعل، ستهرب من متناول يدك”.

من وجهة نظري، أعطت راية صغيرة – معروضة وسط جمع غفير في سيبيلس – مفتاحًا آخر لقراءة هذه الأيام. وأشير هنا إلى تلك المكتوبة باليد والتي كانت تقول: “نحنُ عائلة واحدة”. في الواقع أولئك المليوني شاب كانوا يشكّلون عائلةً كبيرة متعددة الأعراق والجنسيات، اجتمعت حول أب الكل وهو بندكتس السادس عشر. في تلك الأيام كان يُستنشق في مدريد “جوّ العائلة” هذا.

كيف واجه البابا راتسنغر هذا الجمع الذي عصف به وهو في خريف حياته؟ كان “الكردينال بانزر” (كما كان البعض يسمّونه عندما كان رئيسًا لمجمع العقيدة والإيمان) يشبهُ محراثًا أكثر من آلة حرب، كما يقول مسوري. وفي أحاديثه في مدريد لم يدس الأرض كالمحدلة، بل حفرها ليضع البذار، بذار تعليمٍ جيّد على أرضٍ شابة. جمعٌ غفير من الناس والشمس في وجوههم – بينما أدار كثيرون ظهرهم للشمس – يقول لك: “لا أعلم إن كنتُ قادرٌ على تحقيق ما يطلبه البابا مني. إن كنتُ قادرًا أم لا، فعلى أيّة حال هو على حقّ، إذ لم يكلمني أحدٌ هكذا”.

في زمنٍ “الانتفاضة الجماعية” للشباب (لندن، أوسلو، “الربيع العربي”، “الغاضبون”) أطلق البابا نداءات متكررة بعدم فقدان الرجاء والتفاؤل واكتشاف قوّة الله في التأريخ ومعنى الألم والتوقف عند “معاناة العالم” .. وطلب “تجذرًا في الإنجيل” بمجهودٍ شخصي، فكان بذلك طلاّبًا، دون كلمات اطراء، بينما كان في الوقت ذاته يوزّعُ الابتسامة على اليمين وعلى اليسار، حتّى في اللحظات التي تدفّق فيها الفيضان، بالمعنى الحرفي للكلمة، عليه وعلى ساحة كواترو فينتي الواسعة. وكان جوابه على هذا: صفاء، مزاج طيب والتزام تجاه مئات الآلاف من الحاضرين: “شكرًا لتحمّلكم! قوّتكم أكبر من المطر!”.

المشكلة الوحيدة في ذلك الاسبوع كانت الحكاية التي حوّلتها وسائلُ الاعلام، وخاصّة الاجنبية منها، إلى مأساة. وأشير هنا إلى المظاهرات الصغيرة لبضعة مئات من “مضاددي البابا”. لم يكن لها هذا الصدى لو لم يكن ذلك العدوان المخزي الذي تعرّض له بعضُ الشباب – وخاصة الشابات – الذين التقوا بالمتظاهرين. بالنسبة لأيّ ديمقراطي، كان من المخجل ملاحظة كيف أساء بعضُ مثيري الشغب التعاملَ شفويًا وجسديًا مع بعض المراهقين، هاتفين ضدّ ضيف شرفهم: الرئيس الروحي لملايين الكاثوليك، القائد الذي يجسّد “السلطة الأولى في العالم”، كما وصفه كورباتشوف عندما قدّم زوجته رايسا ليوحنّا بولس الثاني في روما. كان مؤلمًا مشاهدة صراخات وحركات وتعابير البعض ضدّ الصفاء السلمي بالإضافة إلى تخويف الشباب الذين لا زالوا أطفالاً. وساهمت قناة البي بي سي بتضخيم ذلك الحدث أمام ارتباك الاسبانيين الكبير.

ولكن لا شيء ولا أحد استطاع زعزعة نقطة الارتكاز لذلك اليوم العالمي للشبيبة: فرح المشاركين. فرحٌ صاخب ذو جذورٍ عميقة. لذلك أعطاهم بندكتس السادس عشر في موعظته خلال القدّاس في كواترو فينتي هذه الرسالة: “أنقلوا للآخرين فرح إيمانكم”.

وصف أحدهم الأيام العالمية للشبيبة مثل “معمل الإيمان”. ومزج اليومُ العالمي للشبيبة في مدريد لعام 2011، في صيغةٍ تعليمية، هذه العناصر الثلاثة: “الحقيقة” كبحثٍ، الفرح والشعور بأنّ الجميع عائلة واحدة. وكانت النتيجة ممتازة.

————-
* رافائيل نافارو فاليس، أستاذ في قسم الحقوق في جامعة كومبلوتنس في مدريد والمدير العام للاكاديمية الملكية الاسبانية للقضاء والتشريع.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير