عظة البابا بندكتس السادس عشر خلال قداس الميرون

تجديد الوعود الكهنوتية وافتتاح سنة الإيمان

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

روما، الجمعة 6 أبريل 2012 (ZENIT.org)- ننشر في ما يلي عظة البابا بندكتس السادس عشر خلال ترؤسه قداس الميرون صباح يوم الخميس 5 أبريل 2012 في بازيليك القديس بطرس في الفاتيكان والتي تناول فيها بخاصة تجديد الوعود الكهنوتية وافتتاح سنة الإيمان.

***
إخوتي وأخواتي الأعزاء،
تتحول أفكارنا خلال هذا القداس إلى اللحظة التي وضع الأسقف يديه على رأسنا وصلى لنا فجعلنا شركاء في كهنوت المسيح بحيث نكون ” مقدسين في الحق” (يوحنا 17، 19)، فهذا ما قد طلبه يسوع في صلاته الى أبيه. يسوع هو الحقيقة، لقد كرسنا لله لنستطيع من خلاله وبالشراكة مع المسيح أن نخدم الآخرين. ولكن هل نحن مكرسون في واقع حياتنا؟ هل نستمد فعلا عملنا من الله ونعمل بالشراكة مع يسوع المسيح؟ حين نقف أمام الرب وجها لوجه سيوجه لنا هذه الأسئلة. “هل تريدون العيش متحدين مع الميسح أكثر من أي وقت مضى؟ هل تريدون التشبه به بأن تنكروا ذاتكم وتكونوا وفيين للإلتزامات التي تلقيتموها بفرح يوم سيامتكم الكهنوتية؟” لذا علينا جميعًا بعد هذه العظة أن نتأمل هذه الأسئلة في أعماقنا. يعبر هذا عن شيئين أساسيين: الأمر المطلوب هو صلة داخلية أو بالأحرى بناء علاقة مع المسيح أي بتخطي حدود الأنا والتخلي عن كل ما هو لنا وعن تحقيق الذات. المطلوب من كل شخص منا أن يضع حياته في تصرف يسوع، فعليه ألا يسأل: ” ماذا يمكنني أن أجني لنفسي؟” بل أن يقول: ” ماذا يمكنني أن أهب للمسيح وللآخرين؟” أو حتى أن يكون أكثر تحديدًا: ” كيف يمكنني أن أبني هذه العلاقة مع المسيح، وهو الذي لا يسيطر بل يخدم ولا يأخذ بل يعطي. كيف بإمكاني تحقيق ذلك في ظل الأوضاع المأساوية التي تعيشها الكنيسة اليوم؟” في الآونة الأخيرة، أطلق لفيف من الكهنة في أحد البلدان الأوروبية نداء للعصيان، وأعطوا أمثلة على طريقة تنفيذه التي تؤول إلى تجاهل قرارات السلطة الكنسية، كمسألة سيامة النساء التي أعلن الطوباوي يوحنا بولس الثاني بأن الكنيسة لم تتلق أي تفويض من الرب لتنفيذها. هل العصيان يساهم بأي شكل في تجديد الكنيسة؟ نحن نريد أن نصدق مطلقي هذا النداء عندما يؤكدون بأنهم فعلوا هذا بدافع القلق على الكنيسة كما نود أن نقتنع بأننا علينا أن نواجه تباطؤ المؤسسات بوسائل جذرية تخولنا فتح طرق جديدة لإعادة الكنيسة الى مقامها الحالي. ولكن هل العصيان هو فعلا الوسيلة المنشودة؟ هل تكمن فيه أي شراكة مع المسيح التي هي شرط أساسي للتجديد؟ أو ليس العصيان بالأحرى حافزًا يائسا نلجأ اليه لنحول الكنيسة ونجعلها تلائم أفكارنا ورغباتنا؟ لا يجب أن نستخف بهذه المشكلة. أما صحح المسيح تقاليد الإنسان التي كانت تهدد بقمع كلمة الله وإرادته؟ أم أنه فعل ذلك لإيقاظ طاعتنا مجددًا لإرادة الله الحقيقية ولكلمته الأزلية. كانت الطاعة الحقيقية تكمن في قلب المسيح بعكس تعسفية الإنسان، مع العلم بأنه هو “الإبن” وبيده السلطة والمسؤولية للكشف عن إرادة الله الحقيقية وليفتح طريقا لعبور كلمة الله الى العالم. أخيرا اختتم رسالته على الأرض بالطاعة والتواضع حتى الصليب قائلا: لتكن مشيئتك لا مشيئتي، هذه هي الكلمة التي تظهر تواضع الإبن ولاهوته وتبين لنا طريق الحق. دعونا نسأل أنفسنا مرة أخرى: عند اعترافنا بهذه الاعتبارات هل نساهم بتردي التقاليد وجمودها؟ كلا، فمن يبحث في تاريخ ما بعد المجمع الفاتيكاني، يجد سبل التجديد الصحيح الذي غالبًا ما اتخذ أشكالا غير متوقعة في حركات ملؤها الحياة التي تظهر حيوية الكنيسة وحضور الروح القدس. إذا نظرنا الى الناس التي تفجرت منهم ينابيع الحياة هذه، نجد أنه لولادة الكنيسة من جديد نحن بحاجة الى أن نكون مغمورين بفرح الإيمان، والطاعة، وحيوية الرجاء، وقوة الحب.
أصدقائي الأعزاء، لا يزال واضحا بأن التشبه بالمسيح هو الشرط الأساسي لكل تجديد. ولكن في بعض الأحيان نظن بأن المسيح مترفع وعظيم فلا يمكننا التشبه به. الرب يعلم بذلك، لذا حاول إيجاد وسائل وطرق سهلة ليتقرب منا. لهذا السبب تحديدا يقول القديس بولس: ” امتثلوا بي، ولكن أنا أنتمي للمسيح.” كان بالنسبة الى أتباعه مثالا عن حياة المسيح التي يمكنهم أن يعاينوها ويمتثلوا بها. بدأً من بولس توالت عدة شخصيات تاريخية كانت مثالا حيا عن حياة المسيح. نحن الكهنة بإمكاننا أن نفكر بجميع الكهنة القديسين الذين سبقونا ليعدوا لنا الطريق من بوليكارب من إزمير، وإغناطيوس الإنطاكي، الى رعاة كبار كأمبروسيوس، وأغسطينس وغريغوريوس الكبير حتى اغناطيوس دو لويولا، كارلو بوروميو، جان- ماري فياني، الى الكهنة الشهداء في القرن العشرين وأخيرا البابا يوحنا بولس الثاني الذي من خلال عمله ومعاناته كان مثالا حيا للمسيح كان ” عطية وكنزا”. يبين القديسون لنا كيفية التجديد وكيف نكون بخدمته، كما يفهموننا أيضا أن الله لا يهتم بالأعداد الكبيرة والنجاحات السطحية لأنه يحقق الإنتصارات بفضل الرمز المتواضع “لحبة الخردل.”
أصدقائي الأعزاء، أود أن أتطرق بإيجاز الى كلمتين أساسيتين بالنسبة الى تجديد الوعود الكهنوتية التي تدفعنا للتفكير في حياة الكنيسة وحياتنا الشخصية. أولا وقبل كل شيء علينا أن نتذكر بأننا كما يقول القديس بولس “وكلاء أسرار الله” (كورنتس الأولى 4،1) والمطلوب من الوكلاء هو أن يكون كل واحد منهم أمينا لأسرار الله حيث يرينا وجهه وقلبه ليعطينا ذاته. خلال مجمع الكرادلة الأخير تكلم عدة أساقفة استنادا الى خبراتهم، عن الجهل الديني الذي ينتشر في مجتمعنا. أساسيات الإيمان التي كانت معروفة حتى من قِبل الأطفال بدأت تنتسى
تدريجيًّا. ولكن لكي نتمكن أن نحيا ونغذي إيماننا، ولكي نحب الله ونتمكن من سماع كلمته جيدا يجب أن نعلم ما قاله لنا: يجب أن تلمس كلمته قلبنا وعقلنا.
يجب أن تشكل سنة الإيمان بالإضافة الى الذكرى الخمسينية لافتتاح المجمع الفتيكاني الثاني مناسبة لإعلان رسالة الإيمان مع حماسة وفرح جديدين. بطبيعة الحال هذا ما نجده في الكتاب المقدس ولكننا لا نقرأه ونتأمل به كفاية، ولكننا جميعًا بحاجة الى المساعدة لنقل الرسالة بطريقة ملائمة اليوم، لكي تلمس قلوبنا. نجد هذه المساعدة أولا في كلمة الكنيسة: نصوص المجمع الفاتيكاني الثاني والتعليم المسيحي هي الأدوات الأساسية التي تظهر لنا ما تؤمن به الكنيسة انطلاقا من كلمة الله، بالإضافة الى كل الوثائق التي تركها لنا البابا يوحنا بولس الثاني والتي لم نغرف منها بالكامل الى اليوم.
يجب أن يقاس إعلان رسالتنا بالكامل على كلمة يسوع المسيح: ” ما تعليمي من عندي” (يوحنا 7، 16). نحن لا نعلن نظريات وآراء خاصة ولكننا نعلن إيمان الكنيسة التي نخدمها، ولكن هذا بالطبع لا يعني بأنني لا أويد هذه العقيدة بالكامل وأنني لست مرسخا بها. في هذا السياق، أتذكر كلمات القديس أغسطينوس: ” ما الأقرب إلي أكثر من نفسي؟ وما الذي أملكه أقل من نفسي؟” أنا لا أنتمي الى نفسي وأصبح ما أنا عليه إلا عندما ارتفع عن ذاتي وأتجرد من ذاتي عندها يمكنني أن أتوحد بالمسيح وبجسده أي الكنيسة. إذا أنكرنا نفسنا وتوحدنا في الصميم بالذي أسمانا رسله وإن كنّا معجونين بالإيمان ونعيشه بفرح عندها تكون دعوتنا صادقة.
لست أسعى لكي أظهر نفسي بل لكي أعطي من نفسي. لم يكن خوري آرس عالما ولا مفكرا ولكن من خلال رسالته لمس قلوب الناس لأن الله لمس قلبه.
أما الكلمة الأخيرة التي أريد أن أذكرها هي ” الغيرة على النفوس”. هذا مصطلح قديم وبالكاد يستخدم اليوم. في بعض الأماكن تعتبر كلمة الروح محرّمة لأنها تعبر عن ثنائية بين الجسد والروح فتقسم الإنسان قسمين. الإنسان وحدة متكاملة يرث الحياة الأبدية بجسده وروحه معًا. ولكن هذا لا يعني بأننا لا نملك روحا فهذا مبدأ أساسي يضمن وحدة الإنسان في حياته وميتته الدنيوية. إذا بصفتنا كهنة نحن نهتم بالإنسان ككل تماما كضرورياته الجسدية كالجياع، والمرضى، والمشردين. نحن لا نهتم بجسد الإنسان فحسب بل بحاجات الروح أيضا كالأشخاص الذين يعانون بسبب حق منتهك أو حب مدمر، والأشخاص الذين يتواجدون في الظلمة وهم في الحقيقة يعانون من غياب الحب والحقيقة. نحن نهتم بخلاص الناس الذي يشمل جسدهم وروحهم وككهنة ليسوع المسيح نقوم بواجبنا بغيرة. لا يجب أن يشعر الأشخاص بأننا ننفذ جدول أعمالنا بخدمتهم ولا ننتمي إلا لأنفسنا، فالكاهن لا ينتمي أبدا الى نفسه، يجب أن يشعر الأشخاص بغيرتنا ومصداقيتنا في تبشيرنا لإنجيل يسوع المسيح. لنصلّ للرب كي يغمرنا بفرح رسالته لنستطيع بذلك خدمة حقيقته الأزلية وحبه بغيرة فرحة. آمين.

***
نقلته من الفرنسية الى العربية نانسي لحود- وكالة زينيت العالمية
جميع الحقوق محفوظة لدار النشر الفاتيكانية

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير