عظة البطريرك الراعي في رتبة سجدة الصليب

“طعنه واحد من الجنود بحربة في جنبه، فخرج للحال دمٌ وماء”

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

بكركي، الجمعة 6 أبريل 2012 (ZENIT.org). – ننشر في ما يلي عظة البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي خلال ترؤسه رتبة السجود للمسيح في يوم الجمعة العظيمة.
* * *
1. في هذه رتبة السجود للمسيح الفادي، المائت على الصليب لفداء الجنس البشري، نحن نُكرِّم جراحه التي بها شُفينا ونُشفى، كما تنبّأ أشعيا(53: 5). وكان شفاؤنا بدمه الذي سفكه على الصليب طوعاً وطاعةً لإرادة الآب الخلاصية الذي قال عنه يسوع نفسه: “هكذا أحبَّ العالم حتى إنّه بذل ابنه الوحيد، كي لا يهلك كلُّ مَن يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية”(يو 3: 16). بدمه غسل خطايانا وخطايا كلِّ إنسان، وبدمه غذّى نفوسنا بشرابِ المحبّة. وكان شفاؤنا بماء المعمودية الذي به وُلِدنا بفعل الروح لحياةٍ جديدة(يو 3: 5)، وأصبحنا أبناءً لله، وأعضاءً في جسد المسيح الواحد الذي هو الكنيسة، وهياكل حيّة للروح القدس، كما يُعلِّم القديس بولس الرسول في رسائله الراعوية.
إلى هذا الدّم وهذا الماء رمزَ الدّمُ والماءُ اللذان خرجا من جنب يسوع، عندما طعنه أحدُ الجنود بحربة وهو ميت. ومن هذا الجرح وُلدنا ووُلدت الكنيسة. ولهذا نُصلّي ونهتف: نسجد لك أيها المسيحُ ونباركك، لأنّك بصليبك المقدّس خلّصتَ العالم.
2.  صليب المسيح تعبير عن حبّه الأصيل الذي يعطي ذاته، وعن حياته المكرسة للآخرين. إنّه حضارة المسيحيين. فبدلاً من أن يكفّر الانسان عن خطيئته، بحركة تصاعدية من الانسان الى الله، ويرمم بها علاقته معه باعمال تكفيرية واستغفارية، كما هي الحال في جميع الاديان، نرى أنَّ الله نفسه ينحدرُ نحو الإنسان، بمبادرة من عظمة حبه، فيشفيه ويبرره برحمته، ويحيي ما كان ميتاً. إنَّ عدالة الله رحمة فاعلة تقوّم اعوجاج الإنسان وتعيده مستقيماً. هذه هي الثورة التي أدخلتها المسيحية في تاريخ الاديان[1].
       ليس الناس هم الذين صالحوا الله، ما داموا هم ارتكبوا الخطأ، بل الله نفسه صالح العالم بالمسيح(2كور 5: 9). ان الله لا ينتظر ان يأتيه المذنبون من تلقاء انفسهم ليصالحوه، بل هو يذهب اليهم بنفسه ليصالحهم، وهو الذي يجتذبهم من الداخل ليتوبوا عن خطاياهم. هكذا يظهر الصليب كحركة انحدارية من أعلى الى أسفل، تعبّر عن حب لا يطوله الادراك. ان حركة التجسد الانحدارية تتواصل في حركة الصليب[2]. وتقتضي جواب الإيمان من الإنسان، فيتوب الى ربّه، ويخرج من حالة الخطيئة، ويبدأ بدوره حركة تصاعدية نحو الله وقمم الروح.
هنا يتضح لنا جوهر العبادة المسيحية، والوجود المسيحي وفضيلة التعبد، وهو ان نستقبل بعرفان كلي عمل الله الخلاصي. ولذا قمة العبادة المسيحية هي سرّ القربان – الافخارستيا اي فعل الشكر، الذي يجعلنا نقول ” نعم” لارادة الله، من دون شرط.
3. صليب المسيح هو مدرستنا. فالمعلّم الإلهي واصل تعليمه من على الصليب بسبع كلماتٍ أخيرة قالها، وسمعناها من الأناجيل التي تلوناها. نأخذ من بينها ما يحتاج إليه عالم اليوم، ويختص بالغفران والمصالحة وضمانتهما.
كان الغفران لكل الذين قرّروا صلب يسوع ونفّذوه. إنّه غفرانٌ مُحب بدون حدود لخطايا جسيمة وفظيعة، برَّرها بالجهل وسترها بالحب: ” يا أبتِ، إغفر لهم، لأنهم لا يدرون ما يفعلون”( لو23: 34). وكانت المُصالحة مع اللصّ الذي أعرب عن توبته: “أذكرني، يا رب، عندما تأتي في ملكوتك”. فكان الجواب: “اليوم، تكون معي في الفردوس”( لو23: 42-43).  وكانت ضمانة الغفران والمصالحة أنْ أعطى البشرية أمّه، لتكون أمّاً تسهر على كل إنسان، وتقوده الى ابنها فادي الإنسان: “يا امرأة هذا ابنك! ويا يوحنا هذه امك!”(يو19/26-27).
4. ثقافتُنا الغفران والمصالحة. فالمسيحُ الذي صالحنا مع الله بموته على الصليب، وأقامنا لحياةِ الأخوّة والسلام، يأتمنُنا عليهما، كما يقول بولس الرسول: “ألأشياءُ القديمة مضت، وكلُّ شيءٍ صار جديداً من الله الذي صالحنا مع نفسه بالمسيح، ووهبنا خدمة المصالحة… فنحن سفراء المسيح، وكأنَّ الله يدعوكم على يدنا. فنسألكم، باسم المسيح، أنْ تصالحوا مع الله. ذاك الذي لم يعرف الخطيئة، جعله الله خطيئة لأجلنا، لنصير نحن به برَّ الله(2 كور 5: 17-21).
بهذه الروح وبهذا العزم والقصد نسجد للمسيح فادينا وللآب مرسله وللروح القدس المتمِّم فينا ثمار الفداء، رافعين للثالوث المجيد كلَّ شكرٍ وتسبيح الآن وإلى الأبد، آمين.

::::::::[1]   جوزف راتسنغر (البابا بندكتوس السادس عشر): مدخل الى الايمان المسيحي، ترجمه الدكتور نبيل خوري، ص 206.[2] . المرجع نفسه، ص 207.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير