الجمعة 09 سبتمبر 2011 (Zenit.org) – لاشك أن عالم اليوم المأزوم أحوج ما يكون الى الحوار والتفاهم لتنقية أجوائه مما يشوبها من توتر وضبابية وقصور في فهم الآخر والقبول به كشريك فعلي لتعزيز تعايشنا السلمي وتحقيق إنسانيتنا المشتركة فيما نصبو اليه من أمن وإستقرار ورخاء سيما ونحن ممتحنون بتحديات جسيمة في مقدمتها التهديد الذي يجسده الارهاب والتطرف فضلا عن الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية وكذلك التحولات البنيوية الدراماتيكية التي تشهدها مناطق متفرقة من العالم. الأمر الذي يحتم علينا حث الخطى لتأسيس نظام أخلاقي عالمي متطور يرسم إطارا للتفاهم والسلوك البشري بين الامم والاجناس والأديان وكذلك يبن التنوعات الأثنية والدينية واللغوية في المجتمع الواحد لكي نتخطى الذي نعانيه جميعا من ترد في أوضاعنا الحياتية المختلفة. إذ لا مفر من إتباع منهجية الحوار والاقرار بالتعددية والاختلاف والالتزام بالوسطية والاعتدال في علاقتنا مع الغير وتحقيق الاصلاحات الداخلية الجذرية التي توفر الحريات وحقوق الانسان والعدالة والمساواة والتداول السلمي للسلطة ونبذ كل أشكال الدكتاتورية والإقصاء والقمع والتسلط. وهذا لايتأتى إلا من خلال الحوار والتفاهم بين الحاكم والمحكوم وبين الشعوب والثقافات مع بعضها ذاك لأن البديل عن هذا الحوار هو المزيد من الدماء والدمار وسباق التسلح واستفحال الصراعات وتفشي ثقافة التعصب الأعمى والكراهية المقيتة، وما تجر وراءها من تخلف كارثي ابرز مظاهره الجوع والمرض والأمية والنزوح والبطالة.

      إن حكمة الله قد تجلت في إختلاف الخلائق في أديانها ومعتقداتها ومشاربها ولو شاء سبحانه لجعل البشرية كلها على دين واحد ولكنه أراد من هذا التنوع أن يشكل مصدر غنى ورقي لا مدعاة للتشرذم والتناحر. من ذلك قوله تعالى في قرآنه العزيز: (ومن آياته خلق السماوات والأرض وأختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين) وقوله تعالى: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن  إلا الذين ظلموا منهم  وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وانزل اليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون). وقوله تعالى: (لا إكراه في الدين)، وقوله تعالى : (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) وقوله تعالى: (كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم الى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون) وقوله تعالى: ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ).

    ومن حقنا أن نتساءل بعد كل الذي قدمناه آنفا من دلائل نقلية ومنطقية ... لماذا تنصب الجهود الدولية على عمليات (حفظ السلام) بدلا من تركزها على (صنعه)؟!

    ولماذا لا تحشد النخب الدينية والثقافية ووسائل الاعلام والمؤسسات التعليمية ومنظمات المجتمع المدني جهودا إستثنائية للإضطلاع بالدور الإرشادي والتنويري في إشاعة الثقافة التسامحية والفكر الانفتاحي خصوصا بين الشباب ؟!

     ثم .. الى متى تبقى المعايير المزدوجة المجحفة معيارا في تعاملات الدول الكبرى مع القضايا العربية والاسلامية المصيرية؟!

    ومتى تصحو ضمائر الدول الغنية لإنتشال الشعوب الفقيرة من براثن الفقر والمجاعة والمرض كيما نجفف منابع التطرف والارهاب؟!

   وعلام ننفق مئات المليارات على اسلحة الدمار الشامل ثم لانحرك ساكنا لإنقاذ ملايين الجائعين اليوم في الصومال وأفريقيا ومناطق أخرى من موت مريع؟!

     أسئلة حائرة تبحث عن إجابات شافية ... ولعمري فإني لا أجد غير صوت العقل والضمير وسوى خطاب الأيمان والمحبة والشعور العالي بالمسؤولية الانسانية كفيلا بوضع هذه الامور المنفلتة في نصابها الصحيح وطريقها القويم طبقا لما إختطته لنا السماء.