بكركي، الأحد 8 أبريل 2012 (ZENIT.org). – ننشر في ما يلي عظة الفصح لمار بشاره بطرس الراعي بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للطائفة الأنطاكية المارونية.
* * *
فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان،
إخواني السادة المطارنة والآباء،
أيها الإخوة والأخوات
1. حقيقة موت المسيح ودفنه، وظهوراته والقبر الفارغ تؤكّد كلّها مجتمعة قيامته. فيسوع، ابن الله المتجسّد، مات على الصليب فداءً عن خطايا البشرية جمعاء، وصالح الله بدمه مع كلّ إنسان، لكي نعيش المصالحة مع الله ومع بعضنا البعض؛ وقام لتبريرنا (روم4: 25)، وإعطائنا الحياة الجديدة، هي الحياة الإلهيّة فينا. هذه أبعاد إعلان الملاك للنسوة في فجر أحد القيامة: “لا تخفْنَ. أتطلبْن يسوع الناصري الذي صُلب؟ لقد قام وليس هو هنا” (مر16: 6). ونحن بدورنا نعلن هذه البشرى للعالم أجمع بتحية العيد: المسيح قام! حقّاً قام!
2. يسعدنا، فخامة الرئيس، أن نُرحِّب بكم على رأس المصلّين الكرام، في عيد قيامة الربّ يسوع من بين الأموات، ومن بينهم وزراء ونواب ورؤساء مجالس بلدية ومخاتير وسواهم من العاملين في الحقلَين العام والخاص؛ وأن نتقدَّم من فخامتكم ومن الحضور الكرام جميعاً بأخلص التهاني بعيد الفصح المجيد، وأطيب التمنّيات، ليفيضَ المسيح الرب، القائم من الموت، نعمه وسلامه والسعادة عليكم، وينعم على لبنان والبلدان العربية المتعثّرة بالوفاق والاستقرار والسلام العادل والشامل. إنكم بحضوركم في هذا الكرسي البطريركي تضفون على قدسيّة العيد فرحاً وسعادة. ومن دواعي السرور أنّكم، بفضل إيمانكم بقيامة المسيح الممجّدة من الموت، والفاعلة في قيامة القلوب، تعملون كرأس للجمهورية اللبنانية على قيامتها من ركام نتائج الحرب، ومن تعثّر الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية فيها. كما وأنّكم تحاولون أن تهدموا أسوار التفرقة والإنقسام، وتبثّوا روح الأخوّة والتعاون على أساس المواطنة والإنتماء إلى وطن يحتاج مساهمة جميع أبنائه ومكوّناته للنهوض إلى حالة التقدّم والإستقرار. إنّكم بذلك تحقّقون ما يدعونا إليه المسيح الربّ بموته وقيامته، على ما يقول بولس الرسول:
“والآن بيسوع المسيح، أنتم الذين كنتم من قبل بعيدين، صرتم بدم المسيح قريبين، لأنّه هو أماننا الذي جعل الاثنين واحداً، وهدم بجسده السياج القائم في الوسط…وقتل العداوة بصليبه، وجاء يحمل بشرى السلام إليكم، إلى البعيدين والقريبين،…لتكونوا بني مدينة القديسين، بني بيت الله” (أفسس2: 13-19).
3. إننا، ككنيسة نعمل معكم، فخامة الرئيس، ومع كلّ ذوي الإرادة الحسنة، من أجل وحدة الشعب اللبناني بكلّ طوائفه ومكوّناته، بعيداً عن أيّ انقسام وعداوة، وعن أي اصطفاف وتلوّن وانحياز. إنّ قيمة لبنان هي في تعدديته ثقافيّاً ودينيّاً وحزبياً وسياسيّاً، وهذه من صلب الديموقراطية القائمة على العيش معاً في المساواة أمام القانون، بالحقوق والواجبات، وعلى احترام التنوّع على كلّ صعيد، وعلى تعزيز الحريات العامّة، ولا سيّما حرية الرأي والتعبير والمعتقد، وتأمين حقوق الإنسان الأساسيّة.
ونعمل معكم أيضاً لتجنّب إدخال وطننا في لعبة المحاور والأحلاف الأقليمية والدولية، أكان على أساس سياسي أم ديني مذهبي. فلبنان مدعوٌ، بحكم تكوينه الجغرافي والسياسي، إلى أن يكون حيادياً، بحيث يستطيع أن يكون عنصر سلام واستقرار في المنطقة، وواحة لقاء وحوار للحضارات والأديان، وملتزماً قضايا الأمّة العربية والأسرة الدولية في إحلال السلام والعدالة، ومحاربة العنف والإرهاب، وعاملاً على نشر قيم الحداثة، ولاعباً دور الجسر الثقافي بين الشرق والغرب.
4. نقرأ في الإرشاد الرسولي “رجاء جديد للبنان” أنّ إحياء لبنان، بالنسبة إلى جميع سكّانه، مهمة مشتركة” (فقرة1). فلا يمكن إقصاء أحد، أو الإستغناء عن أحد، أو إلغاء أحد. ولتبقَ الخياراتُ السياسية المتنوّعة غنىً ووسيلةً للوصول إلى الخير العام، الذي منه خير كلّ إنسان. أليست الخياراتُ السياسية أنواعاً مختلفة من فنّ الممكن؟ فلا يمكن أن تُطلق على أيّ خيار سياسي صفة المطلق، بل الخيارات كلها نسبيّة، لأنّها تستنسب طرق تطبيق المبادئ العامة والثوابت الوطنية من أجل خدمة الخير العام وخدمة المواطن اللبناني والمجتمع والكيان الوطني. جُلّ ما يُطلب هو أن تكونَ الخياراتُ أمينةً للمبادئ العامة والثوابت ولأهدافها الرامية إلى الخدمة المذكورة.
5. “أتطلبن يسوع الناصري الذي صُلب؟ لقد قام وليس هو هنا” (مر16: 6). هذه شهادة الملاك للنسوة. لكن القيامة في الأساس هيشهادة الله عن يسوع المسيح، يؤكّدها بطرس الرسول بقوله: “يسوع الناصري الذي قتلوه إذ علّقوه على خشبة، أقامه الله في اليوم الثالث، ونحن شهود على ذلك” (أعمال 2: 32؛ 10: 38-40)، وبولس في أريوباغس أتينا: “أقامه الله من بين الأموات وجعله ضمانة لنا” (أعمال 17: 31)، ضمانة لقيامتنا الروحيّة بالتوبة، والحسّية بقيامة الأجساد، وضمانة لحقيقة المسيح ولأصالة شخصه ورسالته. هذه الضمانة تستمرّ في العالم بعمل الروح القدس الذي “يبكّت العالم على الخطيئة لأنّهم لا يؤمنون بيسوع، وعلى صلاحه لأنّه مضى إلى أبيه، وعلى الدينونة لأنّ سيد الشرّ في هذا العالم قد حُكم عليه” (يو16: 8-11). يعتبر القديس بولس أنّ قيامة المسيح هي الأساس الذي يقوم عليه بناء الإيمان المسيحي: “لو لم يقم المسيح، لكان إيماننا باطلاً، ولكنّا شهوداً كذبة، ولحسبنا نفوسنا أشقى الناس” (1كور15: 14-15 و19).
6. المسيح بقيامته، أصبح سلامنا (أف 2:
14) وأساس البنوّة لله والأخوّة بين الناس. فمن بعد قيامته وفي ظهوراته راح يستعمل لفظة الأخوة والبنوّة والسلام. لمريم المجدلية التي كانت تبكي أمام قبره، صباح أحد القيامة، وظَهَرَ لها، قال: “إذهبي إلى أخوتي، وقولي لهم: إنّي صاعد إلىأبي وأبيكم، إلهي وإلهكم”(يو 20: 17). بالمسيح أصبح جميع الناس أخوة، وبالمسيح إبن الله الأزلي أصبح جميع المؤمنين أبناءً لله. بهذه الهوية نحن نؤمن، وفي سبيلها نعمل، وإياها نُعلِّم.
وفي كلِّ مرّة كان يظهر لرسله، على مدى أربعين يوماً، كان يبادرهم بتحية: “السلام معكم”(يو 20: 19 و26)، وكان مع سلامه بعطيهم الطمأنينة والسكينة الداخلية، وينتزع من قلوبهم الخوف، ويُجري الآيات، ويُشدّدهم في رسالتهم. سلام المسيح هو ثقافتنا التي ننشرها، وخيارنا الدائم الذي نتقيَّد به، لأنَّ البنوّة لله نحقّقها بأفعال ومبادرات السلام، عملاً بقول المسيح الرب: “طوبى لفاعلي السلام، فهؤلاء أبناء الله يُدعَون”(متى 5: 9).
7. قيامة المسيح من الموت هي ضمانة قيامة القلوب من موت الخطيئة والشرّ. المسيح حيٌّ: حاضرٌ في الكنيسة، وفاعلٌ في العالم حتى نهاية الأزمنة (متى 28: 20). حاضر وفاعل بكلامه الحيّ، وبجسده ودمه في سرّ القربان، وبنعمة الأسرار، وبروحه الحيّ القدّوس الذي يحقّق في المؤمنين ثمار الفداء والخلاص.
المسيح القائم من الموت قريب من كلّ إنسان، ومعاصر له. فهو الربّ الذي “هو كائن، وكان وسيأتي” (رؤيا 1: 4)، والذي تناديه الكنيسة وكلّ مؤمن ومؤمنة، في كلّ يوم: تعال، أيّها الربّ يسوع” (رؤيا 22: 20)، ولك المجد والتسبيح أبد الدهور، آمين.
المسيح قام! حقاً قام!
–