أمين سر غبطة بطريرك الأقباط الكاثوليك

القاهرة، الاثنين 12 سبتمبر 2011 (ZENIT.org).- في مقالات بعنوان "القداس القبطي حسب أباء الكنيسة" حاولنا عرض فكر الأب متى المسكين ودراسته للقداس القبطي. وألان سنحاول عرض فكره أيضا، فيما يخص الكنيسة والدولة. فما هي الكنيسة؟ وعلاقتها بالدولة؟ ودور المسيحي في المجتمع؟ وغيرها من الأسئلة التي قد تكون موضع اهتمام في هذا الوقت.

أولا: ما هي الكنيسة؟

بالرغم من التعدد الفريد للتعليم الكنسي عن الكنيسة ومفهومها وطبيعتها ورسالتها، لكن نستطيع أن ندرك وبلمحة خاطفة، حسب تعبير الأب متى[1]، أساس هذا التعليم ونركزه في ثلاث أبعاد:

1. موضوع المسيحية، أو بكلمات أخرى، لمن جاء المسيح ولماذا تجسد؟ وبالتالي لمن هي الكنيسة؟ لماذا توجد؟

 يبدأ الأب متى المسكين مقالته بأية القديس مرقس 2: 17 "لم آت لأدعو أبراراً بل الخطاة للتوبة". وبذلك يوضح وبتلخيص عميق، نية المسيح في إعلان أن موضوع المسيحية، وبالتالي الكنيسة هو الخاطئ, أي أن الكنيسة تهتم بالإنسان فيما يخص خطيئته، فخطيئة الإنسان هي المدخل للكنيسة. فمنه تنفذ إلى كل أعماقه، لتجذبه، وتعطيه طبيعة جديدة، طبيعة أبناء الله. فتنقله من الشدة واليأس والألم، بل ومن الموت الذي هو ثمن الخطيئة الى حياة أبدية، الى معاينة وجه الله.

فالخطيئة، بالنسبة للأب متى، لا تمس فقط الجانب الروحي للإنسان. فالخطيئة لها اثر واقعي ووجودي على كل الإنسان. لان الخطيئة ليست فقط بفعل، فالفعل هو تمام الخطيئة، لكنها حالة، حالة وجودية فيها ينفصل كل الإنسان عن نبع ومصدر الحياة.

فعندما تهتم الكنيسة بالخاطئ فيما يخص خطيئته، بالتالي تهتم بالإنسان فيما يخص كل وجوده، ومعناه، وهدفه. أي فيما يخص كل ما يشمله هذا الإنسان وكيانه، الذي تأثر بالخطيئة. لذا الإنسان هو موضوع الكنيسة.

ويؤكد الأب متى المسكين ان خلاص الخطاة هو موضوع الكنيسة. فالمغفرة هو باب التلاقي بين الإنسان والرب. ولذ فالخطر الحقيقي، حسب الأب متى المسكين، أن يهتم الرعاة في الكنيسة بموضوع أخر غير "خطيئة الإنسان" فيتركوا هذه المهمة ويتوجهوا لخدمات أخرى كثيرة، غير قادرة على حل مشكلة الإنسان الحقيقية والأعمق: خلاصه من الخطيئة. فالإنسان المخلص من سلطان الموت، هو بالفعل قائم وإن كان مذبوحا كل يوم، والإنسان المتروك في خطيئته هو ماءت يوميا بالرغم من توافر له كل شيء.

وباقتناع عميق يقول الأب متى المسكين: "تتعرض المسيحية في هذه الأيام لمحنة، لان المبشرين، او الكارزين، يحاولون الآن الخروج بالمسيحية عن موضوعها بسبب انعدام قدرتهم على الكرازة بالتوبة لتجديد الإنسان وخلاصه...فالكارزين في هذه الأيام فقدوا الطريق الموصل لقلب الإنسان فأخذوا يدورون حوله إلى ما لا نهاية".

هذا هو موضوع المسيحية: خلاص الخطاء ومنه يبدأ مجتمع سوي، وعادل، فمن خلاص قلب الإنسان، يولد إنسان جديد، قادر على خلق مجتمع حسب قلب الله.

2. غاية المسيح من خلاص الخطاة:

هذا هو البعد الثاني للمسيحية وللكنيسة. إذا كان المسيح أتى من اجل الخطاة، فلماذا؟ ماذا يرغب منهم؟ ماذا يتطلب منهم؟ وبالتالي ماذا تطلب الكنيسة من أبنائها؟

ببساطة شديدة وبيقين اشد يؤكد الأب متى المسكين ويقول: الرد على ما سبق هو "أن يدخل الإنسان ملكوت الله". فيقول المسيح: "أيها الأب أريد انه هولاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا لينظروا مجدي الذي أعطيتني" (يو 17: 24). هذا هو اختصاص المسيحية وهدفها: أن يتجمع الأبناء مع الابن. أن يتجمع الخطاة مع الذي جعل من نفسه خطيئة لأجلهم، مع المسيح. فيأتي ملكوت الله ويحل في القلوب. فالإنسان الذي كان مغترب عن الله بسبب الخطيئة، الآن يستطيع أن يدعو نفس الإله "أب" يا "ابتي".

3. ما هي الوسيلة لتحقيق ما سبق؟

يسال الأب متى ويقول: "فما هي الوسيلة لتحقيق هذا الخلاص للخطاة؟ كيف يمكن للكنيسة ان تصلهم بملكوت السموات؟

وعلى هذا السؤال يرد بقوله: "ليس بباب أخر خلاف التوبة يمكن أن يفوز به الخاطئ بالخلاص". اي ان التوبة هي الطريق لهذا الهدف.  ولكن كي يتوب الخطاة يجب على الكنيسة المناداة بهذه التوبة. المناداة الحرة لدعوة الخطاة إلى الخلاص من خطاياهم. هذه المناداة تلتزم حرية المستمع، فلا إرغام ولا إغراء ولا قمع وتخويف. وإلا ليست بتوبة.

فدور الكنيسة الأولي والأساسي هو التبشير. المناداة بموت وقيامة المسيح كخبر مفرح لمن هو اليوم في موت الخطيئة، فيتولد في قلبه رجاء القيامة، ونعمة الإيمان من خلال الأسرار المقدسة. فيولد ويظهر للعالم إنسان جديد، على صورة الابن، المسيح، يحيا المحبة لبُعد الهي.

اعتقد انه ليست بالصدفة ان موضوع سينودس الاساقفة المقبل هو التبشير الجديد.

لكن أليست للكنيسة دور في المجتمع؟ يبدو مما سبق ان الكنيسة تقف عند هذا الحد؟ فما هو دور الكنيسة في المجتمع والدولة في فكر الأب متى المسكين.

......للمقالة القادمة...

أيام مباركة.

<p>[1]  راجع الكنيسة والدولة، للأب متى المسكين، من منشورات دير القديس الأنبا مقار، الطبعة السابعة، 2009.