الفاتيكان، الاثنين 5 سبتمبر 2011 (ZENIT.org). – سمعنا فى ظل الأوضاع الحالية في بلادنا العربية من ثورات وصرخة عن الظلم المعاش ورغبة في حياة كريمة، صرخة تنادي وتطالب بالديمقراطية. ومعها سمع العديد من التفسيرات لهذا التعبير “الديمقراطية”. فرحوا من لهم الأغلبية من قاعدة الشعب وقالوا إن الديمقراطية هي حكم الأغلبية.
مع كل التقديروالإحترام لمن يعتقد هكذا، فهذا خطأ كبير، خطأ على المستوى الفكري، واللغوي، والتاريخي لهذا التعبير. بل وبالأحرى يتناقض تماما مع المفهوم الصحيح للديمقراطية.
فترجع كلمة ديمقراطية إلى اليونانية وتعنى “حكم الشعب” وليس حكم أغلبية الشعب. وشتان بين الاثنان بل بالأحرى هم متناقضان تماما. فحكم الأغلبية، يعني أن أغلبية الشعب إذا انحازت لتيار او لحزب معين، أصبح هو الحاكم والذي له الحق في تشريع القوانين. بالتأكيد تلك القوانين لمصلحة فكره واتجاه معين، أي لاتجاه الأغلبية. هذه ليست الديمقراطية أبدا، هذا ما يسمى باستقطاب الحكم لمصلحة ورضى الأغلبية.
فالديمقراطية بالعكس هي تعني “حكم الشعب”. أي أن الشعب بأكمله، بأقلياته، وتنوعه هو الذي يحكم. كيف؟ بالتأكيد ليس المقصود بأن الشعب بأكمله هو الذى سيحكم بذاته، ولكن أن يكون كل الشعب، هو مصدر ونبع الحكم، ونبع التشريع، أن يكون كل الشعب مصدر ونبع الدستور، بأكملة وليست الأغلبية، وألا ليست بديمقراطية أبدا. كيف؟
الديمقراطية لا تعني ان نرى ما يريده الأغلبية ونحققه لهم، وإن كان يعتقد انه الصحيح، والحق. الديمقراطية تعني ان يتم التعبير بحرية عن رأى كل فرد ، وكل الكل في كيان وهيكلية الدولة ودستورها. فيكون هذا الكيان والدستور حماية لكل فرد من الشعب، وليس هو فقط صوت وفكر الأغلبية. فصوت الأغلبية له حق الحكم النيابي، أي تمثيل أغلبية الشعب في الحكم. فيحكم بحسب هذا الكيان الذي صدر من كل الشعب، وليس فقط من الأغلبية.
هذا الكيان الدستوري والتكويني والهيكلي للدولة من تشريع أساسي يجب أن ينبع ويصدر من كل الشعب. فهذا هو حكم الشعب، هذه هي الديمقراطية. والديمقراطية أيضا هي ان تمُثل أغلبية الشعب في الحكم حسب هذا الكيان، الذي هو تعبير عن كل الشعب. هذا الكيان لا يتغير يوميا، او مع تغير الحكام والرؤساء، ولا يتغير بتغير نوعية الأغلبية.
يبدو وكأنه مستحيل إذا أردنا أن ننشأ هذا الكيان والدستور. بالفعل سيكون مستحيل إذا أراد كل تيار وحزب فرض قانونه وشريعته كمصدر للدستور. هنا سيقال إذا تحقق ذلك قانون وشريعة الأغلبية. من الممكن، ولكن ليكن معروف أن هذا ليست بالديمقراطية ابدأ. هذا قمع الأغلبية لحق وحريات الآخرين، وإن كانوا أقلية.
إذا كيف يمكننا تكوين هذا الكيان دون قمع لأحد ودون أن ينفرد الأغلبية بالساحة؟ بمعنى اخر كيف يمكننا تطبيق الديمقراطية؟ أن يكون النبع والمصدر الأساسي لهذا الكيان الدستوري والهيكلي للدولة هو حقوق الإنسان. هذا الكيان الدستوري هو حماية لحرية الإنسان في العقيدة، والدين. هو حماية لحق الإنسان في تحديد المصير، في حق المعيشة الكريمة ، وتحقيق ذاته كما هو، وليس كما يفرضه عليه الأغلبية. حماية للعدالة الاجتماعية، وحق الشعب في مراقبة الحاكم، وفصل السلطات الحكومية، وسيادة القانون، وتداول السلطات سلميا وغيره. ولذا نكرر في نهاية هذه الكلمات. الديمقراطية ليست بحكم الأغلبية.
* * *سكرتير غبطة بطريرك الأقباط الكاثوليك