روما، الجمعة 23 سبتمبر 2011 (Zenit.org) – في تشرين أول عام 1986، اجتمع قادة الأديان في العالم في مدينة أسيزي الإيطالية ( حوالي 200 كم شمال العاصمة روما) في لقاء كان الأول من نوعه، ودعا إليه البابا الطوباوي يوحنا بولس الثاني، وحضره عدد كبير من رؤساء الأديان والعبادات والطوائف. وكان الهدف منه ترسيخ مبدأ الدين في خدمة السلام في العالم. ولم تكن كلمات اللقاء هي الأساس بل الصلاة، حيث رفع كل مشارك صلاته بلغته وبتقاليد ديانته. ورفع الحاضرون معا أغصان الزيتون، رمزا إلى تضامنهم والتزامهم في خدمة السلام العالمي. واحتضنت أسيزي ذلك اللقاء ، كونها مدينة القديس فرنسيس مؤسّس الرهبنة الفرنسسكانية، والذي عاش في القرن الثاني عشر للميلاد ، باثاً روح الحوار والمودّة والطيبة، بين البشر أجمعين، بدون توقف عند فروقات قومية أو جنسية أو دينية. وقد أصبحت صلاة فرنسيس من أجل السلام دائمة الترداد على ألسنة البشر: "يا رب، إجعلني أداة لسلامك، فأضع الحب والمسامحة ، حيث الكراهية والانتقام". لذلك بقي إجتماع أسيزي 1986 مذكراً دائماً بوحدة الأديان وصلاتها المشتركة وإن إختلفت تعابير الإيمان.
وفي كانون ثاني عام 2002، انطلق قطار السلام من الفاتيكان إلى أسيزي، بدعوة من البابا الراحل ذاته، ومشاركة ممثلي الديانات، مع العديد من السياسيين للصلاة أيضاً من أجل السلام، بعد هجمات الإرهاب 2001 ، وقرع طبول الحرب في أفغانستان والعراق. وانصب التركيز أيضا على تبرئة الدين من تهم الإرهاب البغيض والعنف والقتل والترويع . وكذلك تضمن لقاء 2002 دعوة إلى السلام المبني على العدالة والمسامحة المتبادلة.
وهذا العام 2011، وفيما يحيي العالم خمسة وعشرين عاماً على لقاء 86، يستعد قطار السلام لينطلق من جديد تحت شعار : "حجّاج للحقيقة ، حجاج للسلام"، نحو أسيزي ذاتها، وهي مدينة بقيت في مكانِها وبقيت لها مكانتُها، إلا أنّ وجوهاً كثيرة قد تغيّرت على مدار الربع قرن الماضي، من رؤساء روحيين أو مدنيين، ومنهم من رحل وتقاعد ، ومنهم من أطيح به عنوة. وأطلت وجوه جديدة، ومنها البابا بندكتس السادس عشر الذي دعا إلى اجتماع هذا العام، ليكون يوم السابع والعشرين من تشرين أول "يوم تفكير وحوار وصلاة من أجل السلام والعدالة في العالم"، وسيحضره رؤساء الأديان والكنائس والتقاليد الدينية ، وكذلك عدد من أهل العلم والثقافة.
ما زال الدين ، مع كل أسف، مستخدَما من قبل فئات عديدة في التعسُّف والظلم وزهق الأرواح. لذلك نرجو أن يكون إحياء اليوبيل الفضي لأوّل لقاء في أسيزي حافزاً لسياسيي العالم ولقياداته الدينيّة، على شجب التطرّف وعدم زجّ الدين في أيّ صراع سياسي، فيبقى الدين منيراً للإنسان وحافزاً على إجتماع الأسرة البشرية لا إلى تنافرها. ومن جديد، سيردّد أصحاب النوايا الحسنة، في مدينة القديس فرنسيس : يا رب إجعلنا أدوات حقيقيّة لسلامك.